شرايين الحياة إلى سيناء    الكمار: الحوار الوطني فكرة ناجحة.. وتفعيل توصياته انتصاراً للديمقراطية    نقيب البيطريين: نستورد 90% من احتياجاتنا من لقاحات الحيوانات من الخارج    عمرو القماطي: التحالف الوطني يقوم بدور رائد وأثبت وجوده داخليا وخارجيا    قطارات السكة الحديد تغطي سيناء من القنطرة إلى بئر العبد.. خريطة المحطات    شكري يُشارِك بالاجتماع التشاوري لبحث جهود وقف الحرب الإسرائيلية على غزة    مصر تواصل الجسر الجوى لإسقاط المساعدات على شمال غزة    تعليق ناري من أحمد موسى على مشاهد اعتقالات الطلاب في أمريكا    حلم البريميرليج يتبخر.. ليفربول يهدر 10 نقاط في مراحل الحسم    الأمن العام يشن حملات مكثفة على المخابز السياحية ويضبط 39 طن دقيق مدعم    أمن المنافذ يضبط 27 قضية تهريب وتزوير خلال 24 ساعة    ضبط المتهم بقتل تاجر خردة بحوزته مخدرات في الدقهلية    مها الصغير تعلق على شائعات طلاقها من أحمد السقا: «ولادي هيتأذوا» | فيديو    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية «بيكلموني» التريند في 3 دول عربية    يصل سعره ل 45 ألف جنيه..«تيشرت» حفل عمرو دياب في البحرين | صور    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    "اشتغلت مديرة أعمالي لمدة 24 ساعة".. تامر حسني يتحدث عن تجربة ابنته تاليا    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    افتتاح المدينة الطبية بجامعة عين شمس 2025    غدا.. إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية "رشوة آثار إمبابة"    80 شاحنة من المساعدات الإنسانية تعبر من رفح إلى فلسطين (فيديو)    ما هي مواعيد غلق المحال والكافيهات بعد تطبيق التوقيت الصيفي؟    صور.. إعلان نتائج مهرجان سيناء أولا لجامعات القناة    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    «الحياة اليوم» يرصد حفل «حياة كريمة» لدعم الأسر الأولى بالرعاية في الغربية    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    طاقة نارية.. خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد من هذا القرار    أنس جابر تواصل تألقها وتتأهل لثمن نهائي بطولة مدريد للتنس    بالصور.. مجموعة لأبرز السيارات النادرة بمئوية نادى السيارات والرحلات المصري    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| الأنابيب الكيني يفوز على مايو كاني الكاميروني    ليفربول يُعوّض فينورد الهولندي 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع المدرب الجديد    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بلينكن في الصين.. ملفات شائكة تعكر صفو العلاقات بين واشنطن وبكين    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    عمرو صبحي يكتب: نصائح لتفادي خوف المطبات الجوية اثناء السفر    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل حمودة يكتب: اللعب مع المافيا الروسية.. قصص واقعية 12
نشر في الفجر يوم 21 - 03 - 2022

أعاد السادات التوكيلات التجارية لتهيمن على ما تستورده مصر وكان يقترب من 12 مليار دولار فى ذلك الوقت بهامش ربح يزيد على المليارى دولار سنويا وبجرة قلم أصبح فى مصر ألفان من أصحاب الملايين
ورغم الظروف السياسية الشائكة التى جرت فيها زيارة وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر بعد شهر من حرب أكتوبر إلا أنه أصر على أن ترقص له نجوى فؤاد ولو نصف ساعة قبل أن يغادر جناحه فى فندق هيلتون النيل
لم يعد سامح السمرى يطيق شخصية السفير التى يتقمصها طوال خمسة عشر عاما قضاها فى الهند ومدريد وستكهولم وبيونيس أيرس.
كنت عائدا من نيويورك عندما وجدته على متن الطائرة ذاتها فى درجة «البيزنس» وما أن لمحنى حتى جاء مصافحا واستأذن الراكب الجالس إلى جوارى فى تبادل مكانيهما فوافق مرحبا.
طوال ساعات السفر لم يكف السمرى عن إخراج ما يكتم فى صدره مستغلا ما بيننا من صداقة تعود إلى سنوات الدراسة فى الجامعة:
أنا عائد إلى القاهرة لتقديم استقالتى.
لم وأنت لم تصل إلى سن التقاعد بعد؟.
لن أنتظر حتى أصاب بجلطة فى المخ أو سكتة فى القلب.
أنت واحد من أفضل سفرائنا وكثيرا ما ترشحت وزيرا للخارجية فما الذى جرى؟.
أعرف أن السياسة الخارجية يصنعها الرئيس وينفذها الوزير ولكن نحن السفراء كنا نقدم إليهما المعلومات ونجرى الاتصالات ونضع التقديرات والتوقعات إلا أن شبكات الخبر وفضائيات الصورة أصبحت تعرف أكثر وأسرع منا حتى باتت تقاريرنا السرية ميتة لا تنعى الجهد الذى يبذل فى كتابتها.
لو صح ما تقول لم بقيت سفارات دول العالم قائمة؟.
لو أغلقت لن تترك وراءها فراغا مؤثرا.
وكيف تتفاهم الدول مع بعضها البعض؟.
هناك خطوط للاتصالات الآمنة بين حكام العالم وفرتها التكنولوجيا جعلتهم فى غير حاجة إلى سفير يوصل رسالة وينتظر ردا ويضيع وقتا ربما تفاقمت فيه الأزمة التى نبحثها.
تقصد أن مكالمات الكبار نالت من وظائفكم؟.
قطعا.
الأهم فى تصورى الدور الذى تلعبه أجهزة المعلومات فى السياسة الخارجية.
هذا صحيح إنها تعرف كل ما يعلن وما يخفى عن القضايا التى تهم حكوماتها كما أنها تعرف أسرع من غيرها وجهة نظر رئيس الدولة فلم لا تتصرف دون الحاجة إلى سفرائها؟.
كثيرا ما يجتمع مديرو تلك الأجهزة فى منطقة ما لبحث مشكلة ما قبل أن يسلمونها جاهزة إلى وزراء الخارجية لتعلن ما توصلوا إليه.
لم يعد ذلك سرا.
عندما زرت منطقة القرن الإفريقى فى بداية ثمانينيات القرن الماضى سمعت عن «نادى السفارى» الذى تكون من عدة أجهزة عربية وأوروبية وأمريكية وآسيوية لتخليص القارة السمراء من النفوذ السوفيتى.
تكرر المشهد ذاته فى أفغانستان لمواجهة السوفيت على أرضها وفى هضابها وجبالها.
هل ما تمنيته طويلا أصبح وهما؟.
«كن واقعيا واطلب المستحيل» هل نسيت ذلك الشعار الذى اقتبسناه من انتفاضة الشباب الفرنسى فى التظاهرات التى أشعلناها احتجاجا على الأحكام الهزيلة على متسببى الهزيمة.
دعنا من ذلك الصداع ما الذى تفكر فيه؟.
سأغفو قليلا ثم أخبرك بما تريد.
لكنه فى الحقيقة تهرب من الإجابة فلم يستيقظ إلا بعد أن هبطت الطائرة على الأرض ووجد فى استقباله فريق التشهيلات الذى قاده إلى استراحة كبار الزوار واقتربت منه هامسا:
«لو كنت سفيرا سابقا لما وجدت هذه «الزفة» فى انتظارك».
ابتسم راسما على وجهه كل ما ادخر من ملامح الجدية ومشى مسرعا ليتقدم من انتظروه على باب الطائرة متقمصا دور الشخصية المهمة.
جاء صيف ذلك العام شديد الحرارة مشبعا برطوبة خانقة ما عجل بالسفر إلى الساحل الشمالى وهناك دعيت لتناول إفطار على البحر فى قرية «الدبلوماسيين» وقبل أن أمد يدى إلى فنجان القهوة وجدت من يسبقنى إليه ويبتلعه دفعة واحدة.
لم أكن فى حاجة لأعرف من خطف القهوة ضحكة سامح السمرى الثلاثية وشت به.
بدا أكثر شبابا مما تركته قبل شهور قليلة ربما لتسويد الشعيرات البيضاء فى رأسه أو ربما للشورت الأبيض والقميص الأصفر المطبوع عليه منظر طبيعى من هاواى أو ربما الشابة المثيرة التى تعلقت بذراعه.
هذه هناء الزمر زوجتى.
وقبل أن أصافحه استطرد:
إنها تحب الموسيقى والرقص والرسم وتحبنى.
المهم «وتحبنى».
«تحبنى» كلمة مؤقتة تنساها غالبا إذا ما انشغلت فى أبحاثها النفسية والاجتماعية وحتى تظل تحبنى وافقت على مشاركتها فى بحثها الجديد عن «الموجة الجديدة من رجال الأعمال فى مصر» الذى تقوم به لحساب جامعة بريطانية عريقة.
وعملك فى الخارجية؟.
استقلت منها وتحررت من الأقنعة التى لصقت بوجهى ولسانى طوال ما فات من عمرى فيها.
استقلت وتحررت منها يوم أن أدركت أن الجبناء يعرفون الحقيقة وينكرونها.
أشعر أن طموحك سقط من أعلى ناطحة سحاب.
هناك دائما طائرات مستعدة للتحليق فى السماء.
فى ذلك اليوم الفاصل فى حياته استيقظ سامح السمرى من نومه مبكرا وقرر الخروج مبكرا ودون استحمام وإفطار دون إفطار أو رباطة عنق مكتفيا بجرعات عاجلة من القهوة ونزل من البيت وبلا تردد صرف السائق والسيارة الرسمية وبعد عدة أمتار توقف لشراء القهوة وراح يحتسيها متجها إلى النيل ليمشى إلى جواره من جاردن سيتى حتى وصل إلى مبنى وزارة الخارجية.
لم يصدق الوزير خطاب الاستقالة الذى وضعه السمرى أمامه وحاول جاهدا أن يبدو رافضا لها ولكنه لم يستمر فى محاولته سوى بالكذب عدة ثوان وبالقطع لم يبذل جهدا فى إرجاعه عنها بل أسعده فى قرارة نفسه التخلص من أهم منافس له على المنصب الذى لايستحقه وأساء إليه بضعفه.
فى اليوم نفسه انتظر السمرى زوجته حتى تنهى محاضراتها التى تلقيها على طلبة كلية الحقوق عن الملكية الفكرية التى حصلت على شهادة الدكتوراة فيها:
فاطمة أرجو أن تتقبلى قرارى بالطلاق.
الطلاق حدث منذ عرفت عشيقتك الصغيرة التى انتهكت حقوق ملكيتى العاطفية والجسدية ألقى بيمينك وخلصنى.
لا تفقدى قدرتك على السخرية أبدا.
لم يخلق الله رجلا يستحق البكاء عليه.
دائما ما تخفى فاطمة الحسينى مشاعرها لتبدو قوية على غير حقيقتها.
عقدة حياتها الهجران.
هجرها أبوها بالزواج من أخرى غير أمها وهجرتها أمها بالموت وهجرتها جدتها بالزهايمر فلم تعد تبكى خشية أن تحجب الدموع أشياء ومشاعر جميلة ربما تعوضها عن خسائرها المتلاحقة ربما ترمم الشروخ التى لحقت بجدران القلب.
بات السمرى ليلته فى شقة هناء منتشيا ورغم أنه شرب زجاجة كاملة من النبيذ فإنه لم يهتز وعلى غير عادته ظل فى أحضان عشيقته الساحرة ساعات طوال جعلها تشهد أن الحرية تضاعف المتعة وعندما يستغرق الإنسان فى اللذة يمتلك الدنيا كلها حتى ولو كان فقيرا.
فى اليوم التالى تزوجا وتهربت من التوقيع شاهدا على العقد وإن دعوتهما إلى عشاء فى فندق يطل على النيل ينفرد بموسيقى الجاز التى تهدئ من الصخب فى المشاعر وليلتها بدا لى السمرى شخصا أمسك بيده سر السعادة حين فاجأنى قائلا:
نحن لا نمتلك الأشياء ولكن الأشياء تمتلكنا.
هل هذا وقت فلسفة؟.
فى الحروب والكوارث لا ينجو الأثرياء لأنهم يضيعون وقتهم فى جمع ما لديهم من أشياء ثمينة فيموتون تحت الأنقاض بينما الفقراء يفرون بجلدهم الذى لا يملكون سواه.
تذكرنى بالكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمى التى كتبت: «لتنجو فى الحياة يجب أن تكون خفيفا لا تتعلق بشىء أو بأحد».
غيرت حياتى كى أظل طافيا على مياه الحياة.
لكنك ستغرق فى البحث الذى تورطت فيه.
سنسمع غدا من هيكل فى بيته الريفى على أطراف برقاش.
هيكل بالقطع شاهد على نهاية الرأسمالية المصرية الموروثة من النظام السياسى الملكى الليبرالى وشاهد على محاولة استعادتها من جديد لتغيير البلاد اجتماعيا واقتصاديا بنصيحة أمريكية إلى السادات.
سمعا منه ما وضع أساس بحثهما ونشره هيكل فيما بعد:
صفى عبد الناصر الملكيات الكبيرة فى الأراضى الزراعية وأمم البنوك والشركات والتوكيلات التجارية الأجنبية وطرد أصحابها.
أممها ولم يمصرها حتى لا تنتقل ملكيتها إلى المصريين القادرين على الشراء والنتيجة أن يزداد الأثرياء ثراء دون أن يحصل الفقراء على نصيب منها بل إنه استدار لوضع سيف التأميم على رقاب رجال الأعمال المصريين أنفسهم وضم مصانعهم وشركاتهم إلى الدولة.
لم يعد فى مصر طبقات عليا ولم تتمكن المستويات الوسطى والفقيرة التى استهدفها عبد الناصر بقراراته من صنع قاعدتها الطبقية رغم وجود قطاع عام يضم كفاءات لكن رباطهم بعمل وظيفى بيروقراطى لا يصنع طبقة سياسية لأن الطبقات تصنعها الملكية.
ما أن خرج السادات من حرب أكتوبر منتصرا حتى اتجه إلى «الأمريكان» ليلتصق بهم وهنا جاءت النصيحة من واشنطن ممثلة فى وزير خارجيتها هنرى كيسنجر بأن يملأ مشكلة الفراغ الاجتماعى بطبقة جديدة تنال فرص تملك ثروات تجعل منها قوة مؤثرة.
بدأ إفساح المجال للقطاع الخاص بأكثر من قدرته على النضج لتكوين رأسمالية تدعم الاقتصاد الوطنى وتوفر احتياجاته ولكن الواقع لم يفرز سوى شخصيات طفيلية استخدمت وسائل فاسدة لمضاعفة ثرواتها ووجدت فى بنيان السلطة من شجعها على الاستمرار فى طريقها الأسود دون أن ينسى نصيبه مما تكسب لتتحالف الثروة والسلطة معا.
أعاد السادات التوكيلات التجارية لتهيمن على ما تستورده مصر وكان يقترب من 12 مليار دولار فى ذلك الوقت بهامش ربح يزيد على المليارى دولار سنويا وبجرة قلم أصبح فى مصر ألفان من أصحاب الملايين هم من وزعت عليهم التوكيلات.
وفى التوقيت نفسه من عام 1975 بدأت عملية الخصخصة التى نقلت كثيرًا من الشركات العامة المربحة فيما بعد إلى رجال أعمال مصريين لم يترددوا فى تطويرها ولكن لم يكن ذلك إلا لبيعها إلى شركات متعددة الجنسيات لا تقدر عليها كثير من الحكومات.
حدث ذلك فى شركات الأسمنت والاتصالات والأدوية والبترول والطيران والسياحة والعقارات.
وبقوة المال اخترق رجال أعمال السلطة التشريعية ليحتموا بحصانتها التى دفعوا فيها الكثير وسرعان ما آمنت بهم السلطة التنفيذية فاختارت من بينهم وزراء فى الحكومات الأخيرة التى سبقت تنحى مبارك.
لكن أصعب ما واجه هناء الزمر وسامح السمرى كان:
«كيف أصبحت الثروات تجرى بوفرة فى أيدى شخصيات لم تكن تملك شيئا؟».
كان رأيى أن السؤال ليس صعبا وإنما قاتل لكنهما اتفقا على إجابة واحدة:
تعيش الحقيقة ولو مات كاشفها.
منتهى الرومانسية.
جمعا وثائق عن أثرياء ارتبطوا بعلاقات خفية مع قوى أمريكية ونصحوا بتكوين شركات صورية فى الولايات المتحدة (مجرد صندوق بريد) لينالوا نصيبا من مشروعات المعونة الاقتصادية التى كانت واشنطن تقدمها للقاهرة وتشترط ألا ينفذها سوى شركات أمريكية.
وعرفا أن بعضا من أبناء الجيل الثانى لثوار يوليو استفادوا من علاقة آبائهم بالسادات فى الوقت الذى اعتمد فيه سياسة الانفتاح الاقتصادى الذى وصفه أحمد بهاء الدين بأنه «انفتاح سداح مداح».
واقتربا من أسلاك شائكة مكهربة عندما وجدا من يتحدث إليهما عن صفقات بيع ديون مصر التى أوكلت إلى شخصيات مقربة من عائلة مبارك.
كانت تلك الديون تخص كيانات غربية تنازلت عن دينها مقابل سداد نسبة منها لتباع إلى الحكومة المصرية بنسبة أعلى وحصل الوسطاء على ملايين الدولارات سمسرة بين البائعين والمشترين.
لم تنتبه هناء إلى أن الوسطاء شخصيات نافذة وهى تسعى للتحدث معهم ولكن فى مساء اليوم الذى اتصلت فيه بواحد منهم حدث ما جعلها تؤمن بأنها اتصلت بالجحيم.
لم يتوقف رنين جرس التليفون فى بيتهما وما أن يرفع أحدهما السماعة حتى تنفجر منها مواسير من السباب والتهديد لكنهما لم يهتزا ولم يتراجعا بل سعت هناء إلى فضائية بريطانية لتكشف ما توصلت إليه ووجدتها مقدمة البرنامج فرصة لتورطها فى حديث عن سكوت مبارك عن حالات صارخة من فساد بعض مساعديه.
لم تمر سوى ثلاثة أيام حتى وجد السمرى صورته تتصدر صحيفة خاصة تحت عناوين كبيرة تتهمه بارتكاب مخالفات مالية ادعت وقوعها قبل عشر سنوات.
فى ذلك اليوم أصابته حسرة حارقة كادت تبكيه لولا تماسكه.
جواد جريح عاجز عن تحديد مكان إصابته.
بدت هناء أكثر استيعابا منه حينما قالت:
اسمع يا نور العين الألم لا يفرض علينا نحن نختاره.
الغدر يؤلم والتلفيق يؤلم والتشهير يؤلم والظلم يؤلم.
أبدا إنها فيروسات تحفز مناعتنا للقتال وليس للاستسلام.
كان أصل التهمة حرص مبارك على مشاهدة «الفضائية» المصرية فى سفرياته وعندما كان يزور العاصمة التى يخدم فيها السمرى لم يكن الملحق الإعلامى قد سدد للشركة المحلية التى تلتقطها ثم تعيد بثها ما قدمت من فواتير.
قبل أن تهبط طائرة مبارك طلب رئيس الحكومة من السمرى سداد الفواتير من ميزانية السفارة إنقاذا للموقف على أن يرسل إليه النفقات فيما بعد.
واستجاب السمرى واستمتع مبارك برؤية جولاته على الفضائية ولكن ما أن انفض المولد لم يوف رئيس الحكومة بما وعد به وظلت قيمة الفواتير معلقة فى رقبة السمرى.
تعلقت براءة السمرى بكلمة واحدة ينطق بها رئيس الحكومة رغم أنه ترك منصبه منذ سنوات.
سألنى السمرى:
ترى هل سيشهد الرجل معى أم سينكر ما حدث؟.
نحن فى زمن شهادة الزور فيه أسهل من شهادة الحق.
لكنه لم يعد يريد من الدنيا شيئا.
متى آخر مرة سمعت عن رجل نبيل؟.
النبل فر من اللسان بعد أن أصابته تصرفات البشر بالجنان.
كلفت نفسى بمهمة جس نبض الرجل وذهبت إليه فى مزرعته على الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية وطمأننى استقباله الحار وإصراره على تناول «الشواء» من أضلاع الخراف التى يربيها بنفسه وبعد ساعات من الثرثرة مالت بعدها الشمس إلى المغيب أنكر الواقعة.
ضاق الخناق على السمرى وتحولت التحقيقات معه إلى قضية عاجلة فرضت عليه بيع قطعة أرض ورثها عن أبيه لسداد أتعاب المحامين الكبار الذين لجأ إليهم بعد أن أدرك أنه يواجه دولة بأكملها.
وفى اليوم الذى بدأت فيه جلسات المحاكمة نشرت الصحف خبر تعيين رئيس الحكومة رئيسا لمجلس إدارة إحدى شركات الخدمات البترولية.
فرضت عليه المحكمة سداد نصف مليون جنيه قيمة الفواتير أضيف إليها غرامة مالية وباعت زوجته الشابة سيارتها وجواهرها ونصيبها فى ميراث أمها واقترضت من بنك بريطانى بضمان عقدها مع الجامعة ولكن ذلك كله لم يوفر سوى نصف المبلغ إلا أنه كان يكفى لعدم سجن زوجها على أن يدفعا على أقساط ما تبقى.
سعيت جاهدا لإنقاذ السمرى من نفسه بتفسير ما نال حتى لا يكتئب قائلا:
أنت لم تعجبك الطاولة فقلبتها.
لكنهم تواروا وراء الطاولة وأطلقوا النار.
أزعجت الدبابير فأزعجتك.
القوة بين يدى من يفتقدون الصدق تفتقر البوصلة الأخلاقية ودون هذه البوصلة تعيث القوة فسادا فى الأرض.
العمل الجاد لا ينفع إلا فى الظروف الصحية ويصعب غرس شجرة مثمرة فى تربة صخرية.
لم يعد لديك الوقت للاستمرار فى الحماقة.
نحن محكمون بالفشل لو تركنا الماضى يحكمنا.
الخيانة ليست رخيصة.
أنت استقلت من عرين الأسد لكنك وضعت نفسك فى وكر الذئاب.
سأمتلك العرين والوكر معا.
لم أفهم الجملة الأخيرة إلا فيما بعد.
كان السمرى يعرف مسئولين كبارًا فى الكرملين منذ أن كانوا فى بداية حياتهم السياسية يشاركون فى مباحثات متعددة الأغراض تجرى فى جنيف.
تذكرهم يوم طلبت منه هناء البحث عن مصدر رفيع المستوى فى موسكو يعرف مصير الديون السوفيتية على القاهرة هل بيعت الديون السوفيتية كما بيعت الديون الغربية؟.
حسب ما نشر سامى شرف وزير شئون الرئاسة فى سنوات حكم عبدالناصر وكاتم أسراره فإن حجم الديون السوفيتية على مصر يزيد على المليارى دولار ولم تسددها.
كانت موسكو مشغولة بمتاعبها الخارجية فى أفغانستان وشرق أوروبا وإثيوبيا فلم تفكر فى شىء آخر وزاد من إهمالها لملفات الديون ما عانت من صراعات داخلية على السلطة أثارها وجود ميخائيل جورباتشوف الذى فكك إمبراطوريتها الحمراء وكسر شوكتها.
نجح السمرى فى الوصول إلى صديقه القديم «أبيب بوجدان» الذى أصبح أحد أركان الكرملين بل أكثر من ذلك دعاه بوجدان إلى قضاء إجازة نهاية أسبوع فى «سوتشى» حيث بيته الصيفى فى منتجع الكبار المطل على البحر الأسود.
هناك عرف من «بوجدان» أن القاهرة وافقت من حيث المبدأ على أن تسدد ما عليها من ديون بطريقة المقايضة قائلا:
ستصدر سلعا مصرية ينتجها القطاع الخاص إلينا بقيمة ما لنا من ديون.
ولم لا تسددها نقدا أو تبيعها لطرف ثالث كما حدث مع الديون الغربية؟.
سياسيا فقدنا الأمل فى الحصول على هذه الديون وبيروقراطيا لا نقبل بقيمة أقل للديون ببيعها وواقعيا اعتبرنا حل المقايضة أفضل الحلول.
كيف ستجرى تلك المقايضة؟.
وافقت الحكومة على الاستعانة بشركة أوروبية متخصصة لتدير الصفقة بعيدا عن المافيا الروسية التى سيطرت على كل شىء مقابل عشرين فى المائة من قيمتها نقدا.
سكت بوجدان قليلا ثم قام من مكانه ليأتى بزجاجة فودكا أخرى وعاد إلى مكانه وهو يقول:
ما رأيك فى أن نحصل على هذه الصفقة؟.
كيف؟.
نكون شركة فى جنيف تضم زوجتك وأخت زوجتى غير الشقيقة وصديق سويسرى أثق فيه بعد أن جربته أكثر من مرة.
كان بوجدان يعرف أكثر من غيره أن بلاده تعيش فى فوضى تكوين الثروات من العدم وأن السياسيين الكبار أمثاله هم وحدهم من بيدهم قرارات خصخصة الشركات والبنوك وكثير من الخدمات العامة لكنهم لا يمنحونها إلا لمن يقتسمون معهم الغنيمة دون خوف من حساب أو عقاب.
قال السمرى:
لكن لا أنا ولا زوجتى نفهم فى التجارة؟.
لكنكما تعرفان رجال الأعمال الذين سنتعامل معهم فى مصر وكل ما عليكما تقديم المشورة إلى مندوب الشركة وهو بالمناسبة سيكون واحدا من رجالنا المخلصين وفى المقابل ستحصلان على خمسة فى المائة من قيمة العملية كلها.
بعد طول إلحاح وافقت هناء الزمر على العرض.
أقنعها زوجها أنها ستشهد بنفسها إحدى وسائل تكوين الثروات فى مصر ما يضيف إلى بحثها مفاجآت غير متوقعة إلا أنها فى الحقيقة لم تشأ أن تحرم زوجها من فرصة الانتقام ممن ظلموه بإبعادهم عن صفقات المقايضة أما نصيبه منها فهو تعويض عادل عن التشهير الذى أصابه والحكم القضائى الذى التهم كل ما يملك إلى جانب ما اقترض.
لم يمر أكثر من شهر حتى كان المندوب الروسى «كوليا أليوشا» فى فندق شيراتون القاهرة يستمتع برؤية النيل من جناحه ولا يكف عن التهام الطعام الشهى طوال اليوم ولا ينام إلا بعد أن ينتهى من زجاجة «فودكا روسو بلتيك» التى لا يحتسيها سوى الحكام فى بلاده.
دون تردد قرر رجال الأعمال الذين سيتعاملون معه السيطرة عليه بإرسال راقصة شرقية إليه كل ليلة حتى يستقر على واحدة تعجبه ولا تفارقه حتى يعود إلى وطنه.
إنهم يعرفون تأثير الراقصات الشرقيات على الشخصيات الأجنبية إلى حد أن واحدة منهن وقع فى حبها قائد مؤثر فى الجيش السوفيتى وعندما دعاها إلى زيارته فى موسكو وجدت سجادة حمراء ممتدة من الطائرة إلى السيارة وبالقطع لم يرفض لها طلبا بما فى ذلك إرسال السلاح الذى تطلبه مصر وفشلت فى الحصول عليه.
ورغم الظروف السياسية الشائكة التى جرت فيها زيارة وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر بعد شهر من حرب أكتوبر إلا أنه أصر على أن ترقص له نجوى فؤاد ولو نصف ساعة قبل أن يغادر جناحه فى فندق هيلتون النيل عائدا إلى واشنطن.
لكن أليوشا بالقطع لم يكن ليكتفى بالملذات الحسية وبدا أن لون الدولار الأخضر يثيره بنفس القوة التى يثير اللون الأحمر الثور.
ونافس اللون الأخضر اللون الأصفر لون الذهب وانضم إليهما اللون الأبيض لون الماس.
فى المقابل لم يكن أليوشا يتوقف عند نوعية السلع التى ستصدر سدادا للديون أو درجة جودتها فلم يكن ذلك مهما فى مثل هذه الصفقات متعددة الجنسيات فى الفساد.
أقمشة ضعيفة النسيج باهتة الصباغة منتهية الموضة وأحذية لا تصلح إلا لقدم واحدة (كلها شمال أو كلها يمين) ولا تصلح للطقس الجليدى الذى يسيطر على روسيا معظم شهور السنة وعطور لم تنضج بعد وضعت فى زجاجات رخيصة غير محكمة الغطاء مثلا.
بتلك السلع التى قبل بها مندوب منحرف يخدم مصالح شخصيات سياسية فاسدة فى بلاده كون جيلًا جديدًا من رجال الأعمال فى مصر خميرة الثروة التى تكاثرت أسرع من الأرانب فيما بعد.
لكن مؤكد أن فى ذلك الجيل من لعب بشرف وقدم من السلع ما يرقى إلى المستوى الجيد فى التصدير إلى حد أن هؤلاء الصناع كونوا شركة تعرض منتجاتهم فى موسكو تولى رئاستها سفير سابق خدم هناك إلا أن قانون «العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق» فرض نفسه وأغلقت الشركة بعد أن خسرت رأسمالها.
خرج السمرى على مليون دولار.
استرد حياته السابقة على التهمة المزيفة التى قضت على ثروته.
فيللا وسيارة وشاليه فى الساحل الشمالى وخاتم بفص ماس لزوجته التى أضافت إلى بحثها فصلا عن صفقة المقايضة الروسية أذهلت المشرفين عليه.
لكن الرغبة فى الانتقام لم تفارقه ممن ظلموه.
أنفق بعضا من المال للحصول على مستندات تدينهم وسربها إلى صحف خاصة فقامت القيامة ضدهم وقدم هدايا ثمينة لشخصيات مؤثرة فى عالم المحاماة نجحت فى إدانتهم قضائيا.
على أن المليون دولار سرعان ما تبخر.
لم يجد السمرى ما يشغله وهو شبه مفلس سوى كتابة مذكراته وحصل على دفعة مالية مقدمة إلا أن حماسه سرعان ما خفت بعد أن اتصل به «ابيب بوجدان» عارضا عليه استخدام علاقاته فى الدول الإفريقية لتكرار صفقات المقايضة على الديون الروسية.
نجح السمرى فى تنفيذ المهمة وحصل هذه المرة على عشرة ملايين دولار لكنه وافق على استثمارها فى شركات سياحية روسية تحت أغطية تركية وسويسرية منحته عائدا مغريا يتجاوز ضعف فائدة البنوك فى مصر.
ذات صباح فى جنيف كان السمرى يتناول إفطاره فى فندق يطل على البحيرة عندما وجد الجرائد التى تصدر بأربع لغات تنشر على صفحتها الأولى فضيحة شركة روسية تتاجر فى الفتيات وتجبرهن على الدعارة فى كثير من عواصم العالم.
شىء ما جعله يشعر بالقلق.
صدق حدسه.
وجد اسمه ضمن مؤسسى الشركة الذين وزع الإنتربول الدولى نشرة حمراء للقبض عليهم.
وسقط مغشيا عليه.
وعندما استرد وعيه وجد نفسه مقيدًا فى سرير مستشفى وعلى بابه حارس من الشرطة المحلية.
عبثا حاول إثبات حسن نيته متناسيا أن القانون لايحمى المغفلين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.