شيوخ "السبوبة والنظام والفضائيات".. ألقاب اعتاد أن يُلقب بها المصريون مشايخ هذه الأيام، كما أصبح كثيراً ما يُثار الجدل حول هؤلاء الشيوخ وخاصة من يقدم البرامج التليفزيونية منهم. واختلف هؤلاء الشيوخ كثيراً عن رموز كانو قد سبقوهم، تميزوا بعدم المتاجرة بالدين، وكان من أبرزهم الشيخ "عبدالحميد كشك"، الذي تمر اليوم ذكرى رحيله ال 19، ذلك الشيخ الذي واجه الرؤساء بآرائه السياسية منتقداً سياساتهم من خلال منبره بالمساجد. وفي ذكرى رحيله ال" 19" رصدت "الفجر" أهم محطات الشيخ "عبد الحميد كشك" من مولده وحتى وفاته. الطفل النابغة وُلد عبد الحميد بن عبد العزيز كشك، بشبراخيت في محافظة البحيرة في ال 10 من مارس عام 1933، وحفظ القرآن وهو أقل من العاشرة من عُمره، مما جعل الكثيرون من أبناء قريته يطلقون عليه الطفل النابغة.
الطالب المتميز التحق "كشك" بالمعهد الديني في الإسكندرية، وعند حصوله على الشهادة الثانوية الأزهرية كان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة. الخطيب الأشهر والأول عُين عبد الحميد كشك معيداً بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر في القاهرة عام 1957، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها ابتعد عن مهنة التدريس في الجامعة. وبعد تخرجه من كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بإمتياز، ومثل الأزهرالشريف في عيد العلم عام 1961، ثم عمل إماماً وخطيباً بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضاً، وفي عام 1962 تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بمنطقة حدائق القبة في القاهرة وقد ظل يخطب في ذلك المسجد قرابة العشرين عاماً، وكان من أشهر خطباء عصره حيث خطب في الناس لمدة أربعين عاماً. نبوغ الشيخ السياسي "أعمل مساعد طيار".. تلك الجملة التي خرجت من فم الشيخ " كشك" الضرير كنوع من أنواع السخرية حين كان يحقق معه أحد ضباط أمن الدولة، فبالرغم من شهرته كأشهر خطيب يؤثر في الناس بعصره إلا أنه كان أيضاً أشهر شيخ سياسي له آرائه التي جعلته عدواً لرؤساء مصر الثلاثة "عبد الناصر والسادات ومبارك" ولعدد كبير من المشاهير مثل عبد الحليم وأم كلثوم. وكان الشيخ "كشك" يستخدم النكته والأفيه كسلاح لإطلاق العنان لرأيه السياسي في مهاجمة رأس الدولة وسخريته من المشاهير. واعتقل الشيخ "كشك" بسبب آرائه السياسية عام 1965 وظل بالمعتقل والتعذيب لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربي. ومنذ عام 1976 بدأ الاصطدام بالسلطة وخاصة بعد معاهدة كامب ديفيد حيث اتهم الحكومة بالخيانة للإسلام وأخذ يستعرض صوراً للفساد في مصر من الناحية الإجتماعية والفنية والحياة العامة، حتى ألقي القبض عليه في عام 1981 مع عدد من المُعارضين السياسيين ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة للرئيس محمد أنور السادات، وأُفرج عنه عام 1982ولم يعد إلى مسجده الذي مُنع منه كما مُنع من الخطابة أو إلقاء الدروس. وقد لقي كشك خلال هذه الاعتقالات عذاباً رهيباً ترك آثاره على كل جسده رغم إعاقته لفقدانه بصره من صغره. ولم يرحمه نظام مبارك أيضاً من ملاحقته فكان بين الحين والآخر يتم استدعائه واستجوابه بسبب مهاجمته للرئيس من خلال استعراض صور الفساد في مصر. الشيخ الفقير صاحب الكرامة مؤخراً اعتاد المصريون على شيوخ السبوبة بالقنوات الفضاية التي اتخذوها منبراً لهم، للمتاجرة بالدين، فبالرغم من الظروف المادية والضغوط التي مورست على الشيخ كشك من قِبل الجهات الأمنية بسبب آرائه السياسية، وبعد العروض التي انهالت عليه من قِبل بعض الدول الإقامة بها كبديل عن الإقامة بمصر، إلا أنه رفض ذلك وأصر على أن يعيش بمصر، قائلاً:"الخروج من مصر وترك الدعوة فيها يشبه التولي يوم الزحف"، ليظل فقيراً يخاطب البسطاء بأقل الأموال بدلاً من المتاجرة بالدين. كما رفض الشيخ كشك عرض وزير الأوقاف بالعودة إلى المنبر بشروط كان أغلبها يتعلق بالبُعد عن السياسة، والتركيز في خطب الإسراء والمعراج الوضوء، فرفضها الشيخ قائلا: "لا أصعد منبر رسول الله إلا بما يرضي الله، وما اشترطه رسول الله". نهاية مسيرة "فارس المنابر" يقال أنه رأى الرسول في منامه يُغسّله هو وعمر بن الخطاب ثم دخل ليتوضأ للصلاة قبل صلاة الجمعة كعادته وصلى ركعته الثانية وفي سجدته الثانية لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي الله عز وجل، لتكون هذه هي اللحظات الأخيرة في حياة "فارس المنابر" الشيخ "عبد الحميد كشك" في مثل هذا اليوم السادس من ديسمبر 1996.