جسدت الزيارة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى الى اندونيسيا – والتى تعد الأولى لرئيس مصرى منذ عام 1983 – حرص مصر على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان – والاستفادة من التقدم الاقتصادي الذى حققته النمور الأسيوية وخاصة اندونيسيا التى تعافت من تداعيات الانهيار الاقتصادي الذى ضرب دول جنوب شرق أسيا عام 1998. وأكدت المباحثات التى أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسى مع الرئيس الاندونيسي جوكو ويدودو تصميم الجانبين على تنسيق وتدعيم الجهود المشتركة لدعم التجارة والاستثمارات وتصحيح الصورة الخاطئة عن الدين الاسلامى ومكافحة الإرهاب والتطرف. واتسمت المواقف الاندونيسية تجاه مصر عقب ثورة 30 يونيو بالايجابية حيث أكدت الحكومة الاندونيسية احترامها لخيارات الشعب المصرى ، وهو ما دفع الرئيس السيسى الى أبداء تقديره لمواقف اندونيسيا الداعمة لخيارات الشعب المصرى وارداته الحرة، مشيراً إلى تجربة إندونيسيا في التحول الديمقراطي وإمكانية الاستفادة من خبرتها في هذا الصدد. كما أعرب عن تقدير مصر لموقف إندونيسيا المؤيد لحصول مصر على عضوية مجلس الأمن الدولى لعامىّ 2016/2017. وفى السياق ذاته دفعت التحديات التى تواجه العالمين النامى والإسلامي، وفي مقدمتها ظاهرة التطرف والإرهاب، مصر واندونيسيا الى تعزيز التقارب لمواجهة تلك الظاهرة فى ضوء معاناة البلدين من الإرهاب، حيث نفذت الجماعات المتطرفة ومن بينها المحظورة عمليات إرهابية فى العديد من المدن المصرية عقب ثورة 30 يونيو بينما تعرضت اندونيسيا لهجمات إرهابية خلال السنوات الماضية فى مقدمتها تفجيرات بالى الاولى عام 2002 التى أودت بحياة 202 شخص من بينهم 88 سائحا استراليا وتفجيرات بالى الثانية عام 2005 والتى أودت بحياة 23 شخصا وتفجيرات فندقي الريتس كارلتون والماريوت عام 2009 وغيرها . وحرص الرئيس السيسى على التأكيد على أهمية أن تتم مكافحة الإرهاب من خلال استراتيجية شاملة لا تقتصر فقط على المواجهات العسكرية والأبعاد الأمنية ولكن تمتد لتشمل كافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية ، لافتا الى أن مصر تؤيد الحلول السياسية لهذه الأزمات بما يساهم في الحفاظ على كيانات ومؤسسات هذه الدول ومقدرات شعوبها. وفى ذلك الصدد شدد الرئيس السيسى على ضرورة الارتقاء بمستوى التعاون بين مصر كدولة رائدة في محيطها الإقليمي، وبين إندونيسيا بثقلها في العالم الإسلامي لمواجهة تحديات التطرف والارهاب ، مؤكداً حرص مصر على استمرار دور الأزهر الشريف فى إندونيسيا كمنارة لنشر القيم السمحة للإسلام الحنيف بوسطيته واعتداله. من جانبه، أعرب الرئيس الاندونيسي عن اتفاقه في الرؤى مع الرئيس السيسى حول أهمية إيضاح الروح الحقيقية السمحة للدين الإسلامي وتفعيل قيمه السامية لتساهم في مكافحة الإرهاب والتطرف . وعلى الصعيد الاقليمي، أظهرت المباحثات التى أجراها الرئيس السيسى ونظيره الاندونيسى جوكو ويدودو توافق الآراء بين الجانبين تجاه تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وما تعانيه عدة دول فيها من ويلات الإرهاب والتطرف . وفى ذلك الصدد أكد الرئيس السيسى على أن القضية الفلسطينية ستظل محتفظة بمكانتها المتقدمة على قائمة أولويات السياسة الخارجية المصرية، منوهاً إلى أنه يتيعن تحقيق السلام العادل والشامل وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يوينو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. ومن جانبه شدد الرئيس الإندونيسي على أن بلاده تؤيد إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، مؤكدا على أهمية قيام الدول الإسلامية بالتباحث في المشكلات والأزمات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط لايجاد حلول لها وتدارك آثارها الإنسانية السلبية على شعوب دول المنطقة، ومن بينها تزايد أعداد اللاجئين والهجرة غير الشرعية وما يترتب عليها من تداعيات مأساوية. وقد رحب الرئيس السيسى بتلك الفكرة منوهاً إلى أهمية بلورتها وإعدادهاً جيداً لتحقق أهدافها المرجوة. ومن ناحية اخرى أكدت زيارة الرئيس السيسى الى جاكرتا على ان التعاون المصرى الاندونيسى سوف يسهم فى تعزيز العمل الاسلامى المشترك لان الدولتين تلعبان دورا اقليميا بارزا، فمصر لديها ثقل سياسى فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بينما تلعب اندونيسيا دورا محوريا فى منطقة جنوب شرق اسيا. وتحرص البلدان ايضا على تبادل الآراء والتنسيق المشترك بشان القضايا الثنائية والاقليمية والدولية من خلال عدد من الآليات من بينها الاممالمتحدة ومنظمتى المؤتمر الاسلامى وعدم الانحياز ومجموعة الدول النامية الثمانية للتعاون الاقتصادى ومجموعة ال 77 و مجموعة ال 15. وتعد مصر أول دولة فى العالم تعترف باستقلال اندونيسيا فى السابع عشر من أغسطس عام 1945 / وقعت مصر واندونيسيا اتفاقية صداقة لإنشاء العلاقات الدبلوماسية فى العاشر من يونيو عام 1947/. ومن ناحية أخرى سيسهم التعاون والتنسيق المصرى الاندونيسى فى تعزيز دور الدولتين فى مجال الحوار بين الاديان والثقافات حيث لعبت مصر – من خلال الازهر- دورا رائدا فى مجال تعزيز التفاهم بين الاديان والحضارات ومواجهة الحملات التى تستهدف النيل من الاسلام ونشر قيم التسامح والوسطية فى العالم . وتعد اندونيسيا – بوصفها اكبر دولة اسلامية من حيث عدد السكان - نموذجا للتعايش بين الاسلام والديمقراطية. وفى السياق ذاته تقدر اندونيسيا حكومة وشعبا –الدور الذى يلعبه الأزهر بوصفه أقدم جامعة إسلامية فى العالم لنشر رسالة الاسلام المعتدل ومواجهة ظاهرة الخوف من الإسلام / اسلاموفوبيا / التى اجتاحت مناطق عديدة من العالم والتطرف. وتقدم مصر سنويا 120 منحة للطلبة الاندونيسيين للدراسة بالأزهر من بينها 90 منحة للدراسة بجامعة الأزهر كما يوجد حوالى 47 مبعوثا تابعين للأزهر يتولون تدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية فى كافة الأقاليم الاندونيسية ، ويبلغ اجمالى عدد الطلبة الاندونيسيين الذين يدرسون بمصر يبلغ 6000 طالب . ويشغل عدد كبير من خريجى الازهر مواقع قيادة بارزة سواء فى الحكومة أو الاحزاب السياسية أو كافة المؤسسات الاندونيسية الاخرى علاوة على انهم يحظون بتقدير بالغ من جانب الرأى العام الاندونيسى . وعلى الصعيد الاقتصادى حرص الرئيس السيسى على توجيه الشكر للرئيس الاندونيسي على إيفاده مبعوثاً شخصياً للمشاركة في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة فى السادس من أغسطس الماضى ، مستعرضاً الفرص الاستثمارية الواعدة التي سيتيحها مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، والمشروعات الوطنية الأخرى الجارى تنفيذها فى مصر. وفي ذات السياق، أشار الرئيس إلى الإجراءات والتشريعات التي تتخذها وتصدرها مصر من أجل تهيئة مناخٍ جاذبٍ للاستثمار، منوهاً إلى الفرص التصديرية المتاحة أمام المنتجات التي يتم تصنيعها في مصر في أسواق الدول المجاورة لاسيما في المنطقة العربية والقارة الإفريقية. وشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر واندونيسيا نموا ملحوظا خلال الاعوام القليلة الماضية حيث يصل حجم التبادل التجارى بين البلدين حاليا الى حوالى 5ر1 مليار دولار . وتأمل البلدان فى تطوير ذلك التعاون وزيادة الصادرات المصرية الى السوق الاندونيسية لاصلاح الخلل فى الميزان الذى يميل لصالح اندونيسيا . وتعد اندونيسيا بوابة مواتية للصادرات المصرية الى أسواق دول جنوب شرق أسيا بينما تعتبر مصر بوابة للصادرات الاندونيسية الى اسواق الشرق الاوسط وافريقيا والاتحاد الاوروبى. وفى السياق ذاته اتجه العديد من الشركات الاندونيسية من بينها أندوراما واندوبهارات واندومى ومجموعة كادونج الى اقامة مشروعات استثمارية فى مصر فى مجالات البتروكيماويات والنسيج والصناعات الغذائية والزجاج. وعلى صعيد التعاون الاقتصادى الاقليمى حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على اجراء مباحثات مع سكرتير عام رابطة جنوب شرق أسيا / أسيان / لى لونج مينه خلال زيارته الى جاكرتا لبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادى التجارى مع الدول الاعضاء بالرابطة وهى اندونيسيا / التى تستضيف سكرتارية أسيان / وماليزيا وسنغافورة وتايلاند وبروناى والفلبين وكمبوديا وميانمار وفيتنام ولاوس. واستوعبت دول رابطة أسيان – التى تأسست فى أغسطس عام 1967 – التجربة الاليمة الناجمة عن الازمة المالية الاسيوية عام 1998 حيث سعت تلك الدول الى تعزيز النمو الاقتصادي المرتكز على معدلات الطلب القوى بدرجة أكبر من الصادرات لتفادى التأثيرات السلبية الناجمة عن الأزمات المالية الدولية وإقامة منطقة حرة للتجارة مع الصين / ثانى اكبر اقتصاد فى العالم / والتى تعد الاكبر على المستوى العالمى لانها تضم حوالى 9ر1 مليار مستهلك وقوى اقتصادية كبرى مثل اندونيسياوالصين وماليزيا وغيرها .