أثار إعلان الكاتب والسيناريست مدحت العدل الأسبوع الماضي عن كتابته لفيلم سينمائي عن حياة البابا شنودة الراحل يحمل اسم "بابا العرب"، حالة من الغضب داخل الكنيسة الأرثوذكسية التي أكدت أن حياة البابا خط أحمر ولا يجوز تناولها في السينما. وكان العدل قد أوضح في تصريحات له أن حياة البابا شنودة تصلح لكتابة عمل درامي أو سينمائي لأنها مليئة بالأحداث الدرامية حيث قال "البابا الراحل درس التاريخ الفرعوني والإسلامي وكذلك التاريخ الحديث، كما أنه كان شاعرًا محبًا لكتابة وقراءة الشعر، ثم أصبح ضابطاً بالجيش وحارب سنة 1948ودخل السجن لأسباب سياسية، كما أنه ولد يتيمًا فقد توفيت والدته أثناء ولادته ومن أرضعته كانت امرأة مسلمة ويعد أهم بابا للمسيحيين فهو تركيبة إنسانية، وتستحق أن تخلد من خلال عمل درامي". تصريحات "العدل" دفعت الكنيسة لإصدار بيان أكدت فيه رسمياً رفضها لأى عمل درامي يتناول حياة البابا شنودة دون عرضه عليها، وأوضح البيان أن حياة البابا ملك الكنيسة ولا يحق لأحد تناولها دون الحصول علي إذن كتابي من الكنيسة التي تخشي من صدور عمل لا يليق بشخص البابا. كما نفت الكنيسة قيام أحد رهبان دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون بإنتاج فيلم عن حياة البابا الراحل، مؤكدة أن الدير لا علاقة له بأي فيلم، سوي الفيلم الوثائقي الذي أنتجه عن البابا شنودة تحت اسم "المزار". من جانبه أكد المجلس الملي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ضرورة الحصول على موافقة الكنيسة أولًا قبل إنتاج أفلام أو مسلسلات تتناول حياة البابا شنودة الثالث. وقال المجلس في بيان له "وفقًا لقوانين الكنيسة، فإن البابا شنودة الذي وهب حياته للكنيسة راهبًا ثم أسقفًا ثم بطريركًا، صار تاريخه ملكًا لها". وأكد البيان أن تأجيل إنتاج عمل فني عن البابا الراحل لن يحرم محبيه من شيء، قائلا "حياته مازالت حية في نفوس وعقول المصريين جميعاً".. مشيراً إلى أن المجلس لن يتردد في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد من يخالف ذلك. والغريب أن الكنيسة كانت قد أصدرت أكثر من فيلم يتناول حياة البابا الراحل مثل "الراعي" الذي يعد أول فيلم تناول حياته حيث عرض حقبة غير معروفة من حياته والتي تسبق الرهبنة، والعمل مأخوذ عن كتاب "مصباح الرهبنة المنير" للكاتب نشأت زقلمة. ويتحدث الفيلم عن الفترة التى تسبق تولي البابا الكرسي المرقسي وذلك لان تفاصيل هذه المرحلة من عمر البابا الراحل غير معروفة. ويبرز الفيلم بداية ميلاد البابا بإحدى قري الصعيد الفقيرة حيث كانت هناك علاقة قوية بين أهالي القرية من مسلمين ومسيحيين فقامت إحدى السيدات المسلمات بالتكفل برضاعة الطفل وذلك بعد رحيل والدته متأثرة بحمى النفاس، وبعد ذلك يتناول الفيلم فترة شباب البابا ومراحله الدراسية حتى الجامعة والتخرج والالتحاق بالقوات المسلحة كضابط احتياطى فى مدرسة المشاة ومشاركته فى حرب فلسطين عام 1948 وعمله كصحفي حتى رسامته أسقفا للتعليم". وقد جسد دور البابا شنودة في الفيلم الفنان أيمن أمير، بينما جسد عاصم سامي دور البابا كيرلس السادس، وقام الفنان عماد الراهب بدور روفائيل الشقيق الأكبر للبابا والذى تولى مسئولية تربية أشقائه والانتقال معهم من بلد لأخرى. ثاني الأفلام التي تناولت حياة البابا الراحل فيلم "المزار" وهو فيلم تسجيلي يتناول حياته منذ مولده وحتى وفاته ودفنه بمزاره بدير الأنبا بيشوى بوادي النظرون، وقد أعلن الأنبا صرابامون، أسقف ورئيس الدير، منتصف الاسبوع الماضي أن الدير انتهى من إنتاج فيلم تسجيلي ضخم عن حياة "شنودة". ويتضمن الفيلم العديد من المشاهد النادرة للبابا الراحل، والتى تعرض للمرة الأولى، ومن هذه المشاهد مشهد القبض عليه فى سبتمبر 1981عقب قرارات سبتمبر التي أصدرها الرئيس الراحل محمد أنور السادات. ويحتوى الفيلم على العديد من الشهادات لعدد كبير من المعاصرين للبابا شنودة، ويركز علي مواقفه السياسية والشعبية والوطنية الموثقة بالصوت والصورة. كما يسلط الضوء على مواقف البابا من أحداث الفتنة التي شهدتها مصر في بعض المناطق، فضلاً عن لقاءات مع العديد من الشخصيات منهم المطران منير حنا، والدكتور منير تواضروس أستاذ العهد الجديد بالكلية الإكلريكية، وجرجس صالح الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، وغيرهم. الفيلم من إنتاج دير الأنبا بيشوى وإخراج ألبير مكرم وأعده وكتبه الراهب القمص بولس الأنبا بيشوى أحد أعضاء طاقم سكرتارية البابا الراحل، واشترك فيه الأنبا صرابامون الذي روي الكثير من حياة البابا، وشارك فيه عدد ممن عايشوا البابا مثل المطران منير حنا مطران الكنيسة الأسقفية بمصر وسائر إفريقيا، وجرجس صالح الأمين العام الفخرى لمجلس كنائس الشرق الأوسط. وكانت قناة الجزيرة الوثائقية قد بثت فيلماً وثائقياً من إنتاجها عن تاريخ وشخص البابا شنودة تحت عنوان "البابا شنودة.. رحلة مؤسسة.. ومسيرة بطريرك" وذلك عام 2009 أثناء مرضه. من جانبهم رفض نشطاء أقباط احتكار الكنيسة إنتاج أعمال سينمائية أو درامية عن حياة البابا الراحل، موضحين أن البابا شخصية عامه ومن حق أي مؤلف تناول شخصيته في أي عمل فني، واقترح البعض أن يكون هناك إنتاج مشترك بين الكنيسة وإحدى شركات الإنتاج حتى تضمن الكنيسة الإشراف الكامل علي الفيلم. وأكد مينا كمال، رئيس لجنة شباب القاهرة بحزب الوفد موافقته علي تجسيد شخص البابا في فيلم سينمائي، مشيراً إلي أن هذا الأمر له الكثير من الأمور الإيجابية حيث يساعد علي تقوية روابط المحبة ببن المسلمين والمسيحيين في مصر ويعرّف الكثير من المسلمين بشخصية البابا شنودة ومواقفه الوطنية الخالصة ومنها رفض حج الأقباط للأراضي المقدسة إلا مع إخوانهم المسلمين مما يؤدي في نهاية المطاف لتقوية أواصل المحبة بين شقي الأمة. وتابع "علي الكنيسة أن تتميز بالمرونة في قبول هذا الفيلم من أجل الإيجابيات الكثيرة التي ستتحقق وعليها أن تخرج من الدائرة الضيقة للمجتمع ككل فمن غير المنطقي أن تظل تقدم أعمالها الي الأقباط فقط، ومن ثم عليها مخاطبة العالم المحيط بدلاً من العزلة التي لا تناسب العصر". وأشار إلي أن الكنيسة وبعض الأقباط لديهم بعض المخاوف من الأخطاء التي قد يتضمنها سيناريو الفيلم، وهذه المخاوف مشروعة ولكن من الممكن وجود إشراف كنسي على العمل الفني وهو أمر لن يعترض القائمون علي الفيلم عليه. ورفض الناشط القبطي أمير سمير احتكار الكنيسة إنتاج أعمال سينمائية أو درامية عن حياة البابا الراحل، مشيراً إلي أن المجلس الملى لا يملك الولاية على الفكر ولا يمثل الكنيسة القبطية في مواقفها، كما أن البابا شنودة شخصية جمعت بين الصفتين الوطنية والدينية ولذلك من حق الجميع تناول شخصيته في عمل فني جيد. وعبر عن خشيته من أن تتحول الكنيسة لجهة تساعد على مصادرة الفن والفكر وتقييد الإبداع في لحظة حرجة تتعرض فيها القوى التنويرية لهجمات متتالية. وأوضح أن الاقتراب من الشخصيات الدينية في الأعمال الدرامية والسينمائية ليس بجديد على الكنيسة، فهناك أكثر من فيلم تناول سيرة حياة البابا كيرلس السادس، كما أن المسيح نفسه تجسد فى أكثر من فيلم بعضها كان معه وبعضها اختلف مع رؤية الكتاب المقدس. واقترح قيام الكنيسة بالمشاركة في إنتاج إحدى الأفلام التي تتناول حياة البابا الراحل وذلك حتى تضمن الإشراف الكامل علي الفيلم.