يواصل الرئيس عبد الفتاح السيسى، إستراتيجيته فى بناء سياسة خارجية لمصر، تتسم بالتوازن والتنوع، وتعتمد على البعد الاقتصادي وانعكاساته السياسية والاجتماعية والثقافية، وفى هذا الإطار يشارك السيسى حاليا فى مؤتمر قمة" الهند- أفريقيا"، المنعقدة فى العاصمة الهندية نيودلهى، والتي يشارك فيها أكثر من 45 رئيس دولة، بالإضافة إلى رؤساء الحكومات والوفود من 54 دولة. وألقى السيسى اليوم الخميس، كلمة مصر أمام القمة، حيث أكد الخبراء أنها حملت العديد من الرسائل، وتطرقت لمعظم الملفات الهامة، المطروحة على طاولة المفاوضات بين القاهرة ونيودلهى من ناحية، وبين القارة السمراء والدولة الهندية من ناحية أخرى، وفى ضوء العلاقات التاريخية بين مصر والهند، تتطلع الدولتين حاليا لاستكمال مسيرة تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي، خاصة بعد حصول مصر على المقعد غير الدائم بمجلس الأمن، ممثلة عن أفريقيا. وقال الدكتور حلمى شعراوى خبير العلاقات الدولية، و رئيس معهد الدراسات الإفريقية والعربية، إنه كان من الأهمية أن يشير الرئيس خلال الكلمة إلى عمق العلاقات التاريخية بين مصر والهند، لافتا إلى أن تلك العلاقات بدأت منذ عهد الزعيمين الراحلين جمال عبد الناصر وجواهر لآل نهرو، ودورهما البارز في تأسيس حركة عدم الانحياز في منتصف خمسينات القرن الماضي. وأضاف " شعرواى" أن السيسى استند فى خطابه على تلك الخلفية التاريخية، و انطلق منها كقاعدة راسخة، إلى تطلعاته نحو تعزيز العلاقات لاسيما السياسية والثقافية والحضارية، وليس فقط الاقتصادية، مشيرا إلى أن تبادل الثقافات والحضارات والاستفادة من التجربة الهندية الرائدة فى مجالات مثل الفن والسينما تسهم بشكل مباشر فى تعزيز قوة مصر الناعمة، التى تعيد لها مكانتها الإفريقية والإقليمية والدولية. وتابع : أن قوة مصر الناعمة التى حققت لها مكانتها الأفريقية والإقليمية، اعتمدت فى المقام الأول على الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية، موضحا أن الرئيس لهذا السبب حرص على الحديث عن سماحة الإسلام والمسيحية، وأهمية الفهم الصحيح للأديان، فى مواجهة التطرف والإرهاب والفكر المتشدد. و من جانبه قال الدكتور مصطفى علوى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وخبير العلاقات الدولية، إن الرئيس السيسى يهتم حاليا بعد حصول مصر على مقعد مجلس الأمن غير الدائم، بالاستفادة من هذا المقعد لتحقيق هدف أساسي، هو تمكين الدول النامية من نيل مكانتها المستحقة، فيما يتعلق بآليات اتخاذ القرارات الدولية ومن بينها قرارات مجلس الأمن، والأمم المتحدة. وتابع"علوى" أن الرئيس وقادة وزعماء العالم يدركون جيدا أن حصول الدول الفقيرة والنامية على حقوقها، هو الأساس الذى لا غنى عنه لتحقيق ديمقراطية العلاقات الدولية، فى ظل هيمنة قوى بعينها على سلطة و آليات اتخاذ القرار الدولي.
وفى سياق متصل قال الدكتور بشير عبد الفتاح خبير العلاقات الدولية والشرق أوسطية بالأهرام، إن التحديات التى تحدث عنها السيسى فى كلمته، و التي يواجهها العالم أجمع والدول النامية بشكل خاص تجعل من الشراكة والتعاون، خيارا لابديل له، موضحا أن الشراكة الهندية – الإفريقية تستند إلى تاريخ مشترك فيما يتعلق بالكفاح من أجل التحرر الوطنى، من هيمنة القوى الاستعمارية. وتابع"عبد الفتاح" إن كلمات السيسى تحمل رسائل تتعلق بأن تلك القوى مازالت قائمة، ولديها أطماع ومحاولات للحد من فرص تقدم دول الشرق والجنوب، مشيرا إلى أنه لهذا السبب يحرص السيسى على تنويع العلاقات الخارجية لمصر، بأن تتحرر من هيمنة المعسكر الغربى، وتتجه نحو الشرق والجنوب، فى إطار من التوازن والندية. وشدد الخبير السياسى على أن الهند وباقى الدول الشرقية هى الأقدر على مساعدة مصر ودول أفريقيا فى ملفات أوردها خطاب الرئيس فى مقدمتها مكافحة الفقر وتحسين الرعاية الصحية وتطوير التعليم، لافتا إلى أن تلك الدول نهضت وتقدمت اقتصاديا من خلال الاهتمام بهذه الملفات، وللهند تحديدا تجارب ناجحة، خاصة فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية وتطوير منظومة التعليم والبحث العلمي.
وعلى الصعيد الاقتصادي قال الدكتور صلاح جودة رئيس المركز الدولي للدراسات الاقتصادية، إن التعاون مع الهند لا يقتصر على تنفيذ مشروعات البنية الأساسية القابلة للتنفيذ، التى أشار إليها الرئيس فى خطابه فقط، ولكن فكرة تحقيق و تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمى، التى تحدث عنها السيسى فى كلمته هى الهدف الرئيسى الذى تصبو إليه مصر، والذى تحدث عنه السيسى نفسه منذ أن كان مرشحا رئاسيا. وتوقع "جودة" خلال العقد القادم أن تكون الهند ستكون الاقتصاد الثالث على مستوى العالم، موضحا أن العالم كله يحاول الاقتراب من أفريقيا لما بها من كنوز وثروات، ومن هنا تتضح أهمية تلاقى القارة السمراء مع الدولة الهندية فى قمة واحدة. وتابع الخبير الاقتصادي الدولي، أنه من المؤكد أيضا أن الصين تقوم بضخ استثمارات كثيرة حاليا فى القارة الأفريقية، بينما الهند مازالت تحاول الدخول إليها، وتسعى لهذا الدخول من خلال مصر بوصفها البوابة الشمالية لأفريقيا المطلة على البحر المتوسط، والتى لديها أكبر ممر ملاحى عالمى هو قناة السويس، بفرعيها القديم والجديد، ودائما ما نؤكد ونكرر أن العالم يجمع على أهمية موقع مصر بوصفها "وجه أفريقيا و ظهر أوروبا". وشدد على أن مصر بالفعل استعادت مكانتها الأفريقية بعد إنهاء تجميد عضويتها فى الاتحاد الأفريقي؛ بسبب الموقف السياسى الذي اتخذته بعض الدول الأفريقية من ثوره 30 يونيو 2015 ، كما أنها هى التى تمثل شمال أفريقيا فى مجلس الأمن، بعد فوزها بالمقعد الغير دائم.