■ أمريكا ساعدت قطر ب 2 مليار دولار لاكتشاف الغاز الطبيعى.. ومن أموال النفط دعمت الدوحة حماس والإخوان
■ واشنطن حصلت على 100 مليون دولار لبناء القاعدة العسكرية بقطر.. والأخيرة ردت المبلغ فى صورة تبرع لضحايا إعصار كاترينا
كانت حرب الخليج فرصة قطر الذهبية للتقرب من أمريكا أو بالأحرى عقد زواج كاثوليكى بين واشنطنوالدوحة. وهى علاقة زواج استمرت مع تغير الحكام والاحزاب فى النظامين الامريكى والقطرى، فمنذ حرب الخليج سعت قطر إلى أن ترضى امريكا بكل الاشياء وأن تغلق ملفها الاسود لدى الإدارة الامريكية. وبدت قطرلامريكا الثغرة أو نقطة الضعف التى تنفذ منها امريكا للخليج العربى بل ومنطقة الشرق الأوسط. فقد احتفظت امريكا بعلاقات مميزة مع بعض دول الخليج، ولكن وحدها قطر كانت اكثر مرونة أو بالاحرى سيولة من اى نظام تعامل معه الامريكان. فحكام الدوحة ينفذون الشىء وعكسه، ويصدرون قرارا نهارا وينقلبون عليه ليلا وربما فى المساء. ومفتاح كل التغييرات والقرارات والانقلابات فى يد المخابرات الأمريكية والإدارة الامريكية. وقد صدر الاسبوع الماضى كتاب مهم عن العلاقة بين قطروامريكا. ويرصد الكتاب الصادر عن مركز ابحاث الكونجرس الامريكى. رغم عشرات وربما مئات الكتب والدراسات السابقة عن الموضوع فله جوانب جديدة فى علاقة الدوحةوواشنطن. وتعزز هذه الجوانب والمعلومات فكرة أن امريكا اتخذت منذ نحو 15 عاما قرارًا باللعب بورقة قطر فى المنطقة.
الكتاب الجديد يحمل عنوان «قطر: الخلفية والعلاقات الأمريكية» وهو للباحث المتخصص فى شئون الشرق الأوسط كريستوفر بلانشارد.
1-بداية سوداء
العلاقة بين قطروأمريكا ينطبق عليها المثل الشعبى «ما محبة الا بعد عداوة». ولكن بشكل عام فإن العلاقات الرسمية بين البلدين لا يتعدى عمرها نصف قرن.
فقد افتتحت الولاياتالمتحدةالأمريكية سفارتها فى قطر عام 1973، ولكن العلاقات بين الدولتين لم تأخذ منحى جادًا إلا بعد حرب الخليج عام 1991. وكانت العلاقة بين الدولتين قد شهدت خلافًا كبيرا. بسبب تعجل قطر فى الحصول على أسلحة امريكية. ولذلك قامت قطر بشراء صواريخ أمريكية الصنع مضادة للطائرات من السوق السوداء، وأدت هذه الخطئية القطرية إلى خلاف كبير. وقامت امريكا بتجميد خطط للتعاون العسكرى والاقتصادى ووافق الكونجرس الأمريكى فى ذلك الوقت على منع بيع الأسلحة إلى قطر. ولم تفلح محاولات قطر لانهاء هذه القضية، ولكن أثناء حرب الخليج وبعد سماح قطر لقوات التحالف بالعمل فى أراضيها بدأ فصل جديد فى العلاقات القطرية - الأمريكية، ولكى تثبت قطر استعدادها لعمل أى شىء من أجل كسب رضا أمريكا، قامت بتدمير الصواريخ التى كانت محل خلاف بين الدولتين. وهكذا بدأت اللعبة الكبرى بين امريكاوقطر وانتهى إلى غير رجعة الغضب الأمريكى على قطر. فقد أصبح لدى الإدارة الامريكية عمى سياسى وازدواج معايير. فلا ترى انتهاكات قطر لحقوق الإنسان، وحتى لو سجلت وزارة الخارجية الامريكية هذه الانتهاكات فى تقاريرها السنوية الرسمية. فمنذ عام 1992 اتخذت العلاقة بين الدولتين منحنى آخر.
ففى يونيو 1992 وقعت قطر اتفاقية للتعاون الدفاعى المشترك مع الولاياتالمتحدة وهو أمر كان بمثابة بداية لمرحلة من التنسيق العسكرى المشترك بين الدولتين والمستمر إلى يومنا هذا. وكما دعمت أمريكا استيلاء الأمير حمد بن خليفة الثانى على الحكم فى منتصف التسعينيات وعزله والده، قام الرئيس الأمريكى باراك أوباما بتهنئة الأمير تميم بسيطرته على الحكم فى يونيو 2013. هذا التوافق السياسى والعسكرى منذ التسعينيات تم تطبيقه على أرض الواقع فى شكل تعاون عسكرى، وإن كان هذا التعاون لم يمنع الولاياتالمتحدةالأمريكية من إبداء شعورها بالقلق إزاء الدعم الذى يقدمه عدد من أفراد العائلة المالكة القطرية إلى التنظيمات الإرهابية الدولية، لكن من جانبها حرصت قطر على تبديد هذه المخاوف من خلال تكثيف تعاونها المشترك مع أمريكا فى مكافحة الإرهاب، والأهم أنها سمحت لأمريكا باستخدام أراضيها كمركز دعم عسكرى لعملياتها فى العراق وافغانستان والمنطقة بأكلمها. وفى ديسمبر 2013 زار وزير الدفاع الأمريكى تشاك هاجل الدوحة والتقى مع الأمير تميم، حيث تم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين الدولتين لمدة عشر سنوات.
وقد جاء توقيع هذه الاتفاقية فى ظل التحفظات الأمريكية صوب السياسات القطرية سواء الداخلية أو الخارجية. داخليا، لم تتوقف إدارة اوباما عن الانتهاكات القطرية ولم تلمس سياسات قطر القمعية الضمير الامريكى. وذلك على الرغم من اعتراف امريكا بهذه الانتهاكات. ووفقا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2012 عن أوضاع حقوق الانسان فى قطر، فإن هناك الكثير من الانتهاكات التى تشهدها قطر منها عدم قدرة المواطنين على تغيير الحكومة، تقييد الحريات المدنية الأساسية، عدم حماية حقوق العمال الأجانب الذين يشكلون القطاع الأكبر من العاملين فى قطر، حيث تزداد ظروف العمل غير الآدمية خاصة فى ظل استعدادات قطر لاستضافة كأس العالم لكرة القدم. وعلى المستوى الدولى تشعر أمريكيا بالقلق من علاقة قطر بالجماعات الإرهابية مثل جماعة حماس المصنفة رسميا وفقا لوزارة العدل الأمريكية باعتبارها جماعة إرهابية.
بحسب الكتاب فإن هذه التحفظات لا تمنع حقيقة استفادة الولاياتالمتحدةالأمريكية من علاقتها بقطر التى تمنحها القدرة على التواصل والتفاوض مع مختلف اللاعبين فى المنطقة. فى يونيو 2009 وصف السفير الأمريكى فى الدوحة جوزيف ليبرون مزايا التعاون مع قطر قائلا «تحتل قطر مساحة فى منتصف الطيف الأيديولوجى بالعالم الإسلامى، وهدفها هو امتلاك أبواب مفتوحة صوب كل أنحاء هذا المشهد الأيديولوجى، ولدى قطر الموارد التى تمكنها من تحقيق هذه الرؤية، وهذا أمر نادر». هذه القدرة على اللعب على الحبال والتواصل مع مختلف التيارات من خلال تقديم الدعم والتمويل، قد يضع أمريكاوقطر فى مواقف متناقضة فى بعض الأحيان، ولكن هذا التناقض لا يمنع إمكانية التعاون، فمن المهم أن تمتلك أمريكا بابًا خلفيًا تستطيع من خلاله التواصل مع لاعبين من الصعب التواصل معهم بشكل رسمى أو علنى. أفضل مثال فى هذا الصدد، هو افتتاح مكتب سياسى لحركة طالبان فى الدوحة، وكانت أمريكا قد رحبت بهذا المكتب كوسيلة للتفاوض مع حركة طالبان على الرغم من غضب الرئيس الأفغانى حامد كرازى الذى يعد حليفًا للولايات المتحدة، ولكن أمام الضغوطات الأفغانية تم غلق المكتب. والسؤال الذى يطرح نفسه هو لماذا وافقت قطر على فتح المكتب ولماذا قامت بإغلاقه؟ والإجابة أنها فتحته استجابة لرغبة أمريكا واغلقته بناء على طلب أمريكا.
كما يستعرض الكتاب الخدمات المتبادلة بين أمريكاوقطر، وفى هذا الملف فان الكتاب يلقى الضوء على معلومات مهمة عن دور امريكا فى دعم الاقتصاد القطرى وتوفير مخزون من الثورة لأمراء قطر للعب على حبال المنطقة العربية. ففى منتصف التسعينيات قدمت أمريكا قروضاً بقيمة 2 مليار دولار من أجل دعم مشاريع استكشاف وإنتاج الغاز الطبيعى الذى يعد المصدر الرئيسى لثراء دولة قطر المصدر العالمى الأول للغاز الطبيعى المسال. وفى عهد أوباما تقدمت الإدارة الأمريكية بطلب من الكونجرس من أجل تمويل منشآت عسكرية قطر. فى المقابل لم تتردد قطر فى إبداء كرمها مع أمريكا وقامت على سبيل المثال بتقديم 100 مليون دولار لصالح ضحايا إعصار كاترينا فى الولاياتالمتحدةالأمريكية.
تناول الكتاب المهم خريطة الجيش القطرى والقدرة العسكرية له. ويكشف هذا الجانب عن عقدة قطر الكبرى أو بالاحرى التناقض مع صغر الحجم وكبر الثروة فعلى الرغم من المليارات التى انفقتها قطر على تسليح جيشها فإنه لا يزال مكانه.. الجيش القطرى فى الحضيض. يبلغ حجم الجيش القطرى 11,800 فرد ويعد ثانى أصغر جيش فى المنطقة، ومنذ عام 2012 بدأت قطر فى التخطيط لتطوير إمكاناتها العسكرية على نحو كبير وزاد حجم مشترياتها من المعدات العسكرية الأمريكية بما فى مروحيات بلاك هوك وأباتشى لونج وصواريخ دفاعية وأجهزة دفاع جوى، وعلى الرغم من زيادة حجم المشتريات القطرية من الأسلحة الأمريكية إلا أن فرنسا هى الممول الرئيسى لما يقرب من 80% من أسلحة الجيش القطرى. تأتى رغبة قطر فى شراء أنظمة الصواريخ الدفاعية والدفاع الجوى الأمريكية فى ظل اهتمام العديد من دول المنطقة بشراء هذه الأجهزة للدفاع عن أراضيها ضد أى هجوم محتمل من إيران.
ويتطرق الكتاب إلى القاعدة العسكرية الامريكيةبقطر. فقد استثمرت «الدوحة» أكثر من مليار دولار فى بناء قاعدة «العديد» العسكرية الأمريكية فى جنوب غرب الدوحة بالتسعينيات وذلك على الرغم من أنها كانت لا تمتلك قوات جوية خاصة بها فى ذلك الوقت. كما حصل قطاع المهندسين فى الجيش الأمريكى على أكثر من 100 مليون دولار مقابل عقود بناء منشآت عسكرية فى قطر. ساهمت هذه الأموال القطرية التى تم دفعها لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية فى تعميق التعاون العسكرى بين البلدين.
تعمل قاعدة العديد العسكرية كوحدة قيادة لوجيستية ومركز للعمليات الأمريكية فى أفغانستان. وقد استثمرت قطر الكثير من الأموال فى تطوير هذه القاعدة العسكرية الأمريكية منذ منتصف التسعينيات، وقد زاد اعتماد الولاياتالمتحدةالأمريكية على قاعدة العديد مع حروبها فى أفغانستانوالعراق. وبحسب الكتاب فإن هذه القاعدة تمثل حجر الزاوية فى العلاقة العسكرية بين قطروأمريكا. وبعيدا عن الكتاب فإن قطر لن تمانع لو استخدمت القاعدة ضد دول أو أنظمة أخرى خاصة فى ظل تصاعد الخلاف بين قطر وبقية دول الخليج العربى أو فى سوريا.
منذ التسعينيات، ووفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر وعدد من المسئولين السابقين بالإدارات الأمريكية، فإن عضو العائلة الملكية القطرية الذى أصبح فيما بعد وزيرًا للداخلية الشيخ عبدالله بن خالد آل ثان كان على علاقة وثيقة بشخصيات قيادية فى تنظيم القاعدة بما فى ذلك عدد من القيادات الإرهابية التى خططت لأحداث 11 سبتمبر ومن ضمنهم خالد شيخ محمد. وكان الشيخ عبدالله بن خالد آل ثان قد تولى منصب وزير الداخلية عام 2001 وتم استبداله فى عام 2013 بالشيخ ناصر بن خليفة آل ثان. كما رصدت وزارة الخارجية الأمريكية فى تقرير لها يعود إلى مايو 2013 العلاقات القوية التى تجمع قطر بجماعة حماس، حيث استثمرت مئات الملايين من الدولارات فى مشاريع لصالح تنظيم حماس فى قطاع غزة. وازداد التقارب بين قطر وحماس مع انتقال خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس للإقامة فى الدوحة وذلك بناء على دعوة من الحكومة القطرية فى 2012، وكان خالد مشعل مقيمًا من قبل فى سوريا. فى العام الماضى أبدى عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكى ومن ضمنهم وزير الخارجية الأمريكى الحالى جون كيرى، تحفظهم من الدعم الذى تقدمه قطر لحركة حماس. فى خطاب وقع عليه 24 عضوًا للكونجرس وتم توجيهه للسفير القطرى فى واشنطن محمد بن عبدالله الرميحى أشار أعضاء الكونجرس إلى أن الأموال التى تقدمها دولة قطر تمثل مصدر الدعم المالى الرئيسى لحركة حماس، وبحسب الخطاب، وصل الدعم القطرى لحماس إلى ما يقرب من 400 مليون دولار. من جانبهم أكد المسئولون القطريون أن علاقتهم مع حماس هى جزء من سياستهم الخارجية القائمة على التواصل مع جميع الأطراف. لكن بحسب الكتاب يبدو أن قطر استجابت للضغوط الأمريكية فيما يتعلق بتخفيف حجم تعاونها مع حماس، حيث أشار الكتاب إلى أن هناك مؤشرات على قيام خالد مشعل بالبحث عن مقر بديل له وذلك على الرغم من عدم وجود أى إشارة فى المشهد العام تفيد بتوتر علاقته بالأمير تميم. وتعود علاقة مشعل بالأمير تميم إلى يناير 2012 حيث سافر معه إلى الأردن فى 2012 عندما كان تميم وليًا للعهد. مرة أخرى وليست اخيرة فان قطر تغير مواقفها وضيوفها وانصارها بحسب البوصلة الامريكية. فاذا كانت قطر ترضى بان تكون قاعدة امريكا العسكرية ضد خصوم واشنطن فهى بالمثل تفتح ابوابها وخزائنها وأرضها لاصدقاء امريكا أو تحتضن من ترغب امريكا فى تحييده أو حمايته. وهذا ما يكشفه الكتاب عن علاقة قطر بالإخوان وانفجار الخلاف الخليجى بين قطر وكل من السعودية والامارات والبحرين.