مستويات حموضة المحيطات ترتفع بوتيرة مما يدفع العلماء الى القول إن الكوكب يدشن عصرًا جديدًا قد تختفي خلاله الاحياء الدقيقة والعديد من انواع الاسماك. يروق للبشر أن يسموا كوكبهم "الأرض، في حين يرى خبراء أن الماء قد يكون تسمية أدق لأن الماء المالح يغطي سبعة اعشار سطح الكوكب.
والأكثر من ذلك أن هذا الماء موطن طحالب وبكتيريا تُعرف باسم الزراقم أو الجراثيم الزرقاء أو سيانوبكتيريا cyanobacteria ونباتات تولِّد نحو نصف الاوكسجين الموجود في الجو. كما أن هذا الماء يمد سكان الكوكب بأغذية بحرية.
وتبين الأرقام أن الأغذية البحرية، هي مصدر 15 في المئة على الأقل من البروتين الذي يستهلكه 60 في المئة من سكان الكوكب. وبالتالي، فإن حالة هذا الماء قضية ذات اهتمام مباشر لمن يعيشون على اليابسة.
ثاني اوكسيد الكربون
وتنقل مجلة الايكونومست عن علماء أن سلامة ماء المحيطات مهددة بسبب تزايد ثاني اوكسيد الكربون في الجو بالارتباط مع الصناعة الحديثة. وهذا الخوف ناجم عن أسباب لا تمت بصلة الى الدور الذي يقوم به ثاني اوكسيد الكربون في الاحتباس الحراري وما يقترن به من تغيّر مناخي. فهو خوف ناجم عن حقيقة أن ثاني اوكسيد الكربون عندما يذوب في الماء ينتج عنه حامض، بحسب هؤلاء العلماء.
ولهذه الظاهرة آثار تدعو إلى القلق، لأن الكثير من المخلوقات التي تعيش في المحيط قشريات أو احياء ذات هياكل عظمية مصنوعة من مادة تذوب في الحامض.
ونُشر مؤخراً تقريران يلخصان حدود ما يعرفه العالم عما يحدث لماء المحيطات. ويتناول التقرير الأول الذي أُعد في كاليفورنيا الجانب العلمي فيما يغطي التقرير الثاني الذي أُعد في موناكو الآثار الاقتصادية لزيادة حموضة المحيطات. وتشير الوثيقتان إلى أن هذه ظاهرة يتعين أخذها على محمل الجد رغم شحة ما يُعرف عنها.
12% خلال ثلاثة عقود
وكانت القياسات المنتظمة لكمية ثاني اوكسيد الكربون في الجو بدأت منذ اواخر الخمسينات، ولكن قياسات حموضة المحيطات لم تبدأ إلا اواخر الثمانينات. وتبين الأرقام أن حموضة المحيطات ارتفعت بنسبة 12 في المئة خلال ثلاثة عقود فقط.
وتوصلت حسابات أخرى إلى أن حموضة المحيطات ارتفعت بنسبة 25 في المئة منذ الثورة الصناعة قبل 250 عامًا. وستبلغ الزيادة في الحموضة 170 في المئة بحلول عام 2100 على أساس الزيادة المتوقعة في انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون بالتوافق مع النمو الاقتصادي المتوقع خلال هذه الفترة .
ويُسمى المتغير، الذي يقلق العلماء مما سيكون عليه العالم في العقود المقبلة، متغير "اوميغا" الذي يحدد حجم التهديد الناجم عن حموضة المحيطات للقشريات وعظام المخلوقات البحرية الأخرى. فإن الكثير من الهياكل العظمية لهذه المخلوقات تتألف من كاربونات الكالسيوم التي يذيبها الحامض. كما تهدد الحموضة تكوين الشعب المرجانية التي تحتاج الى حماية خاصة ضد الحموضة بموجب المتغير "اوميغا".
وتنتشر الحموضة من القطبين الشمالي والجنوبي حيث يذوب ثاني اوكسيد الماء بسهولة في مياههما الباردة، الى المناطق المدارية. ويحذر التقرير العلمي من أن تآكل الشعب المرجانية يمكن أن يتخطى معدلات بنائها بحلول منتصف القرن الحالي، وأن يتوقف تكوين الشعب المرجانية تمامًا بحلول نهاية القرن.
الأسماك
ويسعى تقرير موناكو الاقتصادي إلى تحديد مواطن الأسماك التي ستتأثر بحموضة المحيطات، مشيرًا بصفة خاصة إلى نضوب مواطن الأسماك في المحيط الذي يلتف حول القطب الجنوبي وقبالة ساحل بيرو وتشيلي والساحل الغربي لاميركا الشمالية، حيث تؤثر الحموضة في العوالق التي تتغذى عليها الأسماك.
ولكن التقرير العلمي لاحظ أن ليس كل ما في ماء المحيطات يتضرر بتزايد ثاني اوكسيد الكربون المذاب فيه. ويشير التقرير إلى دراسات تؤيد الفكرة القائلة أن حموضة المحيطات يمكن أن تساعد البكتيريا الزرقاء أو سيانوبكتيريا على تثبيت النتروجين وتحويله الى بروتين. وبما أن عدم توفر النتروجين يُبقي مناطق شاسعة من المحيطات عقيمة نسبيًا فإن هذه العملية قد تكون مفيدة لانتاج البروتين.
عمومًا يبدو الآن أن مستويات حموضة المحيطات ترتفع بوتيرة تزيد عشر مرات على وتيرتها في نهاية العصر الباليوسيني Palaeocene الذي خلف عصر انقراض الديناصورات قبل 65 مليون سنة.
ويعتقد بعض علماء الأرض أن الكوكب يدشن عصرًا جديدًا كما فعل وقتذاك، هو العصر الانثروبوسيني Anthropocene. ولا يُعرف حتى الآن على وجه الدقة ما هي الأحياء التي ستتضرر، وما هي الأنواع التي ستنتفع من هذا الانتقال.