درجة استقرار أى بلد فى العالم، يمكن أن تزيد أو تنقص، وفق عوامل كثيرة ومتشعبة، ولكنها فى جميع الأحوال، تحدياً يجب توخى الحذر الشديد فى التعاطى معها، خصوصاً فى بلد شرق أوسطى مثل مصر، تتقلب أهواء مواطنيه بشائعة، وينزعجون من الحقائق، وينسون سريعاً أن وطنهم لا يزال متماسكاً رغم وجوده فى قلب العواصف. أى نظرة بسيطة على مصر مجتمع ودولة تكشف بوضوح أن الوطن على حافة الاستقرار، وأنه من المتوقع أن تستمر هذه الحالة لمدة أطول فى أحسن الأحوال، وفى أسوائها يمكن أن تتعرض البلاد مجدداً لأحداث ثورية أو تعيش أجواء متوترة وهو احتمال قائم وقريب. ولا يمكن تحميل أى جهة مسؤولية هذا الموقف، باستثناء الدولة، لأن مهمتها الحفاظ على مجتمعها الذى يمثل قوتها ومخزونها الاستراتيجى، ولذا عليها أن تدفع الأمور دائماً فى اتجاه طمئنة المجتمع وأن تتخذ من الإجراءات والخطوات التى تعمل على فك الاختناقات السياسية والاجتماعية، بدلاً من التفريط فى رصيد ثقة المواطن فى مؤسسات دولته وفى الفرص المتاحة لجلب الهدوء إلى البلاد. الاستقرار له ثمن وعائد، ثمنه أن تمنح الدولة حقوقاً لمواطنيها وأن يتسع صدرها لمطالبهم وأرائهم، ولا تضيق بسهولة من الرأى المختلف والمخالف لتوجهاتها، حتى لا تضع شعبها فريسة الشعور بالقهر والتقييد. أما العائد من هذه السياسيات، فضخم جداً وعميق، وأول هذه المكاسب أن الحرية تزيد من التماسك الدخلى والولاء للوطن، وتخفض من درجة التوتر الاجتماعى والسياسى، كما أنه يحسن من بيئة الاستثمار، الذى يضع فى حساباته مستقبل أى بلد، كما أن التوترات السياسية تتسبب فى فقدان الوطن لأرصدته المالية إذ يدفع الأغنياء إلى نقل ثرواتهم إلى الخارج بدلاً من استثمارها لصالح الوطن والدولة، كما أن البيئة المضطربة تقيد من الاستفادة من الأفكار الإبداعية للطبقة المتوسطة التى يصعب على شرائحها الأدنى نقل ثروتها أو الهجرة إلى بيئة أفضل. تحد الاستقرار مستمر، وميزة هذا التحدى أن الاستجابة لمتطلباته ممكنة فى أى وقت، إذ أن الدولة كمؤسسة تملك خيارات متعددة، ويمكنها تحديد درجة التعامل والتعاطى مع المجتمع، أما أسوء ما فى التعامل مع الموقف فهو أن بعض المؤسسات تعتقد فى فكرة أثمة، وأن الحاضر يمكن أن يستمر وأن يتحول إلى مستقبل، وهو تصرف كلف مصر الكثير منذ سنوات قليلة ماضية. [email protected]