وكالات مع قدوم عيد الأضحى قرر عدد كبير من العراقيين رفضهم تقبل أي تهاني في هذه المناسبة بسبب ما آلت إليه أوضاع بلادهم من توغل الإرهاب ومقتل الآلاف من أبنائهم خلال فترة قصيرة. بغداد: للعيد الثاني على التوالي يعلن الكثير من العراقيين اعتذارهم عن قبول التهاني بسبب الاوضاع الصعبة التي يعيشها العراق.
قبل أن يحل عيد الأضحى بأيام والكثير من العراقيين بدأوا يتحدثون عن اعتذارهم عن قبول التهاني، وراحت الصفحات الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك) تعلن بشكل واضح عن ذلك، فيما جاء الكثير منها موضحة بصور للنازحين والمهجرين لا سيما الاطفال منهم والنساء الذين افترشوا الفيافي والاماكن غير اللائقة وتظللوا بالخيام التي لا تمنحهم أي معنى طيب للحياة.
وقد أكد العديد من العراقيين ان سبب اعتذارهم يعود بالدرجة الأولى إلى ما يعانيه الأطفال في ظل هذا الوضع الصعب حيث هم الآن لا يبحثون عن ارجيح ولا دواليب هواء يلعبون بها بقدر ما يريدون شيئا من الطمأنينة والسلام.
لا عيد مع الخراب
تقول الروائية العراقية المعروفة لطفية الدليمي: "أعتذر عن قبول التهاني بالعيد".
وتضيف الدليمي عبر صفحتها على فايسبوك: "العراق في أخطر مرحلة تاريخية - مجازر - سبي أمهات وفتيات - اغتصاب نساء - مدن اجتاحتها داعش - مدن مخربة - ومحروقة -ملايين النازحين والأطفال المشردين في الخيام - مفخخات وانفجارات وضحايا على امتداد العراق - لاعيد مع كل هذا الخراب المكتمل".
وكتب الشاعر صلاح حسن على صفحته (أي عراقي يقول لي أيامك سعيدة وعيد مبارك أحظره)!! وحين بادرناه بالسؤال عن السبب قال: "عليك ان تختار أي شيء في العراق يسمح بالتهنئة والمباركة، ألا ترى أننا نعيش وسط أيام حزينة وليست سعيدة وان تبريكاتنا محض هراء.
وأضاف: "أي شيء عراقي من اقصاه إلى اقصاه يجعلنا نبتسم ونشعر بالفرح والسعادة، فيما البلد مهدد في وحدته وشعبه منقسم والمعارك دائرة والمدن مستباحة واخوة لنا غادروا منازلهم هربا من الموت والاغتصاب والهم والغم ، لذلم انا اعلن حزني في العيد وسوف احظر كل من يقدم لي تهنئة العيد على فايسبوك.
العيد للأطفال وهم في العراء
أما كامل محسن الموسوي، موظف، فقد أبدى حزنه على أطفال النازحين، وقال ل"إيلاف": يا سيدي كيف نحتفل بالعيد ونتلقى التهاني ولنا اخوة في الوطن يعيشون في أسوأ أوضاعهم الحياتية، العيد للاطفال كما نقول دائماً، وها هم اطفال العراق في العديد من المحافظات بلا مأوى ولا طعام ولا ماء، كيف نسمح لأطفالنا ان يذهبوا إلى حدائق الالعاب ومدن الالعاب ونحن نعرف أن هناك اطفالاً مثلهم يعيشون في العراء ويحيط بقلوبهم الصغيرة الخوف من كل جانب".
وأوضح: "أنا أبارك للناس عيد الأضحى المبارك، ولكن لا يسعني أن أحتفل لذلك اقدم اعتذاري للجميع إنني لا أهنأ أحدا، ولا أطلب من أحد أن يقدم التهنئة لي".
الموت والخوف
ويرى صالح الجبوري، معلم من محافظة الانبار، أنه لا يستطيع أن يهنيء أحداً لكثرة الأحزان، وقال ل"إيلاف": اعتذرت طبعا عن تبادل التهاني بالعيد، وأبلغت أصدقائي بذلك لانني حزين على حال العراق الذي اصبح لا يسر احدا، كل الاشياء تجعلنا نتألم ونتوقع الاسوأ فلماذا التهاني والتبريكات فالحاضر مؤلم والمستقبل مخيف ومجهول.
وأضاف: "المعارك مستمرة والموت يشتغل على كل الجهات والخوف من القصف ولا يعلم الانسان متى يموت سواء بنيران معادية أو صديقة، لهذا أصبح العيد أخر اهتمامات الناس".
وتابع: "كلما أنظر إلى صور العوائل النازحة وأسمع عن اغتصاب نساء وسبي فتيات وإعدام شباب انزعج الى حد البكاء ولا أستطيع الا ان اشعر بالخوف صدقني".
من جهته، أكد عباس الكرطاني، سائق سيارة اجرة، أنه سيغلق باب بيته ويعتزل الناس أيام العيد، قائلاً ل"إيلاف": من حقي الآن فقط أن أقول: عيد بأية حال عدت يا عيد، وما كنت أقول ذلك في السابق، لأنني أحب الأعياد وأتذكر عناية أمي وأبي لي فيها، لكن الآن أنا يؤسفني ان أقول انني سوف لن اعايد احدا ولا اقدم التهاني وسأجلس في بيتي طوال الاسبوع واغلق بابي عليّ واعتزل الناس طوال أيام العيد".
وأضاف: "أي عيد سعيد هذا والناس تهب ذاهبة الى المقابر وأصوات المدافع والرصاص تلعلع".
الحزن أكثر من الفرح
المصور الصحافي علوان الصافي قال ل"إيلاف": "والله لا أعتبر العيد شيئا مهما في الاوضاع الحالية للبلد لكثرة الشهداء والنازحين والمشردين والخراب الكبير وكاننا ضحايا للعيد، لذلك الحزن صار أكثر من الفرح".
وأضاف: "لا يمكن لي أن أرد من يقدم لي التهنئة ولكن بدون فرح"، مؤكداً أنه منذ سنوات "لم أفرح بالعيد لأنه يأتي والعراقي يعيش في كوارث ومآسي، فأي طعم للفرح في النفوس ومن حولي تمر قوافل الشهداء واسمع اصوات التفجيرات واقرأ عن معارك هنا وهناك". وتابع: "صحيح أن عيد الاضحى من أعياد الله ونحن نحنرمه ونقدسه ولكن الأحزان تمنعنا من نقول لأحد ايامك سعيدة وكأننا ننافق انفسنا، فأين هي السعادة، عيدنا الحقيقي حينما ينعم الناس بالامن والسلام ونقضي على الارهاب كله ونعيش اخوانا بلا تفرقة في بلدنا الجميل".
طقس زيارة القبور
لكن رجل الدين الشيخ صلاح الخفاجي قال: "لا شك أن يوم العيد هو يوم فرح وإظهار للسرور والبهجة، حتى ان أهل العلم قالوا (إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين)، والمجتمعات الإسلامية كانت تتفنن في الاحتفال بالعيد وإشاعة أجواء من البهجة والمرح خلال أيامه، وعلى الرغم من الاحزان والمصائب التي واجهتها الأمة الإسلامية إلا أن العيد بقي يمتلك صفاته عند الناس فتراهم في أيامه لابد ان يقول احدهم للاخر ايامك سعيدة او كل عام وأنت بخير لأن هذا من التفاؤل والامل الذي لا يمكن للانسان ان يتخلى عنه ولنا في هذا تجارب عديدة عبر سنوات الحروب والحصار وصولا الى ايام داعش الاسود هذه .
وأضاف: "في الوضع العراقي الحالي الصعب لا يمكن أن تجبر حزينا أو مهموما على أن يفرح بالعيد لانه فقد عزيزا وترى الناس تذهب لزيارة القبور للجلوس عند احبتها كأن فرحتهم بالعيد تتمثل في هذه الزيارة ، فهناك لوعة وأية لوعة، ومع ذلك يؤدون شعائر العيد وطقوسه ويرفعون اكفهم بالدعاء لله أن يرحم شهداءه ويحفظ أهلهم وأبناء شعبهم ويزيل الغمة عن هذه الامة.
وشارك سواه أن العراق الآن يعيش وضعاً صعباً و"أبناء شعبنا بين مهجرين ومشردين وشهداء وجرحى وجوعى وعطشى وخائفين ومرعوبين ومفلسين لذلك تجد من يعتذر عن تقديم التهاني او تقبلها وهم أحرار في هذا".
وكان مجلس محافظة نينوى أعلن رسمياً عن إيقاف كل المراسيم الرسمية للاحتفال بعيد الاضحى مبيناً أن العيد سيكون يوم تحرير مناطق نينوى من سيطرة تنظيم داعش.
وعلل البيان سبب عدم الاحتفال "احتراما لشهداء شنكال (سنجار) وزمار وسهل نينوى ومخمور وسبايا الآيزيدية والشيعة الذين تم أسرهم من قبل إرهابيين داعش وكذلك احتراما لعوائل بقية أهالي نينوى من ضحايا إرهابيين داعش".
وأكد البيان "سيكون بإذن الله عيدهم يوم تحريرهم ومناطقهم وكذلك بسبب نزوح وتشرد مئات الآلاف من أبناء نينوى فلن يكون للعيد معنى وهم خارج مناطقهم وندعوا من الله عز وجل ان يعجل بالفرج وتعود نينوى الى حلتها وبهاءها بعيدا عن دنس داعش ان شاء الله".