أراد القدر أن يختم العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، حياته الفنية بأغنيته الشهيرة "قارئة الفنجان"، من كلمات الشاعر نزار قباني، وألحان محمد الموجي، التي غناها لأول مرة في أبريل 1976، لتأتى كملخص لسنوات حياته القصيرة، التي عاشها نجما لامعًا في سماء الفن، بل من أكثر المطربين شعبية وحبًا من الجمهور في مصر والوطن العربي. تألق الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، في الفترة من عام 1951 حتى وفاته في السبعينيات، بتقديم عدد كبير من الأغنيات التي جمعت بين الأغاني العاطفية والوطنية، وكذلك الأفلام التي تركت بصمة قوية في تاريخ السينما المصرية، ويعتبر العندليب من أكثر فناني مصر تمردًا على المرض، الذي لازمه منذ شبابه، حيث أُصيب بتليف في الكبد، وكان هذا المرض سببًا في وفاته، بعد صراع طويل مع المرض. الفنان عبدالحليم حافظ، ابن قرية "الحلوات" بمحافظة الشرقية، التي مازالت تخلد ذكراه بوجود السرايا الخاصة به وبها عدد من متعلقاته الخاصة، وُلد فى 21 يوليو عام 1929، هو الشقيق الأصغر بين 4 أخوة، هما اسماعيل، عليا، ومحمد، وعانى "حليم" من فقدان والده ووالدته منذ ولادته، وكانت أخته الكبرى "عليا" بمثابة الأم بالنسبة له، طوال حياته وحتى وفاته فى 30 مارس عام 1977. تعاون حليم، مع عدد كبير من شعراء وملحنين جيله، كما قدم عدد من الأغنيات التي قام بتلحينها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، ومنها: أهواك، نبتدي منين الحكاية، وفاتت جنبنا، وكوّن حليم، مع الثنائي محمد الموجي، وكمال الطويل، فريق فني أخرج أهم الأعمال الفنية في تلك الفترة، كما تعاون حليم مع الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، الذي غنّى العندليب من كلماته أجمل أغنياته التي تميزت بالتجدد في هذه الفترة، وأبرزها: أنا كل ما أقول التوبة، عدى النهار، وأحضان الحبايب. قدم حليم، عدد غير قليل من أهم الأغنيات الوطنية التي كانت تعبيرًا عن حبه لمصر، كما خص الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعدد منها، وكان يعتبر نفسه من أبناء ثورة 23 يوليو عام 1952، ومن أبرز أغنياته الوطنية: "العهد الجديد" وهو أول نشيد وطني غناه عبد الحليم حافظ في حياته، وغناها بعد قيام ثورة 23 يوليو، صورة، عدى النهار، أحلف بسماها، وعاش اللي قال. كما تمتع العندليب الأسمر بحب وثناء عدد كبير من فناني وشعراء وملحنين جيله، ومنهم الموسيقار رياض السنباطي، ويقول عن حليم: "خامة صوت الفنان الراحل عبدالحليم حافظ حلوة وجذابة، باستثناء رجفة غريبة في صوته، لا أعرف سرها، وسبب نجاحه أنه لم يقلد أحدًا قبله، عبدالحليم له طابع خاص به وحده". وقالت كوكب الشرق أم كلثوم، عن العندليب: "عبدالحليم حافظ صوته جميل جدًا، وهو قادر على أن يطربك ويشجيك، ولا أعتقد أن عندنا صوتًا في جمال صوته"، وقال الموسيقار محمد عبدالوهاب: "صاحب أذكى عقل، وأحلى صوت رجولي "حنون عاطفي"، لن يعوّض، سيظل النغم الحلو الذي يشدو في أذن الملايين مدى الحياة". كما أثنى عليه أصدقائه فى الكفاح، الموسيقار محمد الموجي قائلا: "أخي الذي لا أستطيع أن أرثيه، أي كلمات لا يمكن أن تغني عن فقداني له، كان شديد الحساسية، وهو شريك عمري وزميل فني"، وقال بليغ حمدي: "عشنا معا أحلى الأيام. الأخ الحبيب في الوفاء والعطاء الجميل، وزميل الكفاح"، وقال كمال الطويل: "من أكثر الأصوات التي نقلت أحاسيسي ومشاعري وخواطري اللحنية والموسيقية إلى ملايين السامعين". دارت الشائعات الكثيرة حول زواج الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، بالفنانة الراحلة سعاد حسني، لكن الأمر ظل فى إطار التكهنات ليس أكثر، وبين إنكار من عائلته، وتأكيد من عائلتها، خرج عزالدين حسنى، شقيق سعاد حسنى، فى الذكرى ال11 لوفاتها، ليؤكد على أنه كان شاهدا على عقد الزواج العرفي بينهما في بداية الستينات، مشيرا إلى اتفاقهما على الاحتفاظ بسرية الأمر حتى لا يؤثر الإعلان بالسلب على حياتهما الفنية. وقع الفنان عبدالحليم حافظ، الذي خطف قلوب الجمهور من جميع الأعمار، وكان بمثابة فتى الأحلام لمعظم فتيات هذا الجيل، أثيرا لمرضه الذي لازمه في حياته، وكانت البداية منذ معرفته بمرضه فى عام 1956، عندما أصيب بأول نزيف في المعدة وكان وقتها مدعواً على الإفطار بشهر رمضان لدى صديقه مصطفى العريف، حتى لفظ العندليب أنفاسه الأخيرة فى مستشفى كينجز كولدج، فى لندن، بعدما هزمه المرض وأسكت صوته العذب إلى الأبد. استطاع "حليم" أن يجمع بين موهبتي الغناء والتمثيل، بتقديم عدد من الأفلام الهامة فى السينما المصرية، وتجسيد مايقرب من 16 شخصية مختلفة خلال تلك الأفلام، ومن أبرز أفلامه: أيام وليالي عام 1955، أيامنا الحلوة فى نفس العام، دليلة عام 1956، الوسادة الخالية عام 1957، البنات والسيف عام 1960، الخطايا عام 1962، معبودة الجماهير عام 1967، أبى فوق الشجرة عام 1969. أصابت وفاة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، جمهوره والوسط الفني بصدمة قوية وحزن شديد، وتسبب خبر وفاته في انتحار بعض الفتيات المولعات بحب حليم، كما شهدت جنازته تجمع بشري مهيب، وصل إلى أكثر من 2.5 مليون شخص قام بتوديع "حليم" إلى مثواه الأخير، عن عمر ناهز ال 47 عام، عانى خلالهم من اليُتم والمرض، ولكن عوضه الله عز وجل بحب كبير من الجمهور الذى مازال يتذكره بأعماله الخالدة حتى هذا الوقت.