يجرين عمليات الإجهاض وكشف العذرية والختان الحاجة نجاة: أعمل بدون ترخيص.. وزارة الصحة سلمتنى صندوق ولادة.. أغسل المعدات بالماء والصابون لتعقيمها أم فتحي: لدى ترخيص وتراقبنى الوحدة الصحية.. الولادة ب20 جنيها للغلابة ول«الشمال» ب1000 جنيه بين صرخات الأم ومولودها، تقف «الداية» مبتسمة، حاملة بين يديها ذلك الطفل الصغير، الذى غادر لتوه ظلمة رحم أمه إلى رحابة عالمنا، لتبدأ فى مطالبة الأب ب«الحلاوة». هذا ليس مشهدًا فى فيلم «أبيض وأسود»، إنه الواقع المرير، الذى فوجئنا باستمراره حتى الآن، عندما أكدت لنا طبيبة نساء وتوليد، أن السيدات الحوامل المصابات بالفيروسات الخطيرة، التى تنتقل عن طريق الدم، يلجأن ل«الداية»، بعد رفض المستشفيات استقبالهن، خاصة فى محافظات الصعيد. ما قالته الطبيبة كان صادمًا بشكل كبير، وأثار لدينا العديد من التساؤلات، فرغم التطور الطبى فى أغلب مستشفيات الجمهورية، كيف استمر عمل القابلة «الداية»، حتى الآن؟ قررنا فى «الفجر» الإجابة على تلك التساؤلات، فخضنا مغامرة ميدانية، للبحث عن خبايا عالم القابلات فى مصر، التى ظن البعض أنها مهنة انقرضت، ولم يتبق منها سوى عدد من المشاهد السينمائية، الموجودة فى أرشيف أهل الفن. الخطوة الأولى فى رحلتنا، انطلقت من أسيوط، بعدما تواصلت محررة «الفجر» هاتفيًا مع «أم ملك»، سيدة أربعينية، اعتادت الولادة 3 مرات على يد «الداية»، والتى أوصلتنا بدورها إلى «الحاجة نجاة»، إحدى أشهر القابلات فى الصعيد، الملقبة ب«مولدة الأجيال»، لأنها تخطت العقد الثامن من عمرها، وما زالت حتى الآن تعمل فى مهنة التوليد، منذ كانت فتاة بنت 16 عامًا، تسكن فى إحدى قرى محافظة أسيوط، وتجوب المحافظات القريبة، بحثًا عن أى حالة ولادة. وقالت «الحاجة نجاة» ل«الفجر» إنها ليست متعلمة، ولا تؤمن بانتقال عدوى الأمراض عن طريق الدم، إذ تعتبر الأمراض إحدى أكبر الأكاذيب التى يروجها الأطباء، حتى يتحايلوا على السيدات لتوليدهن «قيصري»، مقابل مبالغ طائلة، مستشهدة على ذلك بمحاولات أحد الأطباء المشهورين بالتفاوض معها، مقابل 500 جنيه، لإقناع السيدات اللاتى يلجأن إليها بأن الولادة القيصرية أفضل. «الدكاترة فى الوحدة الصحية كانوا زمان بيسألونى على حاجات فى الولادة، وأنا اللى كنت بفهمهم واشرح لهم يتصرفوا إزاي»، بهذه الكلمات حاولت القابلة الثمانينية أن تقنعنى بخبرتها فى مهنة التوليد، وعندما سألتها عن تصريح مزاولة المهنة قالت: «لا، ده كان زمان، إنما دلوقتى بياخدوا منى البطاقة بس، علشان يسجلوا عيالهم ويطلعوا شهادات الميلاد». وادعت الحاجة نجاة، أن وزارة الصحة سلمتها صندوق ولادة، يحتوى على أهم المعدات التى تساعدها فى عملها ك«داية»، وبسؤالها عن طريقة تعقيمها لتلك المعدات، قالت: «بعد كل ولادة بغسلها بالماء والصابون». وعن تلقيها دورات تدريبية فى الوحدة الصحية، التابعة لها، أكدت: «الدكاترة اللى يتعلموا منى، أنا أعرف أولد أحسن منهم كلهم»، وعلى الفور، اتفقت معها على أن تتولى هى مسئولية توليد إحدى السيدات، المصابات بفيروس خطير، ينتقل عن طريق الدم، مقابل 500 جنيه، قابلة للزيادة. وفى محاولة لإظهار مدى خطورة هذا المرض، أخبرناها أننا تواصلنا مع إحدى الدايات، فى منطقة أخرى، ولكنها رفضت، خوفا على نفسها، من انتقال العدوى إليها، فقالت بطريقة هيستيرية: «لا، لا، المرض ده مش مُعدى، اللى ربنا عايزه هيكون، إحنا عايزين نولدها بس، ملناش دعوة باللى فيها، بصراحة أنا بقالى 60 سنة بولد الحوامل بإيدى، من غير جوانتى، والحمد لله، كويسة أهو ومش تعبانة». وفى محاولة أخرى للتواصل مع «داية» تجرى عملية إجهاض لإحدى صديقاتى مريضة بفيروس خطير، رشح لى شعبان، زوج «أم ملك»، قابلة تقيم فى محافظة أسيوط أيضًا، وتدعى «أم محمد»، اعتادت إجهاض السيدات اللاتى يرغبن فى عدم إكمال حملهن. وبعد مقابلة «الداية»، شرحنا لها وضع الحالة الوهمية، التى ترغب فى الإجهاض، وأنها فى شهرها الرابع من شهور الحمل، لمعرفة تسعيرتها، فوجئنا برفضها أى حالة تعدت الشهر الثانى من حملها، بسبب تخوفها من حدوث مشاكل صحية، ما يعرضها للمساءلة القانونية. انتقلنا من الصعيد إلى الفيوم، شمالا، وهناك قابلنا سماح، مريضة بفيروس سى، اعتادت الولادة على يد «أم فتحى الداية»، التى ساعدتها فى إنجاب 4 أبناء، بعد استغلال عدد من الأطباء لها ماديًا، برفع سعر الولادة، بسبب إصابتها بالفيروس. تقول سماح ل«الفجر»: «كل ما أروح لدكتور يفاجئنى بمصاريف ولادة عالية أوى، علشان كده، مبلاقيش قدامى دايما غير أم فتحى، مولدة نص ولاد وبنات الفيوم، أسعارها رخيصة وولادتها سهلة، ده غير القرف اللى بنشوفه فى المستشفيات الحكومية»، وبسؤالها عن تسعيرة الولادة لدى «أم فتحي»، أجابت: «بتبتدى من 20 للغلابة، لحد 100 جنيه للمقتدر». توجهت محررة «الفجر»، على الفور إلى منزل الداية الشهيرة ب«أم فتحي»، وأخبرتها أنها حامل بالخطأ، وأنها ليست متزوجة، وترغب فى الولادة بسرية، حتى لا يعلم الأهل بالأمر، الغريب، أن القابلة الخمسينية أبدت مرونة وتجاوبًا كبيرة، وأخذت تطمئنها بأن الأمور ستسير كما هو محدد لها. وفى محاولة منها لإزالة أى آثار للخوف، أظهرت تصريح الولادة الخاص بها، وقالت: «أنا معايا تصريح من الوزارة، وبولد بعلم الوحدة الصحية، متخافيش هتاخدى منى التصريح ده يوم الولادة، وهتسجلى ابنك بيه»، وعندما أبدينا لها تخوفنا من حدوث أية أزمات وقت الولادة، ردت بثقة قائلة: «أنا بتدرب فى الوحدة على إيد دكاترة كبار، وعموما لما بيحصل حاجة للطفل بدخله حضَانة، وبدى الأم حقنة، متقلقيش». وعن تسعيرة الولادة، قالت «أم فتحى الداية»، إنها تحصل على 1000 جنيه، قابلة للزيادة، إذا كان الطفل بحاجة إلى حضَانة بعد الولادة، علاوة على إذا احتاجت الأم لأى مستلزمات أخرى. وفى العياط، أحد مراكز محافظة الجيزة، حَجَمت التكنولوجيا الطبية عمل القابلات هناك، إذ لجأ أغلب السيدات للتردد على المستشفيات، لذلك لا تتم الاستعانة ب«الدايات» إلا فى حالتين فقط، كشوف العذرية والختان، التى تجريهما بعض العائلات لفتياتهم، بحسب ما أخبرتنا به إحدى سيدات المركز. تواصلنا مع «فايزة.ع»، ورثت مهنة الداية عن والدتها وجدتها، وطلبنا منها فحص فتاة عشرينية، للتأكد من أنها ما زالت عذراء، لأن عائلتها تشك فى أخلاقها، فاستقبلت السيدة الأمر بشكل طبيعى، وقالت إن الأمر ليس غريبا عليها، فالعديد من العائلات يلجأون لها لهذا السبب، وبالفعل أتممنا الاتفاق معها على ذلك، مقابل مائتى جنيه، بالإضافة إلى إجراء عملية ختان، لفتاة عمرها سبع سنوات، مقابل 400 جنيه. وتعقيبًا على ذلك، تقول كوثر محمود، نقيب التمريض، إن القابلات فى عهد وزير الصحة السابق، إسماعيل سلام، خضعن لدورات تدريبية، تؤهلهن لإجراء الولادة، وحصلن بالفعل على تراخيص لمزاولة المهنة، أما حاليا، فيوجد بالمعهد الفنى الصحى شعبة للتوليد، يخضعن فيها الممرضات لدورات تأهيلية لمدة 6 شهور، يحصلن بعدها على تراخيص للولادة. وأشارت نقيب التمريض إلى، أن هؤلاء الممرضات يحصلن أيضا بعد فترة على دورات تنشيطية، ويكن تحت رقابة وزارة الصحة، ولا يجدد الترخيص إلا بعد عدد حالات ولادة معين، تجريها الممرضة، وبسؤالها عن وجود قابلات غير مدربات ولسن متعلمات، أجابت: «إحنا منعرفش فيه دايات ولا لا، ومنقدرش نجزم ونقول مفيش، لأننا مش متأكدين أن الدايات القدام مبقوش يشتغلوا». «قانون مزاولة مهنة التوليد فى مصر ينص على، أن «الذين يقدمون الخدمات الصحية بدون تصريح من وزارة الصحة، يرتكبون مخالفة، يعاقب عليها القانون»، هكذا أجاب محمود كبيش، عميد كلية حقوق بجامعة القاهرة الأسبق، عن استفسارنا حول الوضع القانونى للقابلات، اللاتى لا يمتلكن تصريحا من وزارة الصحة. وأضاف: بحسب المادة 15 من قانون رقم 481 لسنة 1954، فى شأن مزاولة مهنة التوليد، فالمولدة التى لا تمتلك تصريحا وتزاول مهنة التوليد تعاقب بغرامة لا تزيد عن مائة جنيه، وتضاعف العقوبة لها عند التكرار، مشيرا إلى أنه فى حالة وقوع ضرر على السيدة التى تقوم الداية بتوليدها أو على جنينها، تعاقب الداية حسب القوانين العامة للقانون الجنائى.