مصطلح الأمن القومي العربي الذي كاد يختفي من أدبيات السياسة العربية، خلال السنوات الماضية، برز بقوّة في الخطاب الدبلوماسي والإعلامي الذي رافق زيارة السيسي إلى السعودية.
ومراقبون يتحدّثون للعرب اللندنية، عن بروز ملامح محور سعودي إماراتي مصري يأخذ بزمام مبادرة حماية الأمن القومي في أوج تصاعد التهديدات له. طغت التطورات العاصفة في المنطقة، وقضايا الأمن القومي العربي، على أوّل زيارة قام بها المشير عبدالفتاح السيسي كرئيس لمصر إلى المملكة العربية السعودية ولقائه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في جدّة.
ومن جهة ثانية، سوّغت الزيارة الخاطفة التي قام بها، وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتّحدة إلى السعودية بالتزامن مع زيارة السيسي، ولقائه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، للمراقبين التأكيد على بروز ملامح محور سعودي إماراتي مصري للعمل بشكل جدّي على استعادة زمام مبادرة حماية الأمن القومي العربي، في ظلّ تعاظم التهديدات، وتنوّعها وخطورتها بحيث أصبحت دول عربية مهدّدة بالفشل والانهيار والتحوّل إلى أوكار للتشدّد والإرهاب، ومن ثم تصديره إلى باقي الدول.
ولفت هؤلاء إلى أنّ فكرة الأمن القومي العربي سجلّت خلال السنوات الماضية ضمورا كبيرا، وكاد المصطلح في حدّ ذاته يختفي من أدبيات السياسة العربية، لافتين إلى أنّه برز بقوّة في الخطاب الدبلوماسي والإعلامي الذي رافق زيارة السيسي إلى السعودية.
وذكّر أصحاب هذا الطرح بما كانت قد بذلته كل من السعودية والإمارات من جهد كبير متعدّد الجوانب، لمساعدة مصر على تجاوز مرحلتها بالغة الصعوبة بعد إسقاط ثورة يونيو الشعبية لحكم جماعة الإخوان المسلمين، وما قدّمتاه من دعم سياسي واقتصادي وضع مصر على سكّة استعادة توازنها.
وقال هؤلاء إن الدولتين الخليجيتين الغنيّتين أنقذتا بسياستهما تلك مصر كقوّة عربية وازنة ستكون ضرورية للمساهمة في الحفاظ على الأمن القومي العربي.
وقدمت السعودية والإمارات والكويت معونات لمصر يقدر حجمها بنحو 20 مليار دولار بعد أن أطاحت ثورة شعبية بالرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو من العام الماضي، فيما دعا العاهل السعودي إلى عقد مؤتمر للدول المانحة لمصر من المتوقع أن يعقد هذا العام او مستهل العام المقبل لتقديم مزيد من المساعدات لمصر.
واختتم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمس زيارته الرسمية إلى السعودية حيث التقى، مساء الأحد، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبحث معه وفق بيان رسمي “مجمل الأحداث التي تشهدها الساحات الإسلامية والعربية والدولية وفي مقدمتها تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة والجهود المبذولة لإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”.
وفي إشارة إلى المكانة التي أخذها الوضع العربي في محادثات الملك عبدالله مع السيسي، قال السفير إيهاب بدوي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في مصر لوكالة أنباء الشرق الأوسط إنّ الملك عبدالله والرئيس السيسي “اتفقا على العمل معا للنهوض بالأمتين العربية والإسلامية، وبذل الجهود لتصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام في العالم والتي أضحت مرتبطة بالإرهاب والعنف بعد ما طالها من تشويه”.
وأضاف أنّ الزعيمين “استعرضا أيضا تطورات الأوضاع في العراق في ضوء اتساع دائرة الإرهاب في المنطقة وانعكاسات ذلك على الأوضاع العراقية بصفة خاصة والإقليمية بصفة عامة”.
وكان الرئيس المصري دعا قبيل توجهه إلى السعودية إلى تشكيل “حلف عربي” لمواجهة خطر تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على أنحاء واسعة من العراقوسوريا.
وغير بعيد عن هذا السياق، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على أهمية اللقاء الذي جمع مساء الأحد العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مشيرا إلى أنّ “القمة السعودية-المصرية مفيدة لإصلاح الوضع العربي”.
وأضاف الفيصل في تصريح قوله “لا شك أن اللقاء بين قيادتي البلدين ضروري في ظل ظروف الأمة العربية والإسلامية؛ حروب وتدخل من قوى خارجية، وفتن في الداخل، وخلافات بين الأمّة العربية، بينما هي في أشد الحاجة إلى التضامن والتكاتف كوقفة رجل واحد لرد العداوات عنهم”.
وأضاف «طالما تلتقي القيادتان فالأمل بالله كبير أن يكون لقاؤهما وتشاورهما مفيدا في إصلاح الوضع في العالم العربي ليتمكن من القيام بواجبه تجاه الأشقاء في فلسطين المظلومين، والمنكوبين في سوريا وهذه الفتنة التي وجدت الآن في العراق والخلافات في ليبيا، وكل العالم العربي يتطلب العمل لإصلاح الوضع». وعن مبادرة الملك عبدالله لإنشاء مركز لمكافحة الإرهاب قال وزير الخارجية : “البلدان متفقان في الأمر وينسقان حتى يقوم هذا المركز ويكون فعالا”.
ومن جانبه أكد وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز أن كل ما يهم مصر يهم المملكة معربا عن أمله في أن يتجاوز العالم العربي والعالم الإسلامي المشاكل الحاصلة. وردا على سؤال عن علاقات المملكة ومصر، قال الأمير متعب في تصريح صحفي نقلته وكالة الأنباء السعودية إنّ “العلاقات المصرية السعودية دائما على أعلى مستوى وهي الآن في القمة”.
وكان لفت نظر المراقبين الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي إلى السعودية بالتزامن مع زيارة الرئيس المصري.
ولم يجر أي ربط رسمي بين الزيارتين، إلاّ أنّ مراقبين قالوا بأن دولة الإمارات لم تغب عن أي حراك هادف إلى دعم مصر، وأنّها طرف رئيسي في حراك ثلاثي –إماراتي سعودي مصري- كبير ومتعدّد الجوانب للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها.