حروب كثيرة شهدتها القارة الأوروبية في القرنين السادس عشر والسابع عشر على خلفية الصراع بين المذهب الكاثوليكي والمذهب البروتستانتي الذي وضع أسسه الراهب الألماني مارتن لوثر والذي تمر اليوم ذكرى وفاته. فمن هو ذلك الشخص؟. ولد مارتن لوثر في10 نوفمبر 1483، وهو راهب ألماني، وقسيس، وأستاذ للاهوت، ومُطلق عصر الإصلاح في أوروبا، بعد اعتراضه على صكوك الغفران. نشر في عام 1517 رسالته الشهيرة المؤلفة من خمس وتسعين نقطة تتعلق أغلبها بلاهوت التحرير وسلطة البابا في الحل من "العقاب الزمني للخطيئة"؛ رفضه التراجع عن نقاطه الخمس والتسعين بناءً على طلب البابا ليون العاشر عام 1520 وطلب الإمبراطورية الرومانية المقدسة ممثلة بالإمبراطور شارل الخامس أدى به للنفي والحرم الكنسي وإدانته مع كتاباته بوصفها مهرطقة كنسيًا وخارجة عن القوانين المرعيّة في الإمبراطوريّة. أبرز مقومات فكر لوثر اللاهوتي هي أنّ الحصول على الخلاص أو غفران الخطايا هو هديّة مجانيّة ونعمة الله من خلال الإيمان بيسوع المسيح مخلصًا، وبالتالي ليس من شروط نيل الغفران القيام بأي عمل تكفيري أو صالح؛ وثانيًا رفض «السلطة التعليمية» في الكنيسة الكاثوليكية والتي تنيط بالبابا القول الفصل فيما يتعلق بتفسير الكتاب المقدس معتبرًا أنّ لكل إمرئ الحق في التفسير؛ وثالثًا أنّ الكتاب هو المصدر الوحيد للمعرفة المختصة بأمور الإيمان؛ وعارض رابعًا سلطة الكهنوت الخاص باعتبار أن جميع المسيحيين يتمتعون بدرجة الكهنوت المقدسة، وخامسًا سمح للقسس بالزواج. ورغم أن جميع البروتستانت أو الإنجيليين في العالم يمكن ردهم إلى أفكار لوثر، إلا أن المتحلقين حول تراثه يطلق عليهم اسم الكنيسة اللوثرية. قدّم لوثر أيضًا ترجمة خاصة به للكتاب المقدس بلغته المحليّة بدلاً من اللغة اللاتينيّة التي كانت اللغة الوحيدة التي سمحت الكنيسة الرومانية باستخدامها لقراءة الكتاب المقدس، ما أثر بشكل كبير على الكنيسة وعلى الثقافة الألمانيّة عمومًا، حيث عزز الإصدار من قياس مفردات اللغة الألمانيّة وطورت بذلك أيضًا مبادئ الترجمة، وأثرت ترجمته لاحقًا على ترجمة الملك جيمس باللغة الإنكليزية للكتاب المقدس؛ كما ألّف لوثر عددًا كبيرًا من التراتيل الدينيّة التي أثرت في تطور فن الترنيم في الكنائس. حدثت الكثير من الصدامات فى ألمانيا بسبب هذا الحراك مارتن، لكن المشكلة الكبرى وقعت عندما انتقلت الفكرة إلى فرنسا عام 1520، أى بعد ثلاث سنوات فقط من ظهور وثيقة لوثر ذات ال95 نقطة، واعتنق العديد من الفرنسيين البروتستانتية. وفى عام 1562 اندلعت حروب دينية متتالية فى فرنسا كانت بدايتها بوضع البروتستانت منشورات ضد الكاثوليكية فى الشوارع، فقاموا بالرد عليهم من خلال سلسلة من عمليات القتل التى استمرت فى ثمانى حروب متتالية وخلّفت وراءها 2 مليون قتيل، وكانت أكثرها بشاعة ما عُرف بمذبحة سان بارتولوميو. وفى عام 1618 وقعت سلسلة من الصراعات الدامية بين المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت، بدأت شرارتها فى ألمانيا، وامتدت بعد ذلك لتشمل مناطق واسعة من أوروبا، راح ضحيتها أكثر من 8 ملايين قتيل، وخلّفت وراءها دمارًا واسعًا فى المدن والقلاع، وهى الحرب التى عُرفت فيما بعد بحرب الثلاثين عامًا، ووصفها المؤرخون بإحدى أطول وأعنف الصراعات فى التاريخ البشرى، وأكبر حرب دينية فى تاريخ أوروبا، والتى كان لها أبلغ الأثر فى تشكل أوروبا الحالية التى يراها البعض الآن باعتبارها مهد التسامح الدينى والتنوع العرقى. في السنوات الأخيرة من حياته، تزامنًا مع مرضه وتدهور حالته الصحيّة، كتب لوثر ضد اليهود وطالب بالتضييق على حرياتهم وحرق كنسهم ومنازلهم، ما دفع إلى رشقه بمعاداة الساميّة. مات مارتن أثناء زيارته لبلده مانسفلد التى نشأ بها، وذلك فجر يوم الخميس 18 فبراير سنة 1546، ودُفِن يوم 22 فبراير فى المدينة التى عاش فيها وهى فيتمبرج.