رغم مرور 36 عاماً على توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" التي غيرت موازين واتجاهات السياسة في العالم، بعد أن وقع عليها الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في يوم 17 سبتمبر من عام 1978 بعد 12 يوماً من المفاوضات في المنتجع الرئاسي "كامب ديفيد" في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولاياتالمتحدةواشنطن، واللذان حصلا بعدها مناصفة على جائزة نوبل للسلام، للجهود الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه مازالت تفاصيلها لغزا محيرا للبعض رغم توثيق شهادات السادات وبيجن لما حدث.
وقد كانت المفاوضات والتوقيع على الاتفاقية تحت إشراف الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، ونتج عن هذه الاتفاقية حدوث تغييرات على سياسة العديد من الدول العربية تجاه مصر، وتم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989 نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية.
الرئيس السادات وقرار الذهاب إلى "الكنيست" قبل توقيع المعاهدة
كان الرئيس السادات قد بدأ تدريجياً أن يقتنع بعدم وجود اتفاق كامل لوجهات النظر بينه وبين الموقف الذي تبناه الرئيس السوري حافظ الأسد والذي كان أكثر تشدداً من ناحية القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل بصورة مباشرة.
بالإضافة إلى عدم ثقة السادات بنوايا الولاياتالمتحدة بممارسة اي ضغط ملموس على إسرائيل، وكان يأمل إلى أن أي اتفاق بين مصر وإسرائيل سوف يؤدي إلى اتفاقات مشابهة للدول العربية الأخرى مع إسرائيل وبالتالي سوف يؤدي إلى حل للقضية الفلسطينية. وكان السادات قد اتخذ قرار زيارة إسرائيل بعد تفكير طويل حيث قام بزيارة رومانيا وإيران والسعودية قبل الزيارة، وقام أيضا بزيارة سوريا قبيل زيارة إسرائيل وعاد في نهاية اليوم بعد أن حدثت مشادة كبيرة بينه والسوريين لأنهم كانوا معترضين علي الزيارة. وصرح في خطاب له أمام مجلس الشعب عام 1977 عن استعداده للذهاب إلى القدس بل إلى الكنيست الاسرائيلي حيث قال : "ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم". وسبقت زيارة السادات للقدس مجموعة من الاتصالات السرية، حيث تم إعداد لقاء سري بين مصر وإسرائيل في المغرب تحت رعاية الملك الحسن الثاني، والذي التقى فيه موشى ديان وزير الخارجية الإسرائيلي، وحسن التهامي نائب رئيس الوزراء. وقد القى السادات خطابا أمام الكنيست الإسرائيلي في 20 نوفمبر 1977، وشدد في هذا الخطاب على أن فكرة السلام بينه وبين إسرائيل ليست جديدة، وأنه يستهدف السلام الشامل، ودعا "بيجن" لزيارة مصر، وعقد مؤتمر قمة في الإسماعيلية. وبعد أن اجتمعوا في الاسماعيلية بشهر واحد، اجتمعت اللجنة السياسية من وزراء خارجية مصر وإسرائيل والولاياتالمتحدة في القدس، وفي أثناء انعقاد تلك اللجنة شرعت إسرائيل في بناء مستوطنات جديدة في سيناء، لاستخدامها كورقة مساومة على مصر. لم يكن "بيجن" مستعدًا لقبول تنازلات، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي "موشى ديان": "إنه من الأفضل لإسرائيل أن تفشل مبادرة السلام على أن تفقد إسرائيل مقومات أمنها". وعرض الإسرائيليون على مصر ترك قطاع غزة للإدارة المصرية مقابل التعهد بعدم اتخاذها منطلقًا للأعمال الفدائية، وكان هدفهم من ذلك عدم إثارة موضوع الضفة الغربية. شعر السادات في ذلك الوقت أن الإسرائيليين يماطلونه؛ فقام بإلقاء خطابًا في يوليو 1978 قال فيه: "إن بيجن يرفض إعادة الأراضي التي سرقها إلا إذا استولى على جزء منها كما يفعل لصوص الماشية في مصر". وهنا تدخل كارتر بثقله، ودعا السادات وبيجن إلى اجتماعات في كامب ديفيد.
السادات يصل إلى "كامب ديفيد" ويبدأ المباحثات حول المعاهدة
في ال5 من سبتمبر من عام 1978 وصل الوفدان المصري والإسرائيلي إلى كامب ديفيد ، وكان السادات قد ذهب وهو ليس لديه أي رغبة بأن يساوم، وإنما ردد مشروع قرار مجلس الأمن رقم 242 كأساس للحل، أما كارتر والإسرائيليون فكانوا مقتنعين أن السادات لن يوافق قط على أي وجود إسرائيلي في سيناء. ولم يركز السادات خلال مباحثاته على حل الجانب المصري فقط من القضية، ففي اليوم الأول من المحادثات قدم السادات أفكاره عن حل القضية الفلسطينية بجميع مشاكلها متضمنة الانسحاب الإسرائيلي من الضفة وغزة، بالإضافة إلى حلول لقضية المستوطنات الإسرائيلية. حاولت الإدارة الأمريكية إقناع الجانبين أن يتجنبوا التركيز على القضايا الشائكة مثل الانسحاب الكامل من الضفة الغربيةوغزة ويبدأوا المناقشات على قضايا أقل حساسية مثل الانسحاب الإسرائيلي من سيناء. كان الهيكل العام للمحادثات التي استمرت 12 يوماً تتمحور على مشكلة الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث استند هذا المحور على أهمية مشاركة مصر وإسرائيل والأردن وممثلين عن الشعب الفلسطيني في المفاوضات حول حل هذه القضية، التي اقترحت الولاياتالمتحدة إجراءات انتقالية لمدة 5 سنوات لغرض منح الحكم الذاتي الكامل لهاتين المنطقتين وانسحاب إسرائيل الكامل بعد إجراء انتخابات شعبية في المنطقتين، ونص الاقتراح أيضا على تحديد آلية الانتخابات من قبل مصر وإسرائيل والأردن على أن يتواجد فلسطينيون في وفدي مصر والأردن. وبحسب الاقتراحات في هذا المحور كان على إسرائيل بعد الانتخابات المقترحة ان تحدد في فترة 5 سنوات مصير قطاع غزة والضفة الغربية من ناحية علاقة هذين الكيانين مع إسرائيل والدول المجاورة الأخرى بالإضافة إلى الحديث عن علاقات مصر وإسرائيل، حيث استند هذا المحور على أهمية الوصول إلى قنوات اتصال دائمه من ناحية الحوار بين مصر وإسرائيل وعدم اللجوء إلى العنف لحسم النزاعات واقترحت الولاياتالمتحدة فترة 3 أشهر لوصول الجانبين إلى اتفاقية سلام. فضلاً عن علاقة إسرائيل مع الدول العربية، فحسب المقترح الأمريكي كان على إسرائيل العمل على إبرام اتفاقيات سلام مشابهة مع لبنانوسوريا والأردن بحيث تؤدي في النهاية إلى اعترافات متبادلة وتعاون اقتصادي في المستقبل وقرر السادات الإعلان لمرافقيه أنه قرر الانسحاب من كامب ديفيد، بسبب الموقف الإسرائيلي الذي كان متصلبًا ومتشددًا يرفض التنازل، فنصحه وزير الخارجية الأمريكي "سايروس فانس" أن يلتقي بكارتر على انفراد، واجتمع الرئيسان نصف ساعة.
"السادات وبيجن" يوقعان على معاهدة السلام
وفي 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد وقع الجانبان على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وكانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هي إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة . وتضمنت الاتفاقية أيضاً ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية، كما تضمنت البدء بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. وكانت الاتفاقية عبارة عن 9 مواد رئيسية، من بينها اتفاقات حول جيوش الدولتين والوضع العسكري وعلاقات البلدين وجدولة الانسحاب الإسرائيلي وتبادل السفراء.
ردود الفعل المصرية والعربية حول معاهدة السلام مع اسرائيل
وقد أثارت اتفاقية "كامب ديفيد" ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، ففي مصر، استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية والتي أسماها مذبحة التنازلات، وكتب مقال كامل في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينيات أن "ما قبل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل"، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفد لكونها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وعلى الصعيد العربي كان هناك جو من الإحباط والغضب لأن الشارع العربي كان آنذاك لايزال تحت تأثير افكار الوحدة العربية وأفكار جمال عبد الناصر وخاصة في مصر والعراقوسوريا وليبيا والجزائر واليمن. وقامت العراق على وجه السرعة بعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 ورفضت اتفاقية "كامب ديفيد"، وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم " جبهة الرفض ".
�n � � �� �ߠ �ل الكامل بعد إجراء انتخابات شعبية في المنطقتين، ونص الاقتراح أيضا على تحديد آلية الانتخابات من قبل مصر وإسرائيل والأردن على أن يتواجد فلسطينيون في وفدي مصر والأردن. وبحسب الاقتراحات في هذا المحور كان على إسرائيل بعد الانتخابات المقترحة ان تحدد في فترة 5 سنوات مصير قطاع غزة والضفة الغربية من ناحية علاقة هذين الكيانين مع إسرائيل والدول المجاورة الأخرى بالإضافة إلى الحديث عن علاقات مصر وإسرائيل، حيث استند هذا المحور على أهمية الوصول إلى قنوات اتصال دائميه من ناحية الحوار بين مصر وإسرائيل وعدم اللجوء إلى العنف لحسم النزاعات واقترحت الولاياتالمتحدة فترة 3 أشهر لوصول الجانبين إلى اتفاقية سلام. فضلاً عن علاقة إسرائيل مع الدول العربية، فحسب المقترح الأمريكي كان على إسرائيل العمل على إبرام اتفاقيات سلام مشابهة مع لبنانوسوريا والأردن بحيث تؤدي في النهاية إلى اعترافات متبادلة وتعاون اقتصادي في المستقبل وقرر السادات الإعلان لمرافقيه أنه قرر الانسحاب من كامب ديفيد، بسبب الموقف الإسرائيلي الذي كان متصلبًا ومتشددًا يرفض التنازل، فنصحه وزير الخارجية الأمريكي "سايروس فانس" أن يلتقي بكارتر على انفراد، واجتمع الرئيسان نصف ساعة.
"السادات وبيجن" يوقعان على معاهدة السلام
وفي 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد وقع الجانبان على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وكانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هي إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة . وتضمنت الاتفاقية أيضاً ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية، كما تضمنت البدء بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. وكانت الاتفاقية عبارة عن 9 مواد رئيسية، من بينها اتفاقات حول جيوش الدولتين والوضع العسكري وعلاقات البلدين وجدولة الانسحاب الإسرائيلي وتبادل السفراء.
ردود الفعل المصرية والعربية حول معاهدة السلام مع اسرائيل
وقد أثارت اتفاقية "كامب ديفيد" ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، ففي مصر، استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية والتي أسماها مذبحة التنازلات، وكتب مقال كامل في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينيات أن "ما قبل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل"، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفد لكونها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وعلى الصعيد العربي كان هناك جو من الإحباط والغضب لأن الشارع العربي كان آنذاك لايزال تحت تأثير افكار الوحدة العربية وأفكار جمال عبد الناصر وخاصة في مصر والعراقوسوريا وليبيا والجزائر واليمن. وقامت العراق على وجه السرعة بعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 ورفضت اتفاقية "كامب ديفيد"، وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم " جبهة الرفض ".