خطف الأول من التحرير والثانى من الإسكندرية والثالت من أسفل منزله اتهامات لجهات أمنية بتشكيل عصابات منظمة للخطف والاعتداء الجنسى على الثوار
من يستطيع أن يقتل الخيال.. أن يعذب الخيال..ان يسرق الخيال من ذاته فيصير قعيدا بلا حركة فى الهواء؟
من يقتل الورد.. من يقوى على تحطيم أوراقه وقصف عمره.. من يقوى على تعذيب نسمة الهواء الطائرة أو حبسها داخل زنازين وقضبان، من يستطيع أن يمنع الندى من السقوط صباح كل يوم ليفترش وجه الزهور.. فحين تفرد جناحها الأسود فى الليل وتقطف كل الزهور وتهرب.. تظهر فى شوارعنا وحوارينا وبجوار منازلنا تترقب لحظة ضعفنا الوحيدة لتنال منا.. لم يكن امامنا سوى مواجهتها فى النهار..نحن أصحاب النهار وهم أصحاب الليل وظلامه لذلك لا يفعلون هذه الجرائم إلا بعد انكسار الضوء وهزيمته..
يواجه الثوار والنشطاء موجة جديدة من بطش المؤسسات الأمنية فى مصر.. لعلها ظاهرة لم يحترفها نظام المخلوع مبارك إلا فى القليل النادر لتربية خصومه، ولكن مع المجلس العسكرى أصبحت متكررة وبالتحديد خلال الأسابيع القليلة الماضية وهى ظاهرة خطف النشطاء لساعات وتعذيبهم والاعتداء على بعضهم جنسيا ثم يتم إلقاؤهم فى الطرق البعيدة عن السكان فى حالة مزرية وبعدها يعيش الشخص حالة نفسية سيئة بسبب التجربة المؤلمة التى عاشها لساعات أو لأيام..
ربما لم يتلفت النشطاء الى هذه الظاهرة إلا فى نهاية الاسبوع الاخير من اعتصام التحرير وقبل نقله الى مجلس الوزراء، ولكن هذا لا يعنى ان الظاهرة بدأت منذ فترة بعيدة، كما حدث مع كشف قضايا المحاكمات العسكرية للمدنيين فى مارس الماضى حين تم القاء القبض على النشطاء الذين عرفوا أن الشرطة العسكرية ألقت القبض على آلاف من المصريين خلال شهور الثورة الأولى دون ان يدرى احد، وهذا ما حدث مع كشف قضايا الاختطاف والتعذيب الذى يمارس فى أوقات مختلفة ومع شباب ينتمون للتحرير بشكل او بآخر..
كانت المرة الاولى التى ادرك النشطاء ان هناك حالات خطف تتم حول ميدان التحرير كان فى 3 ديسمبر الماضي، حين وقعت معركة فى الميدان بين الباعة الجائلين وبعض المعتصمين، ثم تطور الامر بشكل غريب الى هجوم من البلطجية على الميدان بالخرطوش والمولوتوف وحينها كان عدد كبير من النشطاء يقف على مداخل الميدان من ناحية عبدالمنعم رياض وظهر نديم امين ولارى نبيل وعادل صليب وهم مجموعة من الشباب الذين لهم انشطة على شبكات التواصل الاجتماعى مثل التويتر وفى التحرير ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين أصر الثلاثة على التحرك صوب منطقة المعركة المحتدمة لرؤية ما يحدث هناك.. بعدها باقل من نصف ساعة انتشر خبر على التويتر ان نديم اختطف وبعدها تم اغلاق تليفونه المحمول لعدد كبير من الساعات وحتى صباح اليوم التالي. ظل الجميع يبحث عن نديم حتى فوجئ اصدقاؤه ومن بينهم عادل صليب الذى كان برفقته قبل الاختطاف والمحامى مالك عادلى برسائل نصية وصلت على هواتفهم المحمولة لتؤكد انه اختطف فى سيارة كيا سوداء من جوار مديرية امن الجيزة..لم نعرف شيئاً عن نديم سوى بعد صباح اليوم التالى من خلال أخيه الذى قال انه عاد وبه عدد من الاصابات وانه يحتاج الى طبيب وراحة..خلال هذه الفترة لم يستطع احد منا الحديث الى نديم بعد ان اختفى من على تويتر على عكس العادة كما حاول اصدقاؤه البحث عنه لمعرفة ما حدث له، ولإقناعه بضرورة نشر ما حدث، فالمسألة ليست شخصية على الاطلاق.. بعد ذلك بايام قرر نديم ان يفصح عما حدث له، والمرارة واضحة فى كل كلمة كتبها أو قالها.. ما حدث انه حين خرج الى عبدالمنعم رياض وقف وسط مجموعة من الاشخاص الذين راحوا يسبون فى التحرير فدافع وقال ما يحدث من خناقات مفتعلة من قبل التحريات العسكرية، حينها وقف اشخاص يحرضون عليه المارة والواقفين والزعم بأنه غير مصرى فبدأت خناقة معه لم يخرج منها إلا بمساعدة اصدقائه.. بعدها ركب تاكسى مع آخرين لا يعرفهم للفرار من الخناقة، واثناء رحلته بالتاكسى لمح سيارة كيا سوداء تسير خلف التاكسى من التحرير فاستشعر الخطر وكتب رسالة الى اصدقائه يقول فيها انه مراقب واستعد ان يرسلها فى اى وقت.. نزل من التاكسى على قدميه وحاول ان يسير فى شوارع مختلفة لشعوره انه مراقب وفجأة فتحت سيارة جيب كحلى ابوابها ليظهر شخصان الاول يدفعه الى الداخل والآخر يسحبه داخل ارضية السيارة الجيب لتبدأ وصلة العنف ويتحدثون اليه بكلمات من نوع : كنت واقف فى التحرير بتعمل إيه وبتشتغل مع مين، انت شكلك مش مصرى ثم راحوا يفتشونه بعدها غموا عينيه وقيدوا وقدميه ويديه بكوفيات وتحركت السيارة بعد ان ارتفع صوت الكاسيت للتغطية على ما يحدث داخل السيارة.. وفى لحظة اخرى توقفت السيارة لتستقبل شخصا آخر ليتوقف العنف ويعاد تفتيشه جيدا ثم يخرج الشخص من السيارة ليجرى مكالمة بعيدة عنه..ووسط هذا كله لا يتحدث الخاطفان مع بعضهما فى اى تفاصيل، وظل نديم ملقى على ارض السيارة دون حراك نهائيا ولا يرد على الاسئلة أو الاهانات حتى توقف مستوى العنف وفوجئ بالسيارة تقف وترميه على طريق العاشر من رمضان.. نديم رفض ان يشرح فى شهادته اى تفاصيل عن الانتهاكات الجسدية الاخرى التى وقعت له.. هو يكره هذه اللحظات ويرى فى الحديث عن تفاصيله يؤلمه أكثر.. وعلينا ان نخمن ماذا حدث.
ولكن شهادة زياد سالم عضو مجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين فى إسكندرية، جاءت لتكمل شهادة نديم وتكشف عن مخطط لاختطاف النشطاء وكسر روحهم، فبعد اسبوع من اختطاف نديم، تعرض زياد سالم لحادثة مشابهة ولكنها كانت اكثر وضوحا من حادثة نديم ربما لانه شرح كل تفاصيلها بقوة وعناد.. زياد كان خارجا من لقاء ووقف امام مكتبة الاسكندرية ليأخذ «ميكروباص» ليعود الى بيته وكان غريبا ان يقف الميكروباص ليسأله اين يذهب فيرد بشكل طبيعى ثم يركب وفى منتصف الطريق يفاجأ انه انحرف عن طريق الكورنيش ليدخل فى شارع آخر، وفجأة اندفع شخص من الراكبين مع السائق الى الخلف ومعه سكين الى زياد للسيطرة عليه داخل السيارة بينما زياد يحاول الافلات لكنه فشل فى البداية ظن انها حادثة سرقة عادية حتى قال له احدهما: احنا عارفين اسمك يا زياد وبعدها بدأت حفلة التحرش الجنسى بزياد داخل سيارة الميكروباص لفترة وظل هو يقاوم ثم بدا الشخص الآخر فى تفتيشه وقال لهما زياد «خدوا ما تريدوه» وظل الوضع داخل السيارة بهذه الحالة بينما يرفع واحد منهما سكين على رأس زياد حتى وصلت السيارة الى طريق مظلم تماماً وتم القاؤه من السيارة وخلفه حقيبته، وكانت المفاجأة أنهما تركا كل محتويات الشنطة التى كانت تضم آى بود وبلاك بيرى وسرقا تليفون مجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين الرخيص الثمن لكنه كان يحتوى على ارقام كثيرة من أهالى الضحايا والمعتقلين، وقبل حادثة خطف زياد تلقى هو نفسه على تليفونه مجموعة تهديدات مختلفة..
من الاسكندرية الى القاهرة مرة اخري، ومع اقتراب الساعة الثانية عشرة من صباح 12 ديسمبر، فوجئنا بأن عبدالرحمن عز طالب الهندسة وعضو ألتراس وايت نايتس وفنان الجرافيتى الذى يعمل مع مجموعة لا للمحاكمات العسكرية، تعرض لعملية خطف من اسفل منزله بشبرا ثم رمى على طريق مجهول واصطحبه بعض المارة الى العباسية حتى توصل اليه اصدقاؤه.. عبدالرحمن تعرض هذه المرة الى الضرب المبرح والصعق بالكهرباء من قدميه..عبدالرحمن الذى يهتف دائما ضد العسكر ويرسم على الحوائط ليعبر عن الحرية تعرض الى عملية اعتداء بشعة وتم نقله فجر 12 ديسمبر الى مستشفى السلام بالمهندسين لعمل الاسعافات العاجلة له وسط اصدقائه وهم يرون ان الخطر يقترب من الجميع فمن لم يحصل على رصاصة ليمت فقد عينه ومن لم يفقد عينه يتعرض للانتهاك والاعتداء فى ظلمة الليل.
حوادث الاختطاف لم تطل النشطاء فقط، بل هى فى الاساس يتعرض لها الثوار الذين لا يعرفهم احد وقد شاهدنا بعضها فى التحرير اثناء الاعتصام الاخير، فكل يوم يأتى الينا شخص ليبلغنا باختفاء أحد من أقاربه أو أصدقائه وكان من بينهم فتاة تدعى «مدينة» ظل خطيبها يبحث عنها ليلة كاملة ثم عادت لتؤكد أنها اختطفت وضربت وكان من يضربونها يقولون لها « أنتوا مش عاجبكم الجيش والشرطة يا ولاد.. احنا هنحرمكم تيجوا التحرير».. هذه الحالات يؤكد عليها محمد عبدالعزيز المحامى الذى يعمل فى مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف الذى يقول إنه يتلقى يوميا اتصالات من اشخاص يبلغون عن ذويهم واصدقائهم ثم بعدها يعودون ليأكدوا عودتهم بعد ان تم الاعتداء عليهم والاخطر انهم رافضون إبلاغ النيابة بما حدث، فما تم توثيقه ضعيف جدا بالمقارنة مع ما يحدث.. بالطبع نحن يمكننا أن ندرك طبيعة الاجهزة الامنية التى تقوم بهذه الادوار ولصالح من، وببساطة يمكننا ان نضع حوادث الاختطاف والاعتداءات المجهولة بجوار حوادث قتل المتظاهرين المجهولة ايضا والمتهم فيها فرق قناصة غير معروف انتماؤها أو تكوينها حتى الآن.. فالعصابات التى تحكم مصر مستمرة فى الحكم ولكن الثورة أيضا مستمرة