مصر لم تبتعد عن أحضان إفريقيا، وجذورها الإقليمية الراسخة فى قلب القارة السمراء أكبر دليل على ذلك، وطوال عقود حملت مصر مشاعل التنوير الإفريقى بأزهرها وكنيستها وعلمائها، وقادت قاطرة التنمية الإفريقية برجال أعمالها واستثماراتها، التى لم تنحسر منذ الملكية وحتى بعد إعلان الجمهورية.. هذا ما افتتح به السفير «أحمد حجاج» الأمين العام السابق للجمعية الإفريقية، محاولته فى تفسير المشهد الإفريقى المركب بعد التحركات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو». أكد «حجاج» ل«الفجر»، أن مصر لديها خبرة طويلة فى التعامل مع الأفارقة، وتربطها علاقات وثيقة وتاريخية مع أغلب الدول الإفريقية، فى كافة النواحى، الاجتماعية، والاقتصادية، والإنسانية، والدبلوماسية، ومنذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى حكم مصر، تطورت الرؤية الاستراتيجية للقارة الأم، واستهدفنا تدعيم العلاقات، خصوصًا بعد ثورتين شعبيتين أبهرتا العالم. فمصر لم تبخل على دول القارة السمراء بمنحها الخبرات اللازمة، سواء فى التنمية الزراعية، أو الصناعية، أو التجارية، وأوفدت لدول إفريقيا سنويًا أكثر من 700 مهندس، و800 طبيب، فضلا عن تطوير مشروعات الرى لدول مثل إثيوبيا والسودان وغيرهما، ليس ذلك فحسب، بل تطورت المنظومات العلمية فى قلب إفريقيا بفضل تلك المنح التعليمية المصرية لجامعات ومعاهد أغلب الدول الإفريقية، كما استقبلت العديد من الدارسين الأفارقة، وبلغ عددهم نحو 10آلاف طالب سنويًا. كما أن مصر عضو بارز فى بنك التنمية الإفريقية، وتخصص 2 مليار دولار لمشروعات التنمية فى إفريقيا، وقدمت منحًا بقيمة 100 مليون دولار لتنمية الدول الإفريقية الأكثر فقرًا، بهدف توصيل المرافق والكهرباء للقرى الأشد احتياجًا، كل ذلك إذا ما قورن بال13 مليون دولار التى منحها رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتن ياهو» فى زيارته الأخيرة لإفريقيا الأسبوع الماضى، يصبح المشهد أكثر وضوحًا، خاصة إذا ما علمنا أن جزءا كبيرا من هذه المنحة الإسرائيلية يتركز فى تدريب الحرس الرئاسى لقادة بعض الدول الإفريقية الذين تعدوا 30 عامًا فى الحكم، خشية تعرضهم للقتل بعد تلقيهم العديد من التهديدات. وبإمعان النظر فى العامين الماضيين، وتحديدًا منذ تولى الرئيس السيسى حكم مصر، نلاحظ أن القطاع الخاص المصرى شارك فى عدد من المشروعات الضخمة، وتطوير البنية التحتية فى أكثر من 21 دولة إفريقية، فمثلا تخطى استثمار شركة «المقاولون العرب» فى القارة حاجز ال45 مليار جنيه مصرى عام 2015، ونفذت عددًا من المشروعات الضخمة، مثل إنشاء استاد أكرا فى غانا، ومنح الرئيس الكينى الشركة وسام الاستحقاق تقديرًا لدورها الكبير فى تطوير البنية التحتية لدولته. أما مجموعة شركات «القلعة القابضة» المصرية، فقد صُنفت الأولى إفريقيًا طبقا للتصنيف السنوى لشركات الاستثمار المباشر الرائدة والأكثر نشاطًا حول العالم، وذلك باستثمارات فى إفريقيا تجاوزت ال8.5 مليار دولار، وحافظت الشركة على صدارتها فى إفريقيا ثلاث سنوات متتالية منذ عام 2011، وتملك الشركة سكك حديد «ريفت فالي»، التى تقوم بتشغيل وإدارة شبكات السكك الحديدية فى كل من «كينيا»و«أوغندا»، وكذلك شركة «وفرة» إحدى الشركات ال63 التابعين للمجموعة، ودورها فى مشروعات الإنتاج الزراعى فى كل من السودان، وجنوب السودان، بمساحات تتجاوز 500 ألف فدان من الأراضى الزراعية بالإضافة للعديد والعديد من الشركات والاستثمارات المصرية فى إفريقيا. وأكد الدكتور حلمى شعراوى، مدير مركز الدراسات العربية والإفريقية، أن الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع إفريقيا، والذى أنشئ عام 1980 ليكون الأداة الحكومية لمصر المختصة بتنسيق المساعدات الحكومية المصرية للتنمية، وبرامج التعاون التنموى مع الدول الإفريقية، وبهدف مساعدة الدول الإفريقية. وأوفد الصندوق منذ نشأته ما يزيد على 8.500 خبير للدول الإفريقية فى المجالات المختلفة، كما درب نحو 10 آلاف من الكوادر الإفريقية فى مصر، إلى جانب نشاطه فى تقديم المنح المالية والمساعدات الإنسانية، خاصة فى مواجهة الكوارث الطبيعية، فضلاً عن إيفاده العديد من القوافل الطبية إلى هناك، وخلال كلمة الرئيس «السيسى» فى قمة الاتحاد الإفريقى الماضى، أعلن عن تدشين «الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية فى إفريقيا»، وبدأ عمل الوكالة بدمج «الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع دول الكومنولث والدول الإسلامية والدول المستقلة حديثاً» و«الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع إفريقيا» فى كيان جديد مسمى «الوكالة المصرية للشراكة» من أجل التنمية. أما عسكريًا، فيوضح اللواء أركان حرب محمد عبدالله الشهاوى، المستشار العسكرى لأكاديمية «ناصر» العسكرية العليا، أن مصر تولى اهتمامًا كبيرًا للتعاون العسكرى، فى مجالات التدريب، والتأهيل، والدورات القتالية، من خلال الطلبة الوافدين للدراسة فى الكليات والمعاهد العسكرية، إضافة إلى إعداد القادة لعدد من الدول الإفريقية، ليستثمر هؤلاء القادة ما تعلموه بمصر فى بلادهم، ما يتيح لهم مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وتجارة البشر، وتهريب السلاح، بعد عدد من المعاهدات والتعاون العسكرى، مثل اتفاقية «الساحل والصحراء» بين مصر وعدد من الدول الإفريقية.