بالأسماء.. تعيين أعضاء بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي    جامعة قناة السويس تحافظ على تقدمها في التصنيف العالمي QS 2025    محافظ الفيوم: فتح 14 مجزرًا وذبح الأضاحي مجانًا داخل المجازر الحكومية خلال العيد    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    تباين أسعار العملات الاجنبية في بداية تعاملات اليوم الخميس 6 يونيو 2024    سعر الذهب اليوم الخميس 6-6-2024 خلال بداية التعاملات بعد ارتفاع عيار 21 في الصاغة    محافظ الفيوم يتابع مع رؤساء المدن إجراءات تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء    ضمن فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للبيئة.. افتتاح «بديع صنع الله» بقصر الأمير طاز    تجربة مبادرة "صحة المرأة" ضمن جلسات مؤتمر "صحة أفريقيا".. ماذا حققت؟    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل أخر جلسات الأسبوع    ننتصر بالحرب والقدس لنا.. تصريحات استفزازية جديدة لوزير إسرائيلي    البرلمان العربي: اقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع القانوني والتاريخي للقدس    الخارجية الإسبانية: مدريد ستنضم لجنوب أفريقيا في الدعوى ضد إسرائيل    المستشار الألماني يؤيد ترحيل المجرمين الخطرين إلى أفغانستان وسوريا    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    تصفيات المونديال| الجزائر يستقبل غينيا للابتعاد بالصدارة    الأرصاد الجوية: أسوان و قنا أعلى المحافظات فى درجات الحرارة    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    الثانوية الأزهريةl تباين آراء الطلاب حول امتحان البلاغة بالقليوبية    تخصيص 159 ساحة ومسجد لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك بمحافظة الفيوم    المؤبد وغرامة 200 ألف جنيه لعامل لاتجاره في الحشيش بالقليوبية    «تعليم المنوفية»: لا وجود لأي شكاوي من امتحانات الثانوية الفنية    بوسترات فردية لأبطال فيلم عصابة الماكس قبل عرضه بموسم عيد الأضحى.. صور    رحلة «أهل الكهف» من التأجيل 4 سنوات للعرض في السينمات    سوسن بدر تكشف كواليس تصوير الفيلم الوثائقي «أم الدنيا» قبل عرضه    أسرار وكواليس في حياة الفنان محمود المليجي.. فيلم «الأرض» نقطة التحول    لو هتضحى.. اعرف آخر يوم تحلق فيه إمتى والحكم الشرعى    هل الحاج يصوم العشر من ذي الحجة؟.. «الإفتاء» تجيب    أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور.. منظمة الصحة العالمية تؤكد    العلاج بالمجان.. قافلة طبية لأهالي قرية سيدي شبيب بالضبعة شرق مطروح    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    رفضت العودة له.. تفاصيل التحقيق مع المتهم بإلقاء مادة ك أو ية على طليقته    قبل التغيير الوزاري، سويلم يقدم كشف حساب لوزارة الري على هامش المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    عميد تجارة عين شمس: التعاون الثقافي والعلمي مع الجامعات الفرنسية مهم للجانبين    ليلة بكت فيها سميحة أيوب.. الأوبرا تكرم سيدة المسرح العربي (بالصور)    تعليق مثير من شوبير عن محمد أبو تريكة وشيكابالا.. ماذا قال؟    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة والفترة الماضية شهدت انخفاضا فى الأسعار    اليونيسف: 9 من بين كل 10 أطفال بغزة يفتقرون للغذاء اللازم للنمو السليم    بدء التصويت فى انتخابات البرلمان الأوروبى العاشرة فى هولندا    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ مشروعات الطرق والمحاور بالقاهرة الجديدة    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وسيارة ملاكي بشبرا بنها الحر    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    محمد عبدالجليل يعلق على مباراة مصر وبوركينا فاسو    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    نجم الإسماعيلي: تلقيت عروضًا من الأهلي والزمالك.. وهذا قراري    إبراهيم عيسى: تكرار الأخطاء جريمة بحق التاريخ.. لم نتعلم من الأحداث    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    واجبات الحج الأربعة.. معلومات وأحكام شرعية مهمة يوضحها علي جمعة    الأزهر للفتوى: الاجتهاد في السعي على طلب الرزق في الحر الشديد له ثواب عظيم    مصادر: خطة لرفع أسعار الأدوية بنسبة 30%    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «شماريخ» تحت شعار «تحيا المقاومة لتحيا فلسطين» (تفاصيل)    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    هشام نصر يكشف مفاجأة: الزمالك لم يتم التعاقد مع محترف فريق الطائرة حتى الآن    البابا تواضروس: أخبرت نائب محمد مرسي عن أهمية ثقة المواطن في المسئول فصمت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزارة خارجية الرسول صلى الله عليه وسلم
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 06 - 2016

مائة وعشرة سفراء كانوا في وزارة خارجية الرسول صلي الله عليه وسلم يحملون رسائله إلى الملوك والحكام ورؤساء القبائل في العالم أجمع يدعوهم فيها إلى الإسلام ويُبيّن شرائعه وتعاليمه.. ويظل السفراء في جولاتهم التنويرية المتتابعة حتى آخر حياة نبي الله لتورد معظم كتب السيرة والتاريخ أن أهم ست رسائل بعث بها الرسول صلي الله عليه وسلم إلي ملوك العالم كانت للنجاشى ملك الحبشة وحمل الرسالة إليه عمرو بن أميّة الضمرى فى محرم من السنة السابعة للهجرة، وقيصر إمبراطور الروم وحملها إليه دحيّة بن خليفة الكلبى، وكسرى ملك الفرس وحملها إليه عبدالله بن حذاقة السهمى، والمقوقس حاكم مصر والإسكندرية وحمل رسالته حاطب بن أبى بلتعة، والحارث بن أبى شمر الغسانى وحمل رسالته شجاع بن وهب الأسدى، وهوذة بن علي الحنفي وبعث إليه سفيرًا يحمل رسالته سليط بن عمرو العامرى.. وكانت تعليمات وتوجيهات النبى الكريم للسفراء قبل إرسالهم ترسم خطواتهم وكأنه حاضر معهم مطلع على كل ما سوف يتعرضون له ويواجهونه ومنها: «إذا جئت أرضهم فلا تدخلن ليلا حتى تصبح، ثم تطهر فأحسن طهورك، وصل ركعتين، وسل الله النجاح والقبول، واستعذ بالله، وخذ كتابى بيمينك وادفعه بيمينك فى أيمانهم فإنهم قابلون، واقرأ عليهم (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البيّنة، رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيّمة»، فإذا فرغت منها فقل: آمن محمد وأنا أول المؤمنين، فلن تأتيك حجّة إلا دُحضت، ولا كتاب زخرف إلا ذهب نوره، وهم قارئون عليك، فإذا رطنوا، فقل: ترجموا، وقل حسبي الله آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير».
وقد اتسم خطاب النبي صلي الله عليه وسلم إلى النجاشى ملك الحبشة بروح النصيحة، لأن موقفه من المسلمين الذين هاجروا إلى مملكته بالحبشة كان ودياً بعدما احتضن مجموعة المسلمين الفارين بدينهم من اضطهاد قريش، بل استمع إلى حديثهم عن مبادئ دينهم وأخلاق نبيهم حتي أصبح بمثابة الجاهز لتلقى رسالة الرسول الرقيقة الذى خاطبه فيها بقوله: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي النجاشى ملك الحبشة، أما بعد فإنى أحمد الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه، ونفخه كما نفخ آدم بيده، وإنى أدعوك إلى الله وحده، لا شريك له والموالاة على طاعته، وأن تتبعنى وتؤمن بالذي جاءني، فإنى رسول الله، وإنى أدعوك وجنودك إلي الله تعالي، وقد بلّغت ونصحت فاقبلوا نصيحتى. وقد بعث فيكم ابن عمى جعفر ومعه نفر من المسلمين. والسلام على من اتبع الهدى».. وبمجرد الانتهاء من قراءة رسالة النبي صلي الله عليه وسلم قال النجاشي «إنه النبى الأمى الذي ينتظره أهل الكتاب» وكان واضحاً أن النجاشى علي علم كبير عن رسول الله وعن دينه من الحوار الذى دار بينه وبين جعفر بن أبى طالب عندما سأله عقب فراره إليه هو والمجموعة التى معه من قريش ثم محاولة قريش استعادتهم بقيادة عمرو بن العاص: ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا فى دين آخر؟! فرد جعفر قائلا: «كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل القوى منا الضعيف، كنا على ذلك حتي بَعثَ الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.. فصدقناه وآمنا به واتبعناه علي ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حُرم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا».. ولقد ظلت كلمات جعفر تلك ساكنة فى أذن النجاشى حتى وصلته رسالة محمد مصحوبة بوجود جعفر لم يزل حيث أصبح على صلة ودّ وقبول لدي النجاشى، لذا رد علي النبى صلى الله عليه وسلم برسالة قال فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. إلي محمد رسول الله من النجاشى الأصحم بن أبجر، سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته من الله الذى لا إله إلا هو الذي هدانى إلى الإسلام، أما بعد فقد بلغنى كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد علي ما ذكرت ثغروقاً أى يتفق معه تماماً إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد مرَّ بنا ابن عمك وأصحابه، وأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقاً، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لرب العالمين. وقد بعثت إليك بابنى أرهاين الأصحم، فإنى لا أملك إلا نفسى، وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت يا رسول الله، فإنى أشهد أن ما تقول حق والسلام عليك يا رسول الله».. وقد أرسل النجاشى ابنه مع ستين رجلا في أثر جعفر بن أبى طالب ورفاقه العائدين لمكة، فغرق الابن ومن معه. وجاء جعفر وأصحابه إلى النبى، وكانوا سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام، فقرأ عليهم رسول الله سورة يس حتى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن، وآمنوا قائلين: ما أشبه هذا بما أنزل علي عيسى عليه الصلاة والسلام، وفيهم نزل قول الله تعالى: «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين»..
ويذكر ابن القيم أن النجاشى أسلم سرًا هو وأهل بيته، ولو كان قد أشهر إسلامه على الملأ لكان قد اتبعه عدد كبير من أهل الحبشة.. ويأتى رجب من السنة التاسعة من الهجرة ليقول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن النجاشى توفى فصلِّ عليه.. فصلى عليه رسول الله والصحابة الكرام صلاة الغائب، وعن أبى هريرة قوله: نعى لنا رسول الله صاحب الحبشة يوم مماته فقال: «استغفروا لأخيكم».. وكان نبى الله قد أذن مرتين للمسلمين فى الحقبة المكية بهجرتهم إلي الحبشة، لما اشتد أذي قريش لهم، فى الوقت الذى كان فيه النجاشى ملكاً عليها، وهو الذى وصفه قارئا للغيب بأنه لا يظلم عنده أحد، فاستقبلت الحبشة المسلمين بالحفاوة والتكريم إثر قول المصطفى: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد، وهى أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه»، وكان فى الفوج الأول من المهاجرين: عثمان بن عفان وزوجته رقيّة بنت رسول الله، وأبوحنيفة بن عتبة بن ربيعة وزوجته سهلة بنت سهيل بن عمرو التي وضعت هناك وليدها محمد بن أبى حنيفة، والزبير بن العوام، ومُصعب بن عمير.. وكان في الفوج الأول أيضاً عبدالرحمن بن عوف، وأبوسلمة بن عبدالأسد ومعهم زوجته أم سلمة بنت أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة ومعه زوجته ليلي بنت أبى حنتمة، وأبوسبرة بن أبى رهم عبدالعُزّى (ابن خالة رسول الله) وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس، وسهيل بن عمرو بن عبدشمس... أما الفوج الثانى من المهاجرين إلى الحبشة فقد ضم 82 رجلا و19 امرأة كان من بينهم: جعفر بن أبى طالب وزوجته أسماء بنت عميس، وهى التى ولدت له هناك ابنه عبدالله.. ومن هنا أرسلت قريش سفيريها إلى النجاشى وهما عمرو بن العاص وعبدالله بن أبى ربيعة ليطردا المسلمين هناك حاملين معهما الهدايا للنجاشى وعظماء الحبشة، وعندما يدخل جعفر بن أبى طالب قاعة العرش يجد عمرو بن العاص عن يمين النجاشي وعمارة ابن الوليد بن المغيرة عن يساره، فقال جعفر: السلام عليكم ورحمة الله.. فقال عمرو بن العاص للنجاشى: ألا ترى أيها الملك العظيم أنهم مستكبرون لم يحيوك بتحيتك؟ فسألهم النجاشى: ما منعكم أن تسجدوا وتحيونى بتحيتى الواجبة؟.. فقال جعفر: إنا لا نسجد إلا لله عزّ وجل..
 ولمَ تفعل ذلك؟
- لأن الله أرسل فينا رسولا وأمرنا ألا نسجد إلا لله عزّ وجل، وأخبرنا بأن تحية أهل الجنة السلام، فحييناك بالذى يحيى به بعضنا بعضا.
فقال عمرو: إنهم يخالفونك فى ابن مريم ولا يقولون إنه ابن الله جلّ وعلا.
فقال: فيما تقولون فى ابن مريم وأمه؟
قال جعفر: نقول كما قال الله عزّ وجل روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء.
ويلتفت النجاشي إلي سفيرى قريش قائلا: انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما..
وكان سفير النبى الكريم إلى هرقل إمبراطور الروم العائد منتصرًا من حروبه على الفرس هو دحيّة بن خليفة الشهير بجماله وسطوة إطلالته إلى درجة أن بعض المؤرخين كانوا يرددون عنه أساطير وروايات منها أن النساء الحوامل ما أن ينظرن إليه في الطريق حتى يغشى عليهن من جماله فيجهضن في الحال مثل النساء في سورة يوسف اللاتى يقطعن أيديهن من خِلاف بلا شعور ذاهلات من حسن وجمال يوسف عندما استشهدت بهن زوجة العزيز.. وذكر النبى صلى الله عليه وسلم أن دحيّة كان قريب الشبه بالصورة التى كان يبدو عليها جبريل كما ظهر للرسول، ولقد كان لإطلالة دحيّة وهيبته الطاغية أثرها فى نفس هرقل وحاشيته بمجرد ظهوره حاملا الرسالة.. قدم رسالة النبى صلى الله عليه وسلم بيمينه كوصية الرسول ففتحها هرقل ليقرأ: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين الفلاحين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئآ ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون» ولما ترجمت الرسالة لهرقل لم يغضب أو يفكر في إرسال جيوشه لغزو بلاد العرب، بل لقد رد علي ما جاء في رسالة النبي ردًا جميلا حتى ظن بعض المؤرخين أنه قد أسلم، ويعيد الطبرى ذلك الهدوء في رد هرقل إلى أنه كان قد جمع الكثير من المعلومات من قبل عن الرسول ونشأته ودعوته ثم وجه هرقل الكلام إلى دحيّة بن خليفة الكلبي سفير النبى الكريم الذى قدم إليه برسالته قائلا: «والله إنى لأعلم أن صاحبك نبي مرسل، وأنه الذى كنا ننتظره ونجده في كتابنا، ولكنى أخاف الروم على نفسى، ولولا ذلك لاتبعته، والآن اذهب إلى كبير الأساقفة (ضفاطر) فاذكر له اسم صاحبكم فهو في الروم أعظم منى وأحق قولا منى لديهم، فانظر ماذا يقول لك؟ وما أن لاقاه ضفاطر حتى قال له: صاحبك نبى مرسل نعرفه بصفته ونجده فى كتابنا باسمه، وما أن خرج بثياب بيضاء معلناً ظهور أحمد ناطقاً بالشهادتين حتى وثب عليه الجمع فقتلوه... وظلت رسالة النبى صلي الله عليه وسلم إلى هرقل بين أيدى ملوك الأندلس حتى اشتراها أحد الحكام العرب ويقال إنها محفوظة فى الأردن، ومصادر أخرى تقول إنها فى متحف بتركيا.
وإلى جانب رسائل النبى إلى الملوك فهناك رسالة منه إلى الخارجين عن قوانين القبيلة الذين أرسلوا وفدًا منهم يتلمسون فرصة للعفو في ظل المساواة التي أرساها الرسول بين المسلمين فكتب لهم كتاب عفو عام سماهم فيه عباد الله العتقاء قال فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبى رسول الله لعباد الله العتقاء، إنهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فعبدهم حر، وما كان فيهم من مال أخذوه فهو لهم، وما كان لهم من دين فى الناس رد إليهم، ولا ظلم عليهم ولا عدوان، وإن لهم على ذلك ذمة الله وذمة محمد والسلام عليكم».. وفي تلك الرسالة يمحو النبى اسماً ظل لصيقاً بهؤلاء وهو «قطاع الطرق» كما أعطاهم ذمة الله ورسوله ليصبح العفو عنهم والتسامح فى عودتهم إلى مجتمعهم قضية دينية يأثم مخالفها.. وكان جميع كتاب الرسائل المحمدية موضع ثقة النبى إلى حد أن عبدالله بن الأرقم كان يرد على الرسائل نيابة عن الرسول، ثم يقوم النبى بختم الرسالة بخاتمه الذى كان منقوشاً عليه اسمه وعندما يقوم بخلعه يعهد به إلى اثنين هما معيقب بن أبى فاطمة أو إلى حنظلة بن الربيع بن صيفي.. وجاء في تاريخ الإسلام للذهبى أن النبى قد اتخذ عدة خواتم منها خاتم فضة حبشي ونقشه «محمد رسول الله»، وخاتم من حديد بحلية ملتوية من الفضة يلبسه في يمينه أو يساره، ثم انتهى الخاتم النبوى الذى كانت تختم به الرسائل إلى يد أبى بكر الصديق بعد وفاة النبى، ومن بعده إلى عمربن الخطاب، ومنه إلى يد عثمان بن عفان وبينما يقوم بحفر بئر (أريس) لأهل المدينة وهو جالس على حافتها سقط الخاتم من إصبعه في البئر، وذهب البحث عنه دون جدوى.. ولما كان ديوان النبى يتلقى فى بريده بعضاً من الرسائل الأجنبية فقد قال الرسول لزيد بن ثابت: «تأتينى كتب لا أحب أن يقرأها أحد فهل تستطيع أن تتعلم العبرانية لترجمتها فقال له نعم وتعلمها على مدى سبع عشرة ليلة»، وكان زيد مترجماً لرسول الله على دراية باللغات الفارسية والرومية والقبطية والحبشية إلى جانب السريانية والعبرانية.
ويروى الشعبي أن نبى الله كان يكتب مثل قريش في أول الرسالة «باسمك اللهم» ثم نزلت الآية الكريمة «وقال اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها» فكتب عليه الصلاة والسلام «بسم الله» إلي أن هبط الوحى بالآية «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن» فكتب «بسم الله الرحمن» حتى نزلت الآية الكريمة «إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم» وأصبحت بداية كل رسالة هى «بسم الله الرحمن الرحيم».. وكان «شرحبيل بن حسنة» أول من كتب لرسول الله عليه الصلاة والسلام وكان من المسلمين الأوائل، ومن الذين هاجروا إلى الحبشة واستظلوا بأمان النجاشى ويرجح أنه كاتب رسالة النبى الكريم التى حملها السفير حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية التى جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام علي من اتبع الهدى.. أما بعد.. فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلِم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين»، ثم دعا كاتباً له يعرف العربية فأملى عليه: «بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد بن عبدالله من المقوقس عظيم القبط. سلام عليك. أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً قد بقى وكنت أظنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام عليك».. ولم يزد المقوقس على ذلك إلا أنه احتفظ برسالة النبى التى ظلت علي حالها حتى عثر عليها في أحد الأديرة بأخميم بجنوب مصر.. وكانت هدية المقوقس للرسول عام سبع هجرية تضم مارية وأختها سيرين وبغلته الدلدل وحماره يعفور ومعهم خصىّ يقال له مابور كان أخاً لمارية، وكانت مارية بيضاء جميلة أنزلها النبى فى العالية فيما يقال له مشربة أم إبراهيم وحملت مارية ووضعت إبراهيم في ذى الحجة سنة ثمانٍ فكانت الوحيدة التي أنجب منها الرسول من بعد خديجة، وكان الرسول قد اختلي بها في بيت حفصة بينما كانت عند أبيها عمر، وكان يوم عائشة ولكى لا يجعلها تُبلّغ عائشة أقسم لحفصة بأن مارية قد حرمها على نفسه فنزلت آية التحريم «قد فرض الله لكم تحلّة أيمانكم» وأما سيرين أختها فوهبها لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبدالرحمن، وتروى أم المؤمنين عائشة: «لما ولد إبراهيم جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم إلىّ فقال: انظرى إلى شبهه بى، فقلت: ما أرى شبهاً!، فقال: ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟، فقلت: إنه من سُقى اللبن الضأن سَمِن وأبيّض».. ويعيش إبراهيم نحو السنتين وتوفي كما يقول ابن حزم قبل النبى بثلاثة أشهر ليغسله الفضل بن العباس ليُدفن فى البقيع فحزن الرسول عليه حزنا شديدا وبكى فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «إن العين تدمع، والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا. وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ويومها انكسفت الشمس فقالوا انكسفت لموت إبراهيم فيقول المصطفى: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته»... وماتت مارية هدية المقوقس لرسول الله سنة 17ه في عهد عمر بن الخطاب ودفنت بالبقيع، وكان عمر بن الخطاب يعطيها ستة آلاف فى السنة بينما كانت عائشة تتقاضى اثنى عشر ألفاً، وعن عائشة برواية البخارى قولها: إن النبى توفي ولم يترك دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا، ولا أمة».. وفي ذلك دلالة على أنه كان قد أعتق مارية. وتقول عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشى في يوم وفاته وصلى عليه بالبقيع وعندما اعترض البعض أنزل الله تعالى قرآنا يقول: «وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم».. وعن عائشة أم المؤمنين قولها: «لما مات النجاشى كان الحديث أنه لايزال على قبره نور». (آل عمران 199)

«ما أن»
«ما أن» حرفين من حروف الضاد لا طلعا ولا نزلا لكنهما يعكسان الآن في عرفنا اليومى طعم حياتنا ومذاق مرارة أيامنا، لما لهما من تأثير سلبي على جميع إشعاعات إنجازاتنا وعلاقاتنا وصداقاتنا الدولية، ومثال لذلك أنه ما أن ظهرت بوادر الصداقة الحميمة بين الرئيسين بوتين والسيسى الذى أهداه في ضيافته بموسكو جاكتته وجاء عندنا ليتعشى معه في برج الجزيرة، ما أن حتى وقع حادث الطائرة الروسية المؤسف واحتجب السياح الروس عن أرض مصر مع التوابع القفف!!... وما أن عاد الود القديم وتفجرت ينابيع غاز المتوسط علي يد إينى الشركة الإيطالية حتى وضعت فى طريقنا على المحور جثة ريچينى لتنقطع خيوط الوداد أو تكاد!... وما أن تنقضى آثار الزيارة الوردية لرئيس فرنسا أولاند لبلادنا حتى يشق الأخدود القسرى علي أرض مطار شارل ديجول ليحكم بيننا صندوقا أسود لا تحمل مثيله وحمدا لله حاملة طائرات الهليكوبتر «جمال عبدالناصر» الفرنسية الصنع التي تمخر عباب اليم ولا تطير في الجو!.. وما أن تنجح جولات الطيب شيخ الأزهر الشريف في أوروبا ليتوّجها بلقاء القمة مع بابا الفاتيكان، ما أن حتى يلعبوا لنا في الأزرق فتنتهك حرمة المرأة المسنة ويحرقوا لها بيتها ويصر عمدة الكرم بالمنيا على غداء بط في الغد للتصالح مع الأنبا تواضروس المصّر كما الرئيس علي تنفيذ القانون أولا.... وما أن نغنى لحصاد قمح الفرافرة حتى يشتعل الحريق في قلب الغلّ الأسود فيشعلها نارا فى قلب القاهرة ومرارة في نقابة الصحفيين.. و.. ما أن نقول يا هادى في عودتنا إلى قلب افريقيا وعودة افريقيا إلينا لنغدو فى التحامنا الجغرافى والتنموى بمثابة قوة لا تقهر في عالم افريقى جديد، حتى تدّعى علينا السيدة يونوفى كماتى مندوبة كينيا في الأمم المتحدة للبيئة بأن الدكتور خالد فهمى وزير البيئة قد أهان في اجتماع نيروبى قارة أفريقيا واصفاً دولها بأنها كلاب وعبيد، هذا بينما الوزير بذات نفسه كان قد اعتذر عن الحضور لتكليفه بمهام عاجلة من قبل رئاسة الوزراء.. فعادت كماتى تقول يمكن اللي شتم هو السفير أو أى حد تانى!!.. وقال يعنى احنا ناقصين «كماتى» كمان!!!.. وقلبي بيأكلنى على علاقتنا بالمجر التى بدأت منذ عام 1928 وكانت مصر الدولة العربية الأولى التى افتتحت فيها بعثة دبلوماسية منذ أكثر من 70 عاما، فإنه ما أن وقف رئيس وزرائها فيكتور أوربان شامخا شاكرا حسن الضيافة في المؤتمر الصحفى بالأمس معلنا عن فتح آفاق جديدة للتعاون المشترك خاصة في مجال السكك الحديدية، ما أن قالها حتى توجست خيفة من خازوق أهل الشر القادم لا محال بالمجرى!!
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.