مشوار طويل وصعب قطعه "عم ريان" منذ أكثر من 90 عامًا من صعيد مصر، إلى عاصمتها، وهو لا يحمل شىء سوى الجسد المنهك والملامح المرهقة، والأمل فى البحث عن لقمة العيش، فلم يجد أمامه سوى أن يصبح ماسح أحذية. صندوق خشبى، مجموعة من الزجاجات، أقمشة متهالكة، هذه الأدوات هى كل ما يملكها "عم ريان" فى هذه الدنيا، فهو يقتنص بعض الوقت للراحة لتناول القليل من الطعام التى يسد بها جوعه، وتمكنه من مواصله المشوار، لا يمل ذلك "الرجل العجوز" لانحناءه المتواصل لأحذية زبائنه، فهو يشعر بسعادة بالغة حين يغير من هيئتها.
ربما لو اتيح للأحذية أن تتحدث قد يكون أول حديثها عن الفضل الذى تدين به لذلك "العجوز" أو لمن يمتهن هذه المهنة.
أنه "عم ريان" أقدم ماسح أحذية بمنطقة وسط البلد من مواليد 1924، والبالغ من العمر 91 عاماً، ولد فى اسيوط ثم جاء الى القاهرة فى ريعان شبابه، شارك فى حرب فلسطين عام 1948 ثم خرج من الجيش عام 1950.
يقيم عم «ريان» فى حي البساتين هو وزوجته، لديه من الأبناء أربعة، أكبرهم "مجدى" ويبلغ من العمر 60 عامًا ويعمل قهوجى، وثانيهما عزت ويبلغ من العمر حوالى40 عاماً ويعمل قهوجى أيضاً، وثالتهم طلعت، وأصغرهم نجوى.
يحكى "عم ريان" عن مشواره الطويل قائلاً، "جيت من أسيوط وأنا لسة فى عز شبابى وكنت لسة متجوز، وأول رحلتي اشتغلت فكهانى، وكنت بشيل أقفاص الفاكهة على كتافي وبلف بيها طول النهار، وبعدين اشتغلت فى المعمار وسافرت السعودية تبع شركة المباني اللى كنت بشتغل فيها".
واستقر ذلك "العجوز" فى السعودية لمدة لم تتجاوز العام ونصف العام، أدى من خلالها فريضة الحج، ليعود مرة اخرى الى القاهرة، ثم بدأ البحث عن عمل من جديد، ليجلب من خلاله المال لينفق على أسرته المكونة من زوجته وأربعة أبناء، إلى أن استقر كماسح للأحذية.
ولا يزال "عم ريان" ومن مثله فى انتظار من يمسح التعب من ملامحهم، ومن يمنحهم ولو قليلاً من الأمان فى غدهم القادم.