عندما بلغ الاضطهاد أشدّه ضد المسلمين فى مكةالمكرمة، خلال السنوات الأولى لبعثة النبى محمد "صلى الله عليه وسلم"، أمر الرسول نفر من أصحابه لللجوء للحبشة، وكان يحكمها ملك مسيحى يُدعى "النجاشى"، فكانت أول هجرة فى الإسلام. وفي السنة ال5 للدعوة نصح الرسول المسلمين بترك مكة والهجرة إلى الحبشة لأن فيها "ملك لا يُظلم عنده أحد وعادل في حكمة كريماً في خلقة"، وهناك يستطيعون العيش في سلام آمنين على أنفسهم وعلى دينهم، وكان عددهم في ذلك الوقت ثمانين رجلاً غير الأطفال والنساء.
وسافر أصحاب النبى عبر البحر الأحمر على متن السفن، حتى نزلزا بأثيوبيا، لكن عندما زاد الاضطهاد ضد المسلمين في مكةالمكرمة، خلال سنوات النبوة الأولى من النبي محمد، أمر مجموعة منهم بالحماية في الحبشة، التي كان يحكمها ملك مسيحي كان له سمعة للعدالة.
كانت الحبشة، وهي مقاطعة مسيحية تعرف اليوم أن تكون في إثيوبيا، يحكمها ملك عادل وعادل يعرف باسم نيغوس. هربا من الاضطهاد، سعى المسلمون مكانا للعبادة وممارسة إيمانهم بالسلام.
وروى النبي محمد أن مجموعة من المسلمين هاجروا سرا إلى الحبشة، لأن "ملكهم لن يتسامح مع الظلم". وكان هدفه الرئيسي السماح لأصحابه بأداء واجباتهم الدينية دون تعذيب وإساءة.
سافروا عبر البحر الأحمر على متن السفن حتى هبطوا في أفريقيا. وكانت هذه أول هجرة في الإسلام. حوالي 70 إلى 80 مسلم سافر إلى الحبشة.
لكن زعماء قريش (قبيلة النبي) عزموا على الذهاب إليها، خوفا من أن يقيم المسلمون معقل لهم هناك، وأرسلوا وفدًا الى اثيوبيا فى جهود لاعادة المسلمين الى مكة، وطلبوا من الملك طردهم، مدعين أن المسلمين "اخترعوا" دينا جديدًا لهم، كما عرضوا على وزراء النجاشى الهدايا، في محاولة للحصول على دعمهم، ونجحوا.
ودعا الوزراء النجاشى إلى طرد المسلمين، لكنه رفض تسليمهم قبل الحديث معهم، وقد أحضر المسلمون أمام الملك، ودخل جعفر بن أبي طالب، ابن عم النبي، للتحدّث إلى النجاشى. ولما حضروا صاح جعفر بن أبي طالب بالباب " يستأذن عليك حزب الله " فقال النجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه، ففعل. قال نعم فليدخلوا بإذن الله وذمته، فدخلوا ولم يسجدوا له، فقال: ما منعكم أن تسجدوا لي؟ قالوا: إنما نسجد لله الذي خلقك وملكك، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان، فبعث الله فينا نبيا صادقا، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله، وهي " السلام " تحية أهل الجنة، فعرف النجاشي أن ذلك حق، وأنه في التوراة والإنجيل.
فقال أيكم الهاتف يستأذن؟ فقال جعفر أنا، قال فتكلم، قال إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي، فأمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما، فتسمع محاورتنا، فقال عمرو لجعفر تكلم. فقال جعفر للنجاشي سله أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم، فقال عمرو : بل أحرار كرام . فقال: هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا؟ قال عمرو: ولا قطرة، فقال هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ فقال عمرو: ولا قيراط، فقال النجاشي: فما تطلبون منه؟ قال كنا نحن وهم على أمر واحد على دين آبائنا، فتركوا ذلك واتبعوا غيره، فقال النجاشي: ما هذا الذي كنتم عليه، وما الذي اتبعتموه؟ قل وأصدقني.
فقال جعفر: أما الذي كنا عليه فتركناه وهو دين الشيطان ، كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة، وأما الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له، فقال تكلمت بأمر عظيم، فعلى رسلك .
ثم أمر بضرب الناقوس فاجتمع إليه كل قسيس وراهب، فقال لهم أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، هل تجدون بين:عيسى وبين يوم القيامة نبيا ؟ قالوا: اللهم نعم، قد بشرنا به عيسى، وقال من آمن به فقد آمن بي، ومن كفر به فقد كفر بي، فقال النجاشي لجعفر رضي الله عنه ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟، فقال يقرأ علينا كتاب الله، ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر، ويأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم، ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له .
فقال اقرأ مما يقرأ عليكم، فقرأ سورتي العنكبوت والروم، ففاضت عينا النجاشي من الدمع، وقال زدنا من هذا الحديث الطيب، فقرأ عليهم سورة الكهف .
فأراد عمرو أن يغضب النجاشي، فقال إنهم يشتمون عيسى وأمه، فقال ما تقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم سورة مريم، فلما أتى على ذكر عيسى وأمه رفع النجاشي بقشة من سواكه قدر ما يقذي العين، فقال والله ما زاد المسيح على ما تقولون نقيراً.
ورفض النجاشي أن يسلم المسلمين لعمرو بن العاص بعد أن سمع منهم، وأمنهم في بلده، وعاد المسلمون من الحبشة مرة أخرى عقب فتح خيبر وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب، وفرح الرسول "صلى الله عليه وسلم" بهم كثيراً حتى انه قال: " ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحًا؛ أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟". رسالة الرسول للنجاشى: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك فإني أحمد إليك الملك القدوس، المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته القاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخته كما خلق آدم بيده ونفخته، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني، فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤوك فاقرهم ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى".