الدولار يرتفع بعد بيانات حول معنويات المستهلكين الأمريكيين    الأسهم الأوروبية تغلق عند مستويات قياسية جديدة    شاهد أول فيديو.. «النقل» تستعرض المحطات الخمسة الجديدة للخط الثالث لمترو الأنفاق    وزيرة التعاون الدولي: الحكومة تتبنى إجراءات وتدابير محفزة للشركات الناشئة    العمالة المصرية على موعد للعمل في اليونان.. اعرف التفاصيل    أول تعليق من مصر على التصويت بالأمم المتحدة على أحقية فلسطين في العضوية الكاملة    ليلة دامية.. آخر التطورات الميدانية والعسكرية في رفح الفلسطينية    حماس: تعاملنا بكل مسؤولية وإيجابية لتسهيل الوصول لاتفاق يحقق وقف دائم لإطلاق النار    عضو التحالف الوطني: قافلة من 106 شاحنات تنتظر دخول معبر رفح (فيديو)    الدوري المصري، فاركو يقلب الطاولة ويتقدم 21 أمام الجونة في الشوط الأول    بطولة العالم للإسكواش 2024.. يحيى النواسانى يتأهل للدور الثانى    الأرصاد تحذر من نشاط الرياح والأتربة وأمطار خفيفة على هذه المناطق    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 بصيغة pdf وخطوات الحصول على أرقام الجلوس    مصرع فتاة خنقًا في ظروف غامضة ببني سويف    مصرع طالب سقط من القطار بسوهاج    رئيس جمهورية اليونان تزور مكتبة الإسكندرية (صور)    محمد رمضان يشارك بمهرجان موازين الموسيقي في المغرب    القومي لحقوق الإنسان يشارك في إطلاق دورة مهرجان إيزيس لمسرح المرأة    د.آمال عثمان تكتب: المتحف المصري الكبير الأحق بعرض «نفرتيتي» و«حجر رشيد» و«الزودياك»    خريطة قوافل حياة كريمة الطبية حتى 16 مايو.. الكشف والعلاج مجانا    حسام موافي يحذر من وجود دم في البراز : مرض خطير    12 عرضا تدل على الإصابة بأمراض الكلى    فضائل شهر ذي القعدة ولماذا سُمي بهذا الاسم.. 4 معلومات مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    نقيب المهندسين: نستهدف تعزيز التعاون مع صندوق الإسكان الاجتماعي    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    أبرزهم رضا سليم وإبراهيم دياز.. نجوم المغرب يُزينون 6 نهائيات قارية حول العالم    أشرف صبحي يلتقي فرج عامر وأعضاء سموحة لتعزيز الاستقرار داخل النادي    بالصور.. تشييع جثمان والدة يسرا اللوزي من مسجد عمر مكرم    بعد زواجه من الإعلامية لينا طهطاوي.. معلومات لا تعرفها عن البلوجر محمد فرج    واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة، الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة    اعرف قبل الحج.. حكم تغيير نية الإحرام من التمتع إلى القِرَان بعد دخول مكة    خطيب الجامع الأزهر: الحضارة الإسلامية حوربت من خلال تشكيك المسلمين في تراثهم العريق    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    أسعار شقق جنة بمشروع بيت الوطن للمصريين في الخارج    الجيزاوي يتفقد مستشفى بنها الجامعي للاطمئنان على الخدمة الصحية    للتخلص من دهون البطن.. تعرف ما ينبغي تناوله    نادال: ريال مدريد لم يهزم بايرن ميونخ بالحظ    "علم فلسطين في جامعة جورج واشنطن".. كيف دعم طلاب الغرب أهل غزة؟    السيطرة على حريق شقة سكنية بمنطقة الوراق    أوكرانيا: روسيا تشن هجوما بريا على خاركيف وإخلاء بلدات في المنطقة    وزارة البيئة تناقش مع بعثة البنك الدولي المواصفات الفنية للمركبات الكهربائية    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    مفتي الجمهورية: الفكر المتطرف من أكبر تحديات عملية بناء الوعي الرشيد    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    بدء جلسات اجتماع اللجنة الدائمة للقاء بطاركة الكنائس الشرقية الأرثوذكسية في الشرق الأوسط    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    مصرع وإصابة 4 أشخاص في اصطدام سيارة بكوبري في الغربية    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    القسام تعلن مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في هجوم شرق رفح الفلسطينية    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    زي الفل.. أحمد السقا يطمئن الجمهور على صحة الزعيم    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخبار اليوم تنشر صفحات من مذكرات عادل حمودة »58«
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 03 - 2019


عادل حمودة
كيف أصبحوا مليارديرات في مصر خلال سنوات قليلة ؟
تجارة الديون ومضاربات البورصة وشركات توظيف الأموال والصفقات المتكافئة صنعت غالبية الأثرياء!
حصلت في قبرص علي سجلات شركات علاء وجمال مبارك قبل أن تتستر وراء ال » أوف شور»‬!
التوريث خلق جيلاً جديداً من رجال الأعمال علي حساب الجيل القديم فكل سلطة لها رجالها!
لم تنجب مصر رأسماليا يمتلك رؤية طلعت حرب الشاملة.. إلا قليلا!
هل صحيح ما ذكره هنري فورد في مذكراته عن فساد الخميرة الأولي للثروات دائما؟
تحالف السلطة والثروة عطَّل قانون تضارب المصالح وبلاغات الكسب غير المشروع!
في سنوات الاستعمار الأوربي.. أنتجت الهند الشاي ولم تشربه.. وقطفت مصر القطن ولم تلبسه.. واستخرجت جنوب افريقيا الماس ولم تتزين به.. وهضمت تماسيح حوض نهر الأمازون لحم الأطفال قبل أن تصبح جلودها حقائب تحملها ملكة بريطانيا وحذاء تنتعله السيدة الأولي في فرنسا.
عاشت شعوب العالم الثالث قرونا علي »‬رجيم» إجباري تأكل الفول والذرة والشعير بينما شعوب العالم الأول تحتسي النبيذ والشمبانيا وتأكل سمك السول والسمون وتتحلي بفاكهة المناطق الحارة.
وفي الوقت الذي كان فيه صغارنا عرايا تحت الريح والمطر نعمت نساؤهم بدفء حرارة فراء المينك والاسترجان.
وما أن تحررت هذه الشعوب من الاستعمار الخارجي حتي وجدت نفسها محتلة من استعمار داخلي.. سيطرة بقسوة علي مقدراتها وتحالف مع أقلية محدودة من المنتفعين.. اقتسم معها الثروة والسلطة فيما يعرف بحكم الأوليجاركية.
في الوقت الذي شرب فيه السواد الأعظم من دموعه وأكمل طعام العشاء بالدعاء إلي القديسين وأولياء الله الصالحين نجت شريحة رفيعة من ذلك المصير ونالت عضوية »‬نادي المليارديرات» وتصدرت قائمة مجلة »‬ فوربس» عن الأكثر ثراء في العالم.
كيف جمع هؤلاء كل هذه الثروات في بلاد يعيش ثلث سكانها تحت خط الفقر ويسهل فيه الموت من البرد والانيميا والسرطان ويجهل الملايين من صغارها القراءة والكتابة في زمن تحكمه تكنولوجيا معلومات سادة جدد علي رأسهم مستر جوجل ومسيو فيسبوك ومينسنيور تويتر ؟.
كيف كونوا هذه الثروات الهائلة بسهولة في سنوات قليلة دون سداد ضرائب عنها بينما غيرهم في الدول الأخري كونها بصعوبة والتزم بسداد الضرائب بل وتبرع بعضهم مثل بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت بغالبية ما جمع من مال لتعليم وعلاج الأطفال في إفريقيا.
لن نتورط في سرد تاريخ النهب المنظم الذي عانت منه مصر فلم نعشه وإن عشنا النهب الأخير الذي انفجر بشراسة في سنوات حكم مبارك وعندما كتبنا عنه في »‬صوت الأمة» نالنا الكثير من الأذي.
عرفت مصر هجمات متتالية من النصب العام أفقدت الناس فيها ما جمعوه من عرق عملهم في الداخل أو في الخارج دون أن تتدخل السلطة لحمايتهم إلا بعد أن وقعت الفأس في الرأس ونزف الضحايا حتي صعدت أرواحهم إلي السماء.
استغل البعض تأثير رجال الدين علي المصريين وكون ما سمي »‬شركات توظيف الأموال».. راحت الميديا الرسمية (الصحفية والتلفزيونية) تروج لها في حملات تضليل لم تجد من يحاسب عليها.. وخرج كبار الدعاة يفتون لصالحها مقابل ما نالوا من خيراتها.. وسكتت شخصيات وزارية وقضائية وبرلمانية عن فسادها مقابل رشاوي مقنعة قبضوها تحت مسمي »‬ كشوف البركة».
عاشت مصر سنوات في »‬مؤامرة صمت» مريبة نهبت وهضمت خلالها المليارات بسهولة في بطون سبع شركات شهيرة: السعد (أشرف السعد) والريان (أحمد الريان) والشريف (أحمد الشريف) والهدي مصر (هدي عبدالمنعم) وستار كابيتال (هاني عبدالوهاب) والمستريح (أحمد مصطفي) والشيخ (عبدالله رجب).
واستغل البعض الآخر أزمة السكن وباع الشقة الواحدة إلي أكثر من شخص وجمع من المال ما يتيح إليه الهروب إلي الخارج تاركا الضحايا يتقاتلون علي هياكل خرسانية خالية من الجدران والرحمة.
ولم يتردد نصابون من تشاد ومالي وجنوب السودان في أخذ نصيبهم من أموال المصريين البسطاء في الداخل والخارج.. أوهموا الضحية التي تقع في شباكهم بأنهم يعملون في سفارات أجنبية.. وأنهم سيدفعون إليها ألف دولار عن كل تحويل يدخل حساب الضحية لو فتحته باسم واحد منهم ووضعت فيه الف دولار والنتيجة معروفة.. الاستيلاء علي ما في الحساب من مال.. وتكررت العملية مئات المرات قبل أن يسقط الجناة.
لكن.. تلك العمليات غير القانونية لم تكن بخطورة أساليب تكوين الثروات التي نجح فيها البعض وبدت رغم ما فيها من أمور خفية أنها تحول نحو الرأسمالية.
إن الرأسمالية لها أصول اتبعها رجال نتمني رجوعهم مثل طلعت حرب (باشا) الذي أسس بنك مصر ومجموعة شركاته التي حررت الاقتصاد الوطني في قطاعات الغزل والنسيج والتأمين والسياحة والطيران والمناجم والفنادق والمطابع والنقل وشون القطن وتصنيع الزيوت والمستحضرات الطبية وتكرير البترول دون أن تنسي دورها في دعم التغييرات الاجتماعية بنشر كتابي قاسم أمين عن المساواة بين الرجل والمرأة.
أعطي طلعت حرب لمصر أكثر مما أخذ منها علي خلاف مليارديرات زماننا الذين حلبوها ومصوها وشفطوها ثم القوا إليها بحبات من الفول السوداني من باب البر والإحسان تتقاتل عليه وكأنها جبلاية قردة.
عندما تسلم مبارك الحكم في 15 أكتوبر 1981 لم يكن علي السطح ملياردير واحد ممن سمعنا عنهم فيما بعد ولم نتوقف لنسأل : كيف كانت البداية ؟.
بعد ثورة يوليو فرضت الضغوط الأمريكية علي جمال عبد الناصر اللجوء إلي الاتحاد السوفيتي لشراء الأسلحة وبناء السد العالي وتشييد صناعات ثقيلة مما أدي تراكم ديون علينا قبل وفاته لم تزد علي 1.7 مليار دولار ارتفعت إلي 2.5 مليار دولار بسبب شراء خليفته أنور السادات المزيد من الأسلحة التي حقق بها الانتصار في حرب أكتوبر.
راحت موسكو تتنازل عن الديون تدريجيا دون ان تتلقي كلمة شكر من القاهرة وهو ما استفز الجيل الجديد من قادة الكرملين الذين تحمسوا لسياسات متطورة جسدها فيما بعد ميخائيل جورباتشوف منها البيروستريكا أو برنامج الإصلاحات الاقتصادية ومنها الجلاسنوست أو الشفافية في مؤسسات الدولة لمعرفة حقيقة أوضاعها تمهيدا لإعادة هيكلتها.
سمعت من جورباتشوف عندما التقيت به في بيروت : »‬أنه شعر بصدمة مروعة عندما وجد الاتحاد السوفيتي ينافس الولايات المتحدة في غزو الفضاء وبرنامج الصواريخ المحملة برؤوس نووية ولكنه يعجز عن توفير آنية طهي جيدة للمواطنين فكرهوا النظام وانفصلوا عنه فكان لابد من إعادة الثقة بينهما مهما كان الثمن».
وعندما جاءت سيرة مصر أضاف : »‬ساندنا مصر عسكريا حتي نجحت في تحرير أرضها ولكن قادتها أعطونا ظهورهم وراحوا يخطبون ود الولايات المتحدة في حالة غير مسبوقة من نكران الجميل فلم نجد مفرا من أن نطالبهم بسداد ما عليهم من ديون».
ولكن رغم ذلك لم يتعسف الاتحاد السوفيتي مع مصر وترك لها الوسيلة التي تراها مريحة لسدادها.. وهنا فرضت المقايضة نفسها فيما عرف بالصفقات المتكافئة.. ويقصد بها سداد الديون ببضائع مصرية علي أساس وحدة الإسترليني الحسابي الذي كانت قيمته ثلاثة جنيهات.
وبعثت موسكو إلي القاهرة مسئولين في حكوماتها لتنفيذ تلك الصفقات ولكنهم كانوا قابلين بالفساد.. نزلوا شهورا في فندق شيراتون القاهرة.. وقبضوا رشاوي تحت مسمي »‬بوكت موني» أو مصروف جيب.. وعرفت اجنحتهم سهرات من المتعة أحيتها راقصات شهيرات.
والحقيقة ان الراقصات في مصر لعبن دورا سياسيا يصعب إنكاره ويحتاج إلي مؤرخ مطلع يكشفه ويسرده ويسجله.. رقصت سهير زكي أمام المارشال اندري جريتشكو وزير الدفاع السوفيتي في القاهرة فدعاها إلي موسكو بعد أن أبدي إعجابه بفنها وهناك نجحت في تليين تشدده تجاه إمداد مصر بأسلحة متطورة أخرجتها من بطن حوت هزيمة يونيو.. وسبق ان نالت الإعجاب نفسه من الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وشاه إيران محمد رضا بهلوي.. وجن وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر برقص نجوي فؤاد حتي شاع أنه طلب يدها خمس مرات ولكنها رفضت بسبب ديانته اليهودية.. ونافسه علي الإعجاب بها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.
استفاد من الصفقات المتكافئة جيل جديد من رجال الأعمال لم نسمع عنه من قبل.. بعضهم استغل الفرصة وباع إلي السوفيت بضاعة رديئة قبلها ممثلو حكومتهم بعد أن نالوا المعلوم.. ولكن.. استفاد البعض الآخر من الفرصة في تصدير بضاعة خالية من الفساد إلي السوفيت ساهمت في تكوين خميرة مالية وضعته علي خريطة الثراء.
تكونت شركة سميت »‬يومينج» رأسها سفير سابق في الاتحاد السوفيتي هو صلاح بسيوني أقامت معرضا للمنتجات المصرية في موسكو افتتحه مبارك وهناك قدم الدكتور أسامة الباز للرئيس صديقه إبراهيم كامل لتظهر الإشارة الأولي للعلاقة بين السلطة والثروة ولكنها لم تكن الإشارة الأخيرة.
وفي تلك المناسبة أيضا تعرف مبارك أيضا علي ثلاثة رجال أعمال لم يسمع عنهم من قبل هم مصطفي البليدي ومحمد شتا ومدحت التونسي.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حصل كامل علي مصنع إنتاج الطائرة انتينوف في طشقند تسوية لديون لم يسددها السوفيت إليه وطور الطائرة الروسية بمحركات رولز رويس وباع بعضها إلي طهران مقابل تسوية ديون إيرانية علي مصر علي أن تتولي مصر سداد ثمنها إليه وفاحت رائحة السياسة في الصفقة متعددة الجنسيات.
وكان من الطبيعي ان ينضم كامل إلي الحزب الوطني ليصبح قياديا بارزا فيه خاصة بعد أن سيطر علي الحزب جمال مبارك بل إن كامل رشح أكثر من مرة لتولي رئاسة الحكومة ولكن الأهم أنه كان وراء فكرة التوريث ليضمن عدم المساس به بعد ان تراكمت ديون البنوك عليه.
كان علي ما يبدو مؤمنا بأن جيله من رجال الأعمال سيفقد ما تمتع به من حصانة تمنع الاقتراب منه مهما فعل لو لم يرث جمال مبارك الحكم وفيما بعد أثبتت الأيام والأحداث صدق توقعه.
ورغم حصول كامل علي مساحات شاسعة من أراضي الساحل الشمالي فإنه جاهد بكل ما يملك من اتصالات للحصول علي أرض الضبعة لتكون امتدادا لقريته السياحية (غزالة) ولكن مبارك حسم الأمر قائلا : »‬انسي الضبعة يا إبراهيم».
لم يكن من السهل التفريط في أرض الضبعة لتكون أنسب مكان لبناء المفاعلات النووية بعد أن اختارتها لجان علمية متخصصة اجرت عليها ابحاثا متعددة كلفت مصر مئات الملايين من العملات الصعبة بجانب شهور طويلة من الاختبارات الدقيقة.
وخرج من عباءة الصفقات المتكافئة أيضا رجل أعمال آخر هو مصطفي البليدي الذي صدر مستحضرات التجميل إلي السوفيت وجني منها أرباحا خيالية شجعته علي بناء مصنع كبير لمنتجاته ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي فقد سوقه الرئيسية وتراكمت ديون البنوك عليه لبنك القاهرة وإن لم تزد علي 149 مليون جنيه.
وقد كان من السهل أن يسدد البليدي ديونه من توكيل السجائر الأمريكية (فيليب موريس) الذي شاركه فيه عبد الله عبد الباري وقت ان كان رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام ولكن انفاق البليدي علي حياته الخاصة لم يفقده الملايين فقط وإنما أفقده التركيز علي العمل أيضا.
إن قلبه كان علي ما يبدو مثل فندق خمس نجوم.. اتسع لكثير من النزيلات.. أو مثل بحيرة تسبح فيها الجميلات.. تزوج من خمس نساء.. منهن الفنانة هدي رمزي والنجمة ميرفت أمين ومذيعة سورية هي نيفين البكري.
فشل البليدي في إدارة إمبراطوريته التي تكونت من ست شركات وبدأ يمهد للهروب.. باع قصوره في المريوطية والعجمي وفيلاته في القاهرة ومارينا وسياراته ومكاتبه وجمع 78 مليون جنيه هرب بها إلي كاليفورنيا حيث اشتري بقيمتها عقارات علي ساحل كاليفورنيا.
ولكن سرعان ما شعر البليدي بالحنين إلي بلاده وعبر عن ألم الغربة لوزير من أصدقائه طالبا منه الأمان لو عاد واستجاب الوزير لطلبه ولكن ما ان هبط البليدي مطار القاهرة حتي قبض عليه ضابط تنفيذ الأحكام ووضع الكلابشات في يديه.
لم تتركه زوجته الخامسة »‬ هني » وحيدا في السجن واستجابت لكل ما يطلب من مشروعات صغيرة أدارتها في بيتها ولكن ما ان خرج من السجن حتي أرسل إليها ورقة الطلاق فلم يجد سوي أولاده الثلاثة يترحمون عليه بعد وفاته.
ولو كان البليدي هرب وعاد وسجن ومات فإن غيره ممن عجز عن سداد ما اقترض من البنوك إما هرب ولم يعد وإما أجبر البنوك علي تسوية خرج منها فائزا بمال لا يستحقه ساعده في تكوين ما تمتع به من ثروات فيما بعد.
إن المليارات التي ضاعت علي البنوك كانت نوعا من نهب المال العام يبدو أنه لم يحدث إلا في مصر.
وبتلك الأموال الحرام انضم إلي الطبقات العليا في المجتمع رجال أعمال كان لابد أن يقضوا أعمارهم في السجون لا أن يعيشوا في أرقي مستويات الترف الإنساني.
سبق أن كتب المليونير الأمريكي هنري فورد: »‬لا تسأل رجل أعمال كيف حصل علي المليون الأولي فهو سيتهرب من الإجابة لأنها غالبا مخزية».
هل تنطبق هذه القاعدة في مصر ؟.. غالبا.
لكن.. الأخطر من تلك القاعدة أن علاء وجمال مبارك اشتغلا بالبيزنس في غياب قانون »‬ تعارض المصالح » الذي يرفض استخدم السلطة في كسب الثروة.. وجذب وجودهما في سوق المال رجال أعمال جدداً شاركوهم في مضاربات البورصة من خلال ما سمي بصناديق الاستثمار وتجارة الأسهم والسندات.
كان جمال وعلاء قد أسسا في قبرص شركة خاصة ساهم فيها مستثمر عربي هو وليد كعبة ولكنهم سرعان ما حولوا الشركة المسجلة في نيقوسيا إلي شركة »‬ أوف شور» اختفت فيها أسماؤهم.. وشركات الأوف شور شركات تؤسس في مناطق بعينها.. تظهر فيها أسماء المديرين وتتواري أسماء الملاك.. وكنت أول من نشر (في صحيفة الفجر) وثائق شركاتهما بعد رحلة إلي نيقوسيا قمت بها فور تنحي مبارك.
وسميت واحدة من هذه الشركات باسم »‬هيرمس» للاستثمار المباشر تأسست بنظام »‬أوف شور» في احدي الجزر البريطانية.. وخلط الاسم بينها وبين شركة هيرمس المصرية وإن كان هناك تعاون بينهما.
حسب تقارير هيئة الرقابة المالية فإن جمال مبارك يمتلك في شركته 18 % وأنها أدارت 3 صناديق استثمارية عرفت باسم حورس ووظفت 919 مليون دولار في السياحة والبترول والعقارات والصناعات الغذائية.
والحقيقة أن البورصة في وقت من الأوقات كانت وسيلة سهلة.. حققت بها أقلية من الشخصيات النافذة ثروات هائلة علي حساب أعداد هائلة من المصريين البسطاء تورطوا في المضاربة علي الأسهم المتداولة دون أن يدركوا لعب شركات الأوراق المالية في أسعار الأسهم صعودا وهبوطا.. وكان أن فقد كثير المضاربين الصغار مدخراتهم.. وتعددت حالات الانتحار.. وفي الوقت نفسه انتقل المستفيدون إلي قائمة المليارديرات.
وسبق ذلك بسنوات ما عرف بالاتجار في ديون مصر.
في عام 1989 وافقت حكومات دائنة لمصر علي بيع ديونها إلي مستثمرين بسعر أقل علي أن تسدد مصر إليهم الديون المشتراة علي فترات أطول.
وتولت تلك العملية بنوك خارجية منها بنك أوف أمريكا الذي عمل فيه جمال مبارك خلال السنوات التي قضاها في لندن.
ولا شك ان وجود ابن الرئيس بنفوذه الضامن بأن تسدد الحكومة المصرية الديون لمن يشتريها شجع كثيراً من المستثمرين علي شرائها.
ولم تخل العملية من شائعات واتهامات بأنه حصل منها علي عمولات.
وما ان بدأت خطة التوريث حتي ظهر علي السطح جيل جديد من رجال الأعمال مؤيدا ومشجعا لعله يستفيد ويصبح أكثر ثراء وفي الوقت نفسه جري التضييق علي رجال الأعمال الكبار الذين صعد نجمهم في وجود الرئيس الأب مما يؤكد أن لكل سلطة زمانها ومجالها ورجالها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.