بعد أن تضاربت المواقف الإيرانية والسعودية حول زيادة إنتاج النفط وخفض الأسعار، تشتدّ المنافسة بين إيران والمملكة لنيل حصّة الأسد من الأسواق الآسيوية التي تُعتبر اليوم من الأكثر استهلاكاً للطاقة. في حين ما زالت الاقتصاديات الغربية تعاني من نمو بطيء بنسبة 2.1% بعد أزمة العام 2008، تتطلّع الاقتصاديات الآسيوية باستثناء اليابان إلى تحقيق نمو بنسبة 8% في 2011 و2012، بحسب تقرير مصرف التنمية الآسيوي.
تنعكس هذه الحركة الاقتصادية عبر زيادة الطلب على النفط، في ظلّ الكلفة المرتفعة والأخطار المرتبطة ببعض مصادر الطاقة النظيفة، كما أظهرته كارثة فوكوشيما في اليابان.
فقد توقّعت وكالة الطاقة الدولية في تقرير صدر في يونيو 2011، نمو الطلب العالمي على النفط بنسبة 1.3% سنوياً على مدى السنوات الخمس القادمة، في ظلّ نمو الاقتصاد الصيني الذي سيساهم بنسبة 41% من ارتفاع الطلب، مع بروز ثلاث شركات صينية عملاقة في قطاع النفط هي سي إن بي سي، سينوبك، وسي إن أو أو سي التي صرفت عام 2009، 18.2 مليار دولار على عمليات الدمج والاستحواذ في الخارج، أي 13% من كامل عمليات الاستحواذ والدمج في العالم، بحسب تقرير آخر للوكالة في فبراير 2011.
ويعلّق الدكتور جاستين دارجين، زميل مبادرة دبي، والحائز على منحة فولبرايت للشرق الأوسط، في حديثه الحصري مع إيمي إنفو قائلاً: "إن سوق الصين سوقاً جاذبة للغاية لمصدّري النفط، فهي من أكثر الاقتصاديات العالمية نمواً، ومن أكثرها استهلاكاً للنفط سواء لتوليد الكهرباء، أو كوقود للسيارات، مع العلم أن معدل الصينيين الذين يملكون سيارة اليوم يكاد يفوق المعدل في الولاياتالمتحدةالأمريكية".
وبعد كارثة فوكوشيما التي قد تؤدي إلى تخلّي اليابان عن مشاريع توليد الطاقة النووية وفقاً لتصاريح رئيس مجلس الوزراء الياباني ناوتو كان، توقّعت شركة مورغان ستانلي أن ثاني أكبر مستهلك للنفط في آسيا وثالث أكبر مستهلك عالمياً، قد يحتاج إلى 350000 برميل إضافي من النفط يومياً.
أما الهند، التي تشكّل ثالث أكبر مستهلكي النفط في آسيا، فقد توقّعت وكالة الطاقة الدولية في يوليو 2011، ارتفاع الطلب على الوقود فيها بنسبة 3.8% بحلول 2012.
بالنظر إلى تباطؤ نمو الاقتصاديات الغربية، لاسيما الاقتصاد الأمريكي الذي شكّل تقليدياً أكبر مستهلك للنفط قبل أزمة العام 2008، تحوّل اهتمام مصدري النفط ضمن منظمة أوبك إلى الأسواق الآسيوية، كما أكّده أحد المندوبين الخليجيين ضمن المنظمة، قائلاً أن دول الخليج تصدّر نحو 80% من نفطها إلى آسيا حيث لا يعرف الطلب على النفط أي هوادة.
في ظلّ هذه المعطيات، يحتدم السباق بين الدول الأعضاء في المنظمة، وبخاصة بين إيران والبلدان الخليجية المصدّرة للنفط، وعلى رأسها السعودية لنيل حصّة من الأسواق الآسيوية.
فقد صدّرت السعودية مليون برميل يومياً إلى الصين في 2009، لتغطي 20% من واردات الصين النفطية التي فاقت واردات الولاياتالأمريكيةالمتحدة.
وقد بلغت صادرات النفط السعودية إلى شرقي آسيا في يوليو 2011 أعلى مستوياتها منذ أبريل 2008، وصولاً إلى 485000 طن، وذلك ارتفاعاً من 250000 طن في يونيو 2011، بعد أن قرّرت المملكة منفردة رفع إنتاجها للنفط، إثر فشل منظمة الأوبك في التوصّل إلى اتفاق في هذا الشأن لحلّ أزمة ارتفاع الأسعار. وقد عرضت المملكة مؤخراً مزيداً من النفط على محطات التكرير الآسيوية.
أما إيران، فتتجه 56% من صادراتها النفطية إلى آسيا بحسب تقرير للإدارة الأمريكية، وقد فاقت صادرات وقودها إلى آسيا الشرقية مليون طن في يونيو 2011.
الهند تشهد منافسة محمومة بين إيران والبلدان الخليجية المصدّرة للنفط
وتشتدّ المبارزة اليوم بين إيران والسعودية حول مسألة تصدير النفط إلى الهند. إذ إن الهند تشكّل ثاني أكبر مستوردي النفط الإيراني، إلى جانب الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية.
وكانت الهند قد عجزت عن تسديد مستحقاتها إلى إيران التي بلغت 2 إلى 6 مليارات دولار على مدا ستة أشهر، مع رفض إيران استلام المبالغ المستحقة بالروبي الهندي لعدم جدواها فإيران لا تشتري الكثير من السلع الهندية، وعدم إمكانية تحويل الأموال بالعملات الأجنبية، بفعل العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي.
وبعد أن حذّرت شركة النفط الوطنية الإيرانية من تعليق صادراتها النفطية إلى الهند ابتداءً من أول أغسطس القادم، أبدت شركة أرامكو السعودية استعدادها لتغطية جزء من النفط الإيراني، وتقديم 2.6 مليون برميل من النفط، أي 3% من واردات الهند النفطية. وباعت بالفعل 600000 برميل إضافي من النفط إلى شركة مانغالور الهندية للتكرير والبتروكيماويات لشهر يوليو 2011. ويعلّق الدكتور جاستين دارجين قائلاً: "لا شك أن إيران ستتضرّر في حالة خسرت السوق الهندية"، مع العلم أن 80 إلى 90% من عائدات إيران على صعيد الصادرات يأتي من النفط.
ويحلّل خلفية النزاع النفطي بين إيران والسعودية قائلاً لإيمي إنفو: "لقد حاولت المملكة اختراق السوق الآسيوية منذ العام 2000. وهي تعتمد اليوم استراتيجية نفطية أكثر شمولية، على حساب سائر اللاعبين الإقليميين مثل إيران. ويأتي هذا النزاع النفطي في حين تشتدّ التشنّجات في المنطقة. فالسعودية من ناحية تعارض برنامج إيران النووي، ومن ناحية أخرى تدور الشبوهات حول إيران في ما يحصل من اضطرابات شعبية في البحرين، الكويت، وحتى في محافظة القطيف شرقي المملكة. وبالتالي، إن السعودية لن تفوّت الفرصة لتقابل إيران بالمثل وتضعّف موقفها في القطاع النفطي".
ويتابع قائلاً: "إن السعودية تعزّز اليوم مكانتها كمزوّد موثوق للأسواق النفطية، على عكس إيران التي تشتدّ عليها العقوبات الاقتصادية من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية، ما يجعل تسديد كلفة النفط الإيراني عملية معقّدة".
ويؤكد وجهة نظره الخبير روبن ميلز، إذ يقول لإيمي إنفو: "إن الهدف من العقوبات على إيران هو ليس إيقاف صادراتها النفطية كلياً، ما قد يؤدي إلى ارتفاع صاروخي للأسعار، إنما الغاية منها تعقيد عملية تسويق النفط الإيراني، وردع سائر البلدان من التعامل معها. وإن ميزان القوى يميل لدرجة كبيرة إلى السعودية بفضل انخفاض كلفة إنتاجها للنفط، وتفوّق كمية صادراتها واحتياطياتها النفطية".
لكن إلى جانب إيران والسعودية، تدخل بلدان أخرى في المعادلة، مثل الإمارات، بعد عرض أدنوك تغطية جزء من الصادرات الإيرانية النفطية إلى الهند، إنما يقول الخبير روبن ميلز: "إن الإمارات تبدو أكثر تركيزاً على أسواق اليابان، كوريا وبالطبع الصين". كذلك، قد يلعب العراق دوراً مهماً، إذ يقول الدكتور جاستين دارجين: "قد تلتجئ إلى العراق لتغطية جزء من النفط الإيراني".