جرت سنة الله في الحياة الدنيا أن تبنى على الابتلاء، فالإنسان يبتلى في دينه، ماله، ويبتلى في أهله، وكل هذه الابتلاءات ما هي إلا امتحانات يمتحن الله بها عباده ليميز الخبيث من الطيب، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. فإذا ابتلي المسلم في بدنه أو أهله أو ماله، وجب عليه أن يسير وفق المنهج الإسلامي الصحيح لمواجهة مثل هذه الحالة، على النحو التالي: 1) اليقين والرضا : على المسلم أن يعتقد اعتقادًا جازمًا بأن هناك حياة أخرى هي خير من هذه الحياة، قال -تعالى-: "وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى"، ويعني هذا أن تلك المحنة مهما طالت فهي إلى زوال، لأن الدنيا نفسها زائلة، وهي لا تعدو أن تكون دار امتحان وابتلاء. 2) الصبر والاحتساب : تتمثل الخطوة الثانية في الصبر على الابتلاء أو الحالات الناجمة عنه من الملل والقلق والاضطراب والوساوس، ففي الصبر الجميل والاحتساب تأسيًا برسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، الذي أمره ربه بالصبر على الأذى أسوة بأولي العزم من الرّسل، قال -تعالى-:"فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ". فهذا الصبر يجعله في معية اللّه -تعالى-، مصداقًا لقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"، كما يجعله من أهل محبته،"وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ". 3) محاسبة النفس : على المسلم إذا ابتلي بالضراء أن يتأمل حياته الحالية والماضية وينظر أيضًا في نواياه المستقبلية، وأن يعلم أن ما أصابه من حسنة فمن اللّه وما أصابه من سيئة فمن نفسه، قال تعالى: "ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ". فإن وجد ذنوبًا -وما أكثرها- فليبادر إلى محاسبة نفسه، وأن يتلمس عيوبه، والفاجر لا يحاسب نفسه، أما المؤمن فذو نفس لوامة، تلوم على الشر ويترتب على ذلك اللجوء الفوري إلى التوبة النصوح، والتطهر من الذنوب، والإكثار من الاستغفار. 4) الاستقامة والتقوى : الاستقامة أقوى سبب للرقي الإيماني، وما انتشرت في قوم إلا صلح حالهم وزاد إقبالهم على الخير، والمستقيمون هم الذين وعدهم اللّه -عز وجل- بإذهاب الحزن وإبعاد الخوف عنهم في الدنيا والآخرة؛ قال -تعالى-: "إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ". أما التقوى فهي من مفاتيح السعادة لأنها تجعل المؤمن في معية اللّه -تعالى- وتجلب رحمته ورزقه، كما أنها مفتاح للخروج من الأزمات ومجلبة للرزق. 5) الدعاء والتضرع والتوكل على اللّه : التوجه بالدعاء إلى اللّه عز وجل والتضرع إليه والاستغاثة به أن يكشف ما به من سوء، وأن يرزقه العافية، كما حدث من نبي اللّه أيوب -عليه السلام- ويستحب أن يتوسل إلى اللّه -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وبعد الدعاء، تأتي الاستعانة باللّه -تعالى- والتوكل عليه، وبعد التوكل فلا بد من الأخذ بالأسباب التي تساعده في الخروج من أزمة الابتلاء. 6) الاستعداد النفسي لما بعد الابتلاء : إذا لم يجد المبتلى ذنبا في الحال -وهذا نادر- فليعلم أن هذا الابتلاء تمحيص له، وتدريب على تحمل المشاق التي تؤدي في النهاية إلى ابتلاء من نوع آخر هو الابتلاء بالسراء أو التمكين في الأرض، وذلك هو حال أولي العزم من الرسل ومن اتبعهم من صالحي المؤمنين. 7) السكينة والطمأنينة : إذا تاب المسلم واستغفر ربه، وأقلع عن معصيته، ودعا اللّه بصالح أعماله، وتوكل على اللّه، وأخذ بالأسباب ولم ينكشف ما به، فعليه أن يعلم ويتيقن أن ذلك لحكمة اقتضاها المولى -عز وجل- لا يعرفها الآن، وكفاه في ذلك أن يعد في معية اللّه -تعالى- وأنه من أهل محبته. ومن أظهر الأدلة على ذلك قصة الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام بأمر من ربه -عز وجل- كي يقي والديه من الطغيان والكفر ولا شك أن الابتلاء بفقد الولد أخف كثيرًا من الابتلاء بالكفر والطغيان. ومن هنا تتجلى حكم التوكل والاحتساب والاستخارة في أمور العبد، فإن العبد قاصر عن إدراك ما ينفعه في دينه ودنياه ولذلك شرعت الاستخارة وتفويض الأمر إلى اللّه.