أكد الكاتب التركي مصطفى أكيول في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استغل الفوضى التي شهدتها تركيا في الآونة الأخيرة في أغراض الدعاية لحزبه العدالة والتنمية الذي فاز بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات المبكرة التي جرت في 1 نوفمبر . وحذر اكيول من أن تركيا ربما تنجرف إلى سيناريو "مظلم"، إذا نجح أردوغان في إعادة تشكيل البلاد وفق رؤيته الخاصة القائمة على نقل السلطة من الأقلية العلمانية إلى أغلبية المحافظين المتشددين. استهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن الانتصار الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية المبكرة لم يكن متوقعاً، وانتهت فترة عدم الاستقرار السياسي التي بدأت منذ يونيو الماضي، حين فقد الحزب الحاكم أغلبيته البرلمانية للمرة الأولى منذ 13 عاماً، وبمعنى آخر لم تمثل فترة الأشهر الخمسة الماضية بداية نهاية هينمة حزب العدالة والتنمية كما كانت تأمل المعارضة، بل كانت "مجرد استراحة قصيرة للهيمنة الطويلة الأمد للرئيس رجب طيب أردوغان". ويتساءل الكاتب عن كيفية ارتفاع التصويت لحزب العدالة والتنمية من 40,8% في انتخابات يونيو الماضي إلى 49,5% في غضون خمسة أشهر فقط، ويرى أن الإجابة عن هذا التساؤل تكمن في قلق الناخبين إزاء "الاستقرار"، إذ قرر بعض المؤيدين السابقين للحزب الحاكم في انتخابات يونيو معاقبة حزب أردوغان، على غطرسته وفساده واستبداده. ولكن بعد فترة قصيرة جداً باتوا يشعرون بالقلق من أن تصبح البلاد غارقة في حالة من عدم الاستقرار، بسبب حزب العمال الكردستاني الكردي أو تنظيم داعش الإرهابي، ومن ثم ترسخت لديهم قناعة بأن تركيا تحتاج إلى يد حاسمة على رأس القيادة. يقول الكاتب: "يفسر العديد من النقاد في تركيا والغرب موجة الإرهاب الأخيرة التي تشهدها تركيا باعتبارها مجرد مؤامرة يقوم بها أردوغان لكسب المزيد من الأصوات، بينما يرى أنصاره في الوقت نفسه أن ما يحدث مؤامرة ضد أردوغان". ويشرح الكاتب أن الفوضى التي شهدتها تركيا نشأت على الأرجح نتيجة فشل عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، الأمر الذي يقع على عاتق الطرفين من وجهة نظره، إضافة إلى امتداد الحرب في شمال سوريا إلى تركيا، والتفجيرات الانتحارية للدولة الإسلامية على التجمعات الموالية للأكراد. ويلفت الكاتب إلى أنه على الرغم مما سبق، فإن الحكومة التركية قد استغلت بعناية تلك الفوضى في أغراض الدعاية الخاصة بها، كما تسببت هجمات حزب العمال الكردستاني على قوات الأمن في فقدان مصداقية حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد. ويضيف الكاتب: "التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة الأن: "هل ستكون هيمنة حزب العدالة والتنمية مجرد ظاهرة مؤقتة أم ستكون ثورة دائمة؟" ومنذ عام 2007 استمرت نسبة تأييد الحزب الحاكم في التأرجح ما بين 40 % و50 %، وعلى الأرجح أن هذه النسبة لن تتغير في السنوات المقبلة، وتقترح الظروف الراهنة أن الرئيس أردوغان وحزبه سيتمكنان من الفوز بسهولة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة المستحقة في عام 2019". وعلى الرغم من أن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، الذي يجلب الفرح لأنصار أردوغان والخوف لمعارضيه يبدو محيراً، فإنه واضحاً ومفهوماً من الناحية المجتمعية. ويفسر الكاتب قائلاً: "يتألف نصف سكان تركيا تقريباً من المحافظين المتدينيين الذين كانوا يعانون الاستبعاد والتهميش والسخرية من قبل النخبة الحضرية العلمانية، الأقل عدداً، التي سارت على نهج مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك، ويرجع الفضل إلى أردوغان في هزيمة هذه النخبة العلمانية وإعادة الشعب إلى السلطة في أعقاب 90 عاماً قضاها في التهميش، وكانت المرة الأولى التي يحظى فيها المحافظين المتدينيين بالسلطة والكرامة والثروة، كما منحهم أردوغان السرد الملهم بصفتهم العثمانيين الجدد، لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية التي كانت تتمتع بقيادة وحماية جميع المسلمين في كل أنحاء العالم". ويضيف الكاتب: "كان العديد من الليبراليين، بما فيهم أنا شخصياً، يأملون بسذاجة أن يتخذ هذا النقل للسلطة من الأقلية العلمانية إلى الأغلبية الدينية شكل المصالحة الوطنية، ولكن تدريجياً لاسيما في السنوات الثلاث الأخيرة، اتخذ هذا الانتقال شكل الانتقام تسمم السلطة وجنون العظمة، وشهدت البلاد سلسلة من المطاردات الشريرة واستخدام أساليب الترهيب بلا هوادة ومصادرة وسائل الإعلام الناقدة، ونتيجة لذلك تحولت تركيا بين عشية وضحاها إلى حالة نموذجية للديمقراطية غير الليبرالية حيث يسود حكم صناديق الاقتراع بينما تتلاشى كل من حرية التعبير وسيادة القانون". وبرأي الكاتب أنه حتى الأن يتقن أردوغان هذا الوضع ببراعة، لدرجة أنه جعل نفسه الزعيم التركي الأقوى منذ أتاتورك، ويطرح تساؤلاً محورياً للأمة التركية: "تُرى كيف سيتصرف خلال العقد القادم؟". ويلفت الكاتب إلى افتراض المتفائلين أنه بعد نجاحه في سحق جميع معارضية، سيشعر أردوغان بالاطمنئنان ويظهر القليل من الشهامة، وربما يترك مساحة أكبر لرئيس وزرائه أحمد داود أوغلو الذي يُعد أكثر اعتدالاً وأقل إثارة للجدل، والذي وعد في خطابه بوضع حد للاستقطاب والتوتر. وفي الوقت نفسه يحذر كاتب المقال من أن أنصار أردوغان المتشددين يروق لهم سيناريو آخر "مظلم"، يتمثل في إعادة تشكيل تركيا وفقا لرؤية أردوغان، على غرار ما قام به أتاتورك منذ قرن من الزمان، ولكن في الاتجاه المعاكس. وبري كاتب المقال يحمل مثل هذا السيناريو عواقب وخيمة، إذ أنه يرسخ الثقافة القبيحة الموجود بالفعل للمحسوبية والفساد والتملق داخل النخبة الحاكمة، وسوف يتحول العلمانيون الأتراك إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وسيؤدي هذا إلى هجرة العقول من النخب وانتشار التطرف بين اليائسين، وسيضر ذلك بالطبع بالاقتصاد وتتحلل سيادة القانون. ويختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن السبيل الوحيد للهروب من هذا المأزق يتمثل في الليبرالية والديمقراطية التعددية التي وعد بها أردوغان في المراحل الأولى من حكمه.