■ اتصل بحارسه ظهر الأحد الماضى ليخبره بأن سيارة سوداء تتعقبه ثم اختفى ■ ظهر مساء الثلاثاء فى حالة سيئة وتوجه من قسم الشرطة إلى السفارة الألمانية
■ عبدالماجد وشعبان أهدرا دمه والتحقيقات تثبت وجود خلافات مالية بينه وبين شركائه!
تماشيا مع عادتنا التى لا نشتريها.. مر خبر اختفاء أو اختطاف الأستاذ الجامعى والكاتب والأديب حامد عبد الصمد دون أن يلفت انتباه الكثيرين، باستثناء خبر فى صحيفة «اليوم السابع» وفقرة فى برنامج «مانشيت» الذى يقدمه الإعلامى جابر القرموطى، وبعض «البوستات» على الفيسبوك هنا أو هناك، معظمها على الصفحة الشخصية لحامد عبد الصمد.. هذا الصمت المغلف بالتغافل، أو الغفلة المغلفة بالصمت، يمكن إدراك حجمها حين نقارنها مع ردود الفعل فى ألمانيا، البلد الذى حصل عبد الصمد على جنسيته ويعمل فيه منذ سنوات طويلة، فالخبر يملأ الصحف الورقية والإلكترونية، ويتصدر نشرات الأخبار، وتصريحات المسئولين وعلى رأسهم وزير الخارجية الألمانى الذى أعلن عن مسئوليته شخصيا عن مصير عبد الصمد، وسفير ألمانيا فى القاهرة ميشائيل بوك الذى التقى شقيق حامد يوم الثلاثاء لسؤاله عما لديه من معلومات عن اختفاء أخيه قبل أن يجرى اتصالا بالحكومة المصرية لتوضيح مصير عبد الصمد، الذى ظهر بعد ذلك بعدة ساعات، وبعد أخذ أقواله فى قسم الشرطة استقبله السفير الألمانى بنفسه فى الوقت الذى كان فيه المتحدث باسم الخارجية الألمانية يزف إلى الصحفيين خبر ظهور عبد الصمد وسلامته وجلسته مع السفير الألمانى!
من هو حامد عبد الصمد، ولماذا أثار اختفاءه ثم ظهوره كل هذا الهلع والفرح؟
قبل أن يختفى فجأة بعد ظهر الأحد الماضى، عقب مكالمة تليفونية مع حارسه أخبره فيها بأن هناك سيارة سوداء تتعقب سيارته بالقرب من حديقة الأزهر، كان حامد عبد الصمد قد كتب كتابين، أحدهما رواية بعنوان «وداعا أيتها السماء»، وثانيهما دراسة بعنوان «سقوط العالم الإسلامى.. نظرة فى مستقبل أمة تحتضر». والاثنان يثيران الجدل منذ نشرهما قبل سنوات فى ألمانيا ومصر. الرواية بسبب صراحتها المؤلمة، والتى يروى فيها عبد الصمد أجزاء من حياته فى مصر قبل سفره إلى ألمانيا للدراسة، والكتاب بسبب انتقاده الشديد للتفكير الأصولى والسلفى الإسلامى، وللمجتمعات العربية والإسلامية عموما. وكل من الكتابين تسببا فى صدور تصريحات وفتاوى على ألسنة شيوخ التطرف، مثل عاصم عبد الماجد ومحمود شعبان وغيرهما، قاموا فيها بإهدار دم عبد الصمد والمطالبة بقتله!
الاحتمال الأول الذى خطر على بال الجميع لحظة معرفتهم باختفاء حامد عبد الصمد هو أنه تعرض لمكروه من قبل الإسلاميين الذين أهدروا دمه وجعلوا مجرد سيره فى شوارع القاهرة أمرا محفوفا بالمخاطر يستدعى تعيين حرس له. لكن أخاه محمود، على التليفزيون، أشار إلى احتمال ثان هو وجود خلاف كبير بين عبد الصمد وبعض «رجال» أو «مجرمى» الأعمال الذين دخل معهم عبد الصمد فى مشروع استثمارى وقاموا بالنصب عليه فى مبلغ كبير يقترب من مليونى جنيه، وهو الاحتمال الذى تبين صحته بعد يومين كاملين من الاختفاء.
ولكن فى الحالتين، فإن الداخلية المتفرغة حاليا لفرض قانونها ضد التظاهر السلمى، هى التى تتحمل المسئولية عن غياب الأمن وانتشار العصابات المسلحة فى الشوارع فى وضح النهار، خاصة أنها كانت مكلفة، منذ تهديده العلنى بالقتل على شاشات القنوات «الدينية»، بتأمين وحماية عبد الصمد شخصيا.
صحيح أن جرائم الخطف والقتل والسرقة بالإكراه أصبحت من المشاهد اليومية فى مصر المحروسة هذه الأيام، وأن حامد عبد الصمد لو كان مواطنا عاديا أو من غير الحاصلين على جنسية أوروبية، لما وجد من يسأل عنه، وربما كان سيختفى للأبد دون أن تهتز للدولة شعرة. ولكن لحسن الحظ أنه معروف ولحسن الحظ أن ألمانيا وراءه.. وربنا يتولى بقية المصريين برحمته!
على أية حال مبروك لحامد النجاة، وبهذه المناسبة سنحاول تقديم بعض المعلومات عنه للقراء الذين لا يعرفونه.
فى كتابه «سقوط العالم الإسلامى» الذى يهديه لروح المفكر نصر حامد أبو زيد، يكتب حامد عبد الصمد:
« بنيت الحداثة على خمسة أعمدة: العلم، والإنتاج، والاستهلاك، والقوة العسكرية، وأفكار حركة التنوير الأوروبية. ويبدو أن معظم البلدان الإسلامية قد استعارت فقط مبدأى الاستهلاك والتسليح وأهملت ما تبقى من دعائم المدنية الحديثة فتهالكت وشاخت وصارت لا تقدم للبشرية شيئا يذكر.
إن ما نراه اليوم فى عالمنا الإسلامى ليس صراعا بين الحداثة والتراث، كما يزعم البعض، ولكنه حالة احتضار للثقافة العربية والإسلامية التى لم تعد قادرة على طرح إجابات حقيقية لأسئلة العصر الملحة. هى حالة من الارتباك والتشنج الفكرى أودت بالبعض منا إلى الانفصام، وبالبعض الآخر إلى اليأس، وبالآخرين إلى العنف والتطرف. إنها حالة من اليتم الثقافى والفقر الروحانى نحاول أن نخبئها خلف التدين الزائف أو الصراخ المدوى على قضايا تافهة وصورية».
الكتاب، الذى صدر بالألمانية ثم العربية عام 2010، قبل شهور من ثورة يناير، يختتم بالعبارة التالية:
«ستحترق الغابة وسيصعد الدخان إلى السماء. ولكن مع ذلك ستنمو أشجار جديدة من الجذور المحترقة يوماً ما. الحضارات تأتى وتذهب مثل قلعة يبنيها الأطفال من الرمال على الشاطئ. ولكن البحر سيبقى، وستواصل أمواجه المجىء والذهاب سواء كانت هناك قلاع على الشاطئ أم لا!».
أتذكر فى بداية 2011، عقب تنحى مبارك بأيام، كنت أحضر فعاليات مهرجان «برلين» السينمائى فى ألمانيا، وكان كتاب عبد الصمد يتصدر الكتب المعروضة فى المكتبات. لقد تحول إلى شخصية شهيرة فى ألمانيا، خاصة بعد ظهوره فى أحد البرامج التليفزيونية الناجحة، وهو برنامج «سفارى ألمانية» الذى يقدمه مذيع شهير يقوم باصطحاب أحد الضيوف فى كل حلقة إلى بلد جديد.
ليس معنى ذلك أن حامد عبد الصمد يكتفى بنقد المجتمعات الإسلامية، ولكنه ينتقد أيضا العنصرية الألمانية، والتمييز ضد العرب والمسلمين، ومساوئ المجتمع الاستهلاكى الذى يتحول فيه المواطن إلى عبد لإشباع حاجاته الغريزية الأساسية.
ورغم رأيه المعلن فى الأديان والنصوص التى يحولها البشر إلى أصنام متحجرة فاقدة للروح فإن عبد الصمد فى كتابه أكد أن هدفه ليس ذم الإسلام ولا الدفاع عنه، وإنما التعامل مع كيان اجتماعى مريض اسمه العالم الإسلامى، بهدف الإصلاح والعلاج: «المريض لا يشفى بإغلاق عينه عن الحقيقة وتجاهل وصفات الدواء، بل بمواجهة الذات وإدراك أين يكمن أساس المرض».
وهو يفرق بين الدين نفسه وبين أنواع «المتدينين» ويشخص هذا المرض فى موقع آخر بقوله:
«المسلم يؤمن بأن الله يحميه، أما الإسلامى فيعتقد أنه يحمى الله».
فى مقال أخير له نشر فى صحيفة «أخبار الأدب» تحت عنوان: « الإخوان والفاشية .. حين يحلم المهزوم بأستاذية العالم»، وهو جزء من كتاب تحت الطبع عن علاقة الإخوان بالنازية، يكشف عبد الصمد عن الأواصر التى ربطت جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا بنظامى هتلر النازى وموسولينى الفاشى، والتى تجاوزت فى أحيان كثيرة الإعجاب والتأثر والتقليد إلى التعاون المباشر بينهم:
« لو أمعنا النظر فى ظروف نشأة وأفكار حركة الإخوان المسلمين سنجد قواسماً مشتركة كثيرة بينها وبين الحركات الفاشية التى ظهرت فى أوروبا فى نفس الوقت تقريباً. بعد الحرب العالمية الأولى كان موسولينى يحلم بعودة الإمبراطورية الرومانية القديمة، وألمانيا تحلم بعودة بسمارك للثأر من الحلفاء، وراح حسن البنا يحلم بعودة دولة الخلافة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. كلهم كانوا يهربون من الهزيمة إلى أحلام النصر المطل من زمن آفل. كلهم كانوا يستخدمون مصطلحات «التمكين»، «السمع والطاعة» «التطهير»، «أستاذية العالم».
«كان إعجاب البنا بالتجربتين النازيتين واضحا فى رسائله حيث يكتب «فقامت النازية فى ألمانيا والفاشية فى إيطاليا، وأخذ كل من موسولينى وهتلر بيد شعبه إلى الوحدة والنظام والنهوض والقوة والمجد، وسرعان ما خطا هذا النظام بهاتين الأمتين فى مدارج الصلاح فى الداخل والقوة والهيبة فى الخارج، وبعث فى النفوس الآمال الخالدة وأحيا الهمم والعزائم الراكدة، وجمع كلمة المختلفين المتفرقين على نظام وإمام، وأصبح الفوهرر أو الدوتشى إذا تكلم أحدهما أو خطب تفزعت الأفلاك والتفت الدهر.»
يقارن عبد الصمد بين تفكير ومنهج الإخوان ونظيرهم النازى فيكشف عن تشابهات هائلة فيما يتعلق بوجهة نظرهم فى الحزبية والتعددية، وفى عدائهم المستحكم لليسار والعدالة الاجتماعية، وفى أساليبهم الملتوية للاستيلاء على الحكم عن طريق الديمقراطية، ثم الانقلاب عليها.
وفى حوار حديث معه حول ما يحدث فى العالم العربى يطرح حامد عبد الصمد وجهة النظر التى سبق أن طرحها فى كتابه «سقوط العالم الإسلامى» من أن صراع الحضارات لا يقوم بين الغرب والشرق، ولكن داخل الشرق نفسه بين الرجعية والتقدم والماضى والمستقبل، وهو يرى أن الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسى سيسودان المنطقة العربية طويلا لأن الصدمة الثقافية التى تعانى منها المنطقة خطيرة وليس من المتوقع أن تزول سريعا.
فى الصفحات الأخيرة من كتابه «سقوط العالم الإسلامى» يكتب حامد عبد الصمد معلقا على مشهد آلاف الشباب فى الشارع:
«كل ما يحتاجه هؤلاء الشباب هو أن يفتحوا عقولهم وبصائرهم لمبادئ التنوير ويفهموا أن الحرية ليست هدية يمنحهم إياها قائد أو زعيم بل هى حق يغتصب بالمعرفة والوعى وليس فقط بالمظاهرات والاعتصامات والصراخ. التنوير هو الضمان الوحيد أن تتم تعبئة الشعب لتغيير حقيقى مسالم لا ينتهى بنا إلى حرب أهلية».
فهل نعيش لنرى اليوم الذى تتفتح فيه العقول تحت شمس التنوير؟