بعد مرور حوالي 25 عاما من سيطرة حزب العدالة والتنمية التركي على مدينة إسطنبول، نجح المعارض التركي، أكرم إمام أوغلو، في تولي رئاسة بلدية إسطنبول، بعد أن حقق انتصارا كبيرا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزبه. وأصبح أكرم إمام أوغلو، غصة في حلق أردوغان، بعدما قام بأكبر ضربة قاسية للرئيس التركي بفوزه برئاسة بلدية إسطنبول، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل يصر على مواصلة فضح ممارسات أردوغان والمطالبة بمحاكمته. وأطلق رئيس بلدية إسطنبول الجديد، حملة لإجراء تحقيق مفصل حول ممارسات حزب العدالة والتنمية بالبلدية طيلة ال17 يوما التي امتدت من يوم إجراء الانتخابات في 31 مارس الماضي، حتى يوم تسلمه الرئاسة في 17 أبريل الجاري. ولكن المحكمة الإدارية الرابعة بمدينة إسطنبول، أصدرت قرارا بوقف تلك الحملة، مرجعة قرارها إلى ضرورة الكشف عن أسباب طلب أكرم إمام أوغلو، بتدقيق قاعدة البيانات الإلكترونية للبلدية، ونسخ البيانات الموجودة في قاعدة البيانات. وجاء قرار المحكمة بوقف التحقيقات بعد طلب تقدم به عضوا مجلس بلدية إسطنبول المنتميان لحزب العدالة والتنمية الحاكم، يوكْسَك أرول، وعمر فاروق قالايجي. وطالبت المحكمة، بإبلاغها بأسباب نسخ البيانات المطلوبة في قاعدة بيانات البلدية التي طالب بها عمدة إسطنبول الجديد. وعقب صدور هذا القرار أصدرت بلدية إسطنبول بيانا، قالت فيه إنه لم يصل إليها أي بلاغ رسمي بقرار المحكمة، وأنها ستقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة حال وصول البلاغ إليها. وذكرت صحيفة "إندبندنت" التركية، على موقعها الإلكتروني، أن إمام أوغلو كلف مفتشين اثنين من العاملين في لجنة التفتيش بالبلدية، مع ثلاث خبراء آخرين سيتم تكليفهم، ومنحهم صلاحية تدقيق قاعدة البيانات الإلكترونية. وقالت الصحيفة التركية، إن حملة التفتيش التي أطلقها إمام أوغلو لا تقتصر على مجرد فحص قاعدة البيانات، إذ أرسل خطاباً إلى شركات البلدية في 18 أبريل الجاري غداة توليه المنصب، وطلب منها الكثير من المعلومات والوثائق، بينها سجلات البنوك. وطلب إمام أوغلو، محاضر تحديد الحيازات المصرفية خلال الفترة من يوم الانتخابات 31 مارس الماضي، وحتى يوم إرسال الخطاب 18 أبريل الجاري، وأيضا وثائق الأملاك غير المنقولة المسجلة في إدارة تسجيل الأراضي بالبلدية، إلى جانب قوائم المركبات المسجلة باسمها، وأسماء مستخدميها، والحواسيب ما بين مكتبية ولوحية، والهواتف المحمولة، وأسماء الأشخاص المخصصة لهم مع لوائح الموظفين سواء كانوا دائمين أم متعاقدين. وأراد عمدة بلدية إسطنبول، الكشف عن النسخ المصدقة عن الجداول المالية، ونتائج الميزانية، ومحاضر إحصاء الخزانات والممتلكات والقيم المنقولة. يأتي ذلك في ظل استلام عدد من المرشحين الفائزين برئاسة عدد من البلديات، مناصبهم، وقد ورثوا عن سابقيهم من المنتمين لحزب العدالة والتنمية الحاكم ديونا هائلة. وكان آخر هؤلاء رئيس بلدية ماردين الكبرى، عضو حزب الشعوب الديمقراطي الكردي أحمد تُرك، قال إن خزانة البلدية كان بها فى السابق 93 مليون ليرة تركية، ولكنه تسلمها الآن مدينة بمبلغ 620 مليون ليرة. جاء ذلك في أول اجتماع عقده ترك بالبلدية، وقال فيه: "لما أبعدتني حكومة حزب العدالة والتنمية عن رئاسة بلدية ماردين في 2016، وعينت عليها وصيا قضائيا كان في خزانة البلدية 93 مليون ليرة نقدية، وتسلمت الآن البلدية من الوصي وهي مدينة بمبلغ 620 مليون ليرة". وأضاف: "هذا شيء جنوني لا يستوعبه العقل، كيف يمكن أن تكون 620 مليون ليرة دينا لبلدية مدينة جميع إيراداتها تصل إلى 6 ملايين ليرة فقط؟". ومن جهة أخرى، طالب عمدة إسطنبول الجديد، من يتقاضى رواتب من موظفي البلدية، ولا يقومون بتأدية أية مهام أو خدمات، أن يتقدموا باستقالاتهم ويرحلوا عن العمل. وقال أوغلو، خلال اجتماع عقده مع العاملين في مبنى البلدية بمدينة فاتح، إنه لا مكان لمن لا يحلل راتبه الشهري، حسبما ذكر موقع "خبردار" التركي. وأضاف إمام أوغلو، أنه يقدر العمل ومن يجتهد، وأنه لا توجد أية مشكلة بينه وبين كافة العاملين في البلدية سوى تقدم الخدمات اللازمة للمواطنين بشكل يلبي رغباتهم وطموحاتهم. وقال الكاتب التركي أرجون باباهان، إن مرشح حزب الشعب الجمهوري الفائز برئاسة بلدية إسطنبول أثبت أنه سيكون الشخصية الأبرز على الساحة السياسية التركية، ولديه القدرة على هزيمة الرئيس رجب طيب أردوغان، في أول استحقاق انتخابي مقبل. وأضاف باباهان، في مقال نشره على موقع "أحوال تركية" المعارض، أن تنصيب إمام أوغلو رسميا رئيسا لبلدية إسطنبول أمرا كان من شأنه تغيير أجواء تركيا بشكل عام، وليس أجواء إسطنبول وحدها. وفي السياق ذاته، لفت الكتاب التركي باباهان، إلى أن الكلمة التي ألقاها إمام أوغلو عقب تسلمه مضبطته، كانت بكل مفرداتها وتعابيرها من النوع الذي يشتاق إليه الناس منذ 10 سنوات تقريبا. وتعد من أبرز العوامل التي زادت من جماهيرية إمام أوغلو، هي شخصيته والكاريزما التي لديه، والتي تجعله ماهرا في فن الخطابة، وقادرا على إيصال رسائله إلى الناس من مختلف الشرائح والطبقات، مما يجعله بمثابة تهديد لمقعد أردوغان الرئاسي، كونه قد يكون قادرا على منافسته خلال بضعة أعوام. ولد إمام أوغلو، في مدينة طرابزون شمال شرقي تركيا، عام 1970، وتخرج فى جامعة إسطنبول وحصل على بكالوريوس إدارة أعمال، مثله مثل أردوغان الذي درس إدارة الأعمال بجامعة مرمرة. واستمر أوغلو برسم طريق النجاح في عدة مجالات، منها إدارة شركة مختصة بأعمال البناء، قام بعدها بتأسيس وإدارة نادي طرابزون سبور لكرة القدم، الذي أصبح من أفضل الأندية في الدوري التركي الممتاز. واتجه أوغلو إلى السياسية، ليصبح عضوا بارزا في حزب الشعب الجمهوري المعارض عام 2008، عندما كان أردوغان رئيسا للوزراء. وفي نفس العام تسلم أردوغان رئاسة البلاد، واستمرت شعبية أوغلو بالتوسع في إسطنبول، حتى تم اختياره محافظا لبلدية بيليكدوزو، أحد أحياء القسم الأوروبي من إسطنبول. ويتربع إمام أوغلو الآن على رأس أهم المدن التركية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 15 مليون نسمة، وهو لديه الوقت الكافي لتوسيع قاعدته الشعبية بحلول عام 2023، موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا.