بعدما عدت من المقابر وتلقي العزاء من أخر المواسين لي دخلت الي غرفتي .. مكتبي كما هو وجدت كتاب ملقي علي الأرض لابد اني ألقيته من صدمتي عند سماع الخبر المشئوم .. المنزل هادئ بطريقة غير معتادة .. ملابسي لم تتغير !! ضوء الغرفة الخافت الذي كان يضايقني عند القراءة !! سريري المغطي بشرشف ازرق السجاد القاتم اللون . خرجت لأتفقد أرجاء المنزل .. غرفة والدتي ,المطبخ,الحمام , الصالون .... لا شئ ... وبدأت بالهتاف امي !! امي !! ولكن كان الجواب الوحيد هو الصمت التام . احدث هذا فعلا !! أفقدتها أنا !! هل يمكن ذلك !! يا امي !! اجيبي ... لا تتركيني .. انا قادم اليك . المخدر والأدوية .... ارتدي لباس اخضر اللون !! معلق بيدي ابرة .. وجدت فتاه تدخل غرفتي ترتدي زي ابيض ... نعم انها ممرضة . -حمدا لله علي سلامتك .لقد اخفت كل من كان حولك . وهنا بدأت أدرك الأمر .... نعم انا في المشفي !! -ماذا حدث !! -لقد اتي بك الي هنا رجل عجوز وفتاه وقال بانه سمعك تصرخ وتصرخ ال ان توقف صوتك .. فشعر بالقلق عليك .. وعندما اتي البواب وكسر الباب وجدك فاقد الوعي .. فاتي بك الي هنا علي الفور .. فقد كنت تعاني من انهيار لاعصابك .. يبدو انك تمر بحالة سيئة .. افقدت احدهم !! -احدهم !!! لقد كانت بمثابة الدنيا وما فيها .. كانت الحياه بالكامل –حبيبتك ؟؟ - لا بل اكثر ....انها امي . فوجدت الرجل العجوز يدخل قائلا -يالك من صبي .. ايحدث شاب في سنك يحدث له مثلك !! حمدا لله علي سلامتك يابني .. لقد قلقت عليك . - اشكرك يا أستاذ عصام .. لقد سخرك الله لي في تلك الليله .. انا لم اكن بوعيي بالفعل . -هيا انهض من هنا .. لنذهب لمنزلك .. دعك من المرض من يؤمن بشىء لابد ان يحدث له .اؤمن بانك لست مريض وانك تستطيع تخطي تلك المرحلة ... كن اسم علي مسمي . -الحق كل الحق معك يا استاذي ... لابد لي من ذلك .. فأنا احتاج الي ان اذهب للمنزل . وعندما وصلنا الي باب المنزل عرض علي أستاذ عصام الخدمات وانه مازال موجودا بالجوار لعلي احتاج شىء.. فشكرته كثيرا . وضعت مفاتيحي في باب المنزل ودخلت . أضئت الأنوار فأنا اكره الظلام .. رائحتي لا تزال كالمستشفي .. نظرت للمنزل نظرة يائسة ثم تناولت ملابسي لاستحم لعلي استرجع رائحة منزلي ... خرجت من الحمام ... ذهبت لغرفتها .. ولكنها فارغة !! أمازلت لا استطيع ان استوعب ما حدث !! وبدأت في الحديث مع نفسي وانظر الي صورتها المعلقة . لقد بكيتك كثيرا .... لما تركتني !! لما خلفت وعدك !! انهمرت دموعي كالسيول لا تجد من يوقفها ... أغلقت باب غرفتها وذهبت الي غرفتي كل شئ كما كان جلست علي سريري ونظرت الي مكتبي فوجدت الكتاب ... نعم انه اخر ما كنت اقرأ قبل سماعي لخبر تحطم طائرة والدتي وهي عائدة من رحلة الحج .. ياليتني كنت معها .. رحمها الله . وجدت به قلما كنت اخطط به واخر جملة يقف عندها القلم هي وعندما تكون قريبا لقلب احدهم تشعر بما قد يحدث لهم والعكس فعد هذه الجملة وجدت قلبي يخفق بشدة فاستعذت الله من الشيطان . أمسكت بالقلم مرة اخري وعدت للقراءة فكانت السطور القادمة تقول حيث يمكنك التواصل مع شخص غائب عنك عن طريق التواصل الروحاني ...امممممم ...اجلب كرسي إضاءة مناسبة ووووو امممم شهيق زفير وووو . كان الكتاب يدعي لوسبترو اي الطيف بالايطالية، تذكرت كم اشتاق لامي .. هل يمكن ان يكون هذا الكلام صحيح ؟ فالتقم بالتجربة ولن نخسر شئ . بدأت بالفعل في تنفيذ ما جاء بالكتاب احضرت كرسي مريح ,اضاءة الغرفة الخافتة ,ارخيت اعصابي وقللت من توتري... ايقنت تماما بان ما سأفعله سينجح وسأراها ا اتواصل معها .. شهيق ... زفير .. شهيق ... زفير ... ركز ركز ركز .. دقائق قليلة شعرت بانني دخلت عالم اخر وفقدت الاحساس بكل شئ حولي . ولكن الشئ الذي كنت ادركه هي هاله بيضاء مشعه اتخللها وتحيط بي ولكني ما زلت في غرفتي وبعد فترة جدت شخص يقترب مني . ملامح اعرفها . اميز تلك الرائحة .. الخطوات الرزينة .. امي !! اهذه انت !! -نعم انها أنا .. بالفعل هي .. فأنا لا يمكن ان اخطئ فيها .. مرتديه ثوب الحج الابيض وبيشة بيضاء شفافة تغطي وجهها ... جميلة انت يا امي ... تحيط بها هالة مثل التي امتلكها .. اقتربت مني كثيرا ... وجدت نفسي امد اليها يدي لتمسك بها بلطفها المعتاد وتتحسسها فخرجت من هالتها قادمة الي هالتي وبدأت في الحديث . -اه يا بني كم اشتاق اليك !! يرعاك الله من بعدي .. لا تحزن .. فهذا قضاء الله .. لا تحزن فهذا امر الله ..... انا ووالدك سننتظرك .. لا تقلق .. انت لست وحيد في دنياك .. تقرب من ربك يا بني ... تجدني . -امي !!! ..... لا استطيع البوح بحرف فدموعي تغمر وجهي ... اشعر بصوتي يختنق. -امي !!!! -اطمئن يا ولدي ... اطمئن . وطبعت قبلة علي جبيني كما كانت تفعل قبل نومي وانا صغير ... وجدتها تترك يدي بلطف لتتركني في هالتي وحيد ... ذهبت لهالتها وشاهدتها وهي تنظر لي وتبتعد وتبتعدي اكثر فأكثر الي ان اختفت تماما . فوجدتني استيقظ وانا اصرخ ودموعي تنهمر ... رقبتي تؤلمني بشدة .. الكتاب مفتوح وملقي علي الارض ... حلم كان ام حقيقة !! اطمئن !! .... سأطمئن ان شاء الله ... رحمك الله يا غاليه حتي بعد وفاتك لم تنسيني . وبعد مرور عدت ايام قررت الذهاب مرة اخري الي عملي فأنا مهندس يوجد مكتب اناس ينتظرونني .. فوجدت من يطرق بابي ... فكانت بسمة ابنة استاذ عصام . -ابي يخبرك بانك لابد ان تتناول الغداء معنا اليوم في الساعة الرابعة عصرا ولا وقت للاعذار فهو لن يسمح بذلك . وابتسمت ابتسامة لطيفة . شكرتها علي كرمهم واخبرتها بانني موافق .وعندما عدت من العمل ذهبت الي منزلهم في الشقة المجاورة لي . وعندما بدأنا في تناول الطعام بدأ استاذ عصام في الحديث . - بسمة هي من اعدت الطعام ... فتاه مطيعة ... تمتلك نفس شهي في الطبخ وووووو ......... فشعرت وكأنه يعرض علي سلعه يمتلكها . فأنا لا انكر انها تمتلك من الجمال ما يكفيني ومن العقل والحكمة ما يرضيني .. فتبسمت وقلت بارك الله لك فيها . وللحظة وجدت نورا مشعا ظهر فجأة واختفي !! وبعد ان انتهينا من الطعام استأذنته وقلت بانني مرهق من العمل ولا بد ان راتاح قليلا واذن لي . دخلت منزلي وجلست في الصاله فوجدت نفس النور الذي سطع امامي عند استاذ عصام . ولكن في تلك المرة لم يختفي . جدتها هي !! انها امي ! -اعتاد يا ولدي فأنا غائبة عنك بجسدي فقط ولكن روحي دائما ما تحيط بك .. بسمة فتاه طيبة مثلك تماما .. كانت تحبني وتخدمني احيانا .. اخبرتني بانها تحبك يوما ما ... استخر الله في امرها وتوكل .. اطمئن . ثم اختفت !! امي !! صدقيني لا اطيق الارتباط بشخص اخر .. لا استطيع .. انا متأكد من انك تسمعينني الان . لا اطيق الارتباط بشخص اخر . وظللت هكذا مصمم علي موقفي .. كنت اري بسمة تبتسم لي نظرة البراءة التي تقتلني تجذبني اليها .. ولكني كنت اجبر نفسي علي النسيان . الي ان جاء يوم كنت اركب سيارتي للذهاب للعمل . ظهرت لي امي ولكن في تلك المرة لم تكن وحيدة . فكانت تسير بجانب بسمة وتبتسم لي امي وتجعلها تقترب مني اكثر واكثر .. وعندما اقتربت بسمة ابتسمت ابتسامتها التي تضعفني والقت السلام .. وعندها اختفت امي ولم تظهر لي مرة اخري سوي يوم الخطوبة ومن يومها لم اري طيفها سوي في منامي .. وادعو لها كثيرا انا وزوجتي التي اهدتني بها .. بسمة حياتي انت وزوجتي يا امي .