■ على المصريين أن يختاروا بين شبح الحرب الطائفية أو التورط فى حرب بين السنة والشيعة «السيد المحافظ الإرهابى.. أهلا بك فى مدينة الأصنام» هكذا رسم أهالى الأقصر جرافيتى على مبنى المحافظة، وهددوا بإعلان الاستقلال إذا لم يتم إقالة المحافظ.
وكتبوا على اللافتة الموضوعة على ديوان عام المحافظة «عندما يكون الفاشل رئيسا..يكون «القاتل» محافظاً» وذلك احتجاجا على تعيين محافظ ينتمى إلى الجماعة الإسلامية
■ لم يعد الاختيار بين الفوضى أو الإرهاب والحاكم.. فالاختيار الآن: إما مرسى وإما مصر
■ الخيار الاقتصادى إما الإنارة أو السيارة.. فالمفاضلة بين توفير الكهرباء وتوفير البنزين والسولار
يلخص المصريون كل حياتهم بالنكتة، غضبهم وفرحتهم وأمجادهم واخفاقاتهم ومشاكلهم.كل ذلك وأكثر يعبرون عنه بالسخرية الحادة والنكتة اللاذعة. لديهم جهاز رادار يتلقى الأحداث ويرد عليها بالنكتة، وويل للحاكم الذى لا يستمع للنكات ويحللها ويضعها فى حساباته، يتغير الحكام فى مصر سواء بعزرائيل أو بثورة وتظل النكتة هى السلاح الأوحد والاستفتاء الشعبى الحقيقى على رأى المواطن فى الحكام. فى أول 72 ساعة من حكم مرسى وبعد أن أدى اليمين الدستورية ثلاث مرات لإرضاء أهله وعشيرته والدستور والثوار، فهم المصريون اللعبة وظهرت على الفور النكتة. سؤال فى مسابقة من سيكسب المليون لماذا أدى مرسى اليمين الدستورية ثلاث مرات والإجابة مرة له، وأخرى للمرشد والثالثة لخيرت الشاطر، والنكتة الثانية لو عايز مرسى ييجى البيت ويحلف اليمين عندك اتصل ب 0900، ولكن بعد أقل من خمسة شهور من حكمه ظهرت نكتة قاسية ومعبرة.كان مرسى يلقى بخطبة كل صلاة جمعة، وعندما تكاثرت المصائب وطاردته الكوارث قال المصريون (لو المصائب استمرت على هذا المعدل مرسى هيصلى لوحده فى نهاية مدته الرئاسية)، لكن بعد عام من حكم مرسى تحولت النكتة إلى حقيقة، ففي نهاية العام الشؤم إننا أمام خيارين إما مرسى وأهله وعشيرته وإما مصر، فالامر ليس مجرد تعبير بلاغى أو رؤية متشائمة لمصر تحت ظلم الإخوان وفشلهم وغبائهم، ولكن كل الكوارث التى خلفها مرسى وإخوانه تؤدى إلى هذه الحقيقة، وإذا كان مبارك بعد ثلاثين عاماً من الحكم الاستبدادى قد قال حين فاجأته الثورة (إما أنا أو الفوضى)، فإن التطور الطبيعى للحكم الفاشل الغاشم وصل بنا إلى خيار إما مرسى أو مصر، فالخيارات الناجمة عن حكم الأهل والعشيرة قد أوصلتنا إلى نوع كارثى من الاختيارات. مصر بعد أقل من عام فى حوزة الإخوان تتعرض لاختيارات من قاسية ومدمرة فى كل المستويات.خيارات من نوع نستورد قمح عشان العيش ولا نستورد انبوبة البوتاجاز عشان (نطبخ)، نعيش من غير كهرباء ولا من غير بنزين، نقع فى فتنة طائفية وحرب أهلية بين المواطنين الأقباط والمسلمين، أم سنخوض حرباً دينية بين السنة والشيعة. نفاوض إثيويبا عشان سد النهضة ولا نتفق مع أوغندا على تقليل عدد سدودها. نبيع لقطر ولا تركيا. نموت فى سوريا ولا فى سيناء. لقد استهلك مرسى حظوظه وخياراته فى أقل من عام، وهو معدل عالمى لا أظن أن حاكما أو سياسيا قد حققه، وفى ذلك بعض العزاء لمرسى، فعندما يخرج من الاتحادية سيدخل موسوعة جينس للأرقام التاريخية، فقد حقق مرسى الرقم القياسى فى الفشل بأقصى سرعة.
خيار التبعية
1
فى القصر الرئاسى وبجوار مرسى يظهر دوما فى كل الاجتماعات العامة والخاصة المغلقة والمفتوحة أحمد عبد العاطى، فالرجل مدير مكتب مرسى. ليس جديدا انه إخوان، ولكنه نموذج، مجرد نموذج، لمعنى أن تكون إخوان.
وأحمد عبد العاطى يرى ببساطة وبوضوح وعلى بلاطة أن مصر يجب أن تكون مجرد ولاية تابعة لتركيا، ففى فيديو شهير ظهر عبد العاطى وهو يتمنى أن تكون تركيا عاصمة الخلافة الإسلامية.تركيا إحدى القوى الاقليمية الفاعلة، لكنها لم تكن تجرؤ حتى فى أحلامها على أن تكون مصر مجرد تابع لها.كانت تركيا تريد أن تتقاسم أو تتشارك النفوذ مع كل من مصر وربما السعودية وإيران فى المنطقة وفى العالم الإسلامى، ولكن مرسى وإخوانه حولوا مصر من أسد المنطقة، وإن أصابه الضعف، وإن ضربه الترهل إلى مجرد تابع لتركيا، فى إطار العبودية السياسة تحولت مصر إلى مجرد ذراع سياسية لقطر، قطر تخطط ومصر الإخوان تنفذ. قطر تأمر والإخوان يطيعون. لم يكن ثمن الخيار القطرى أو التركى باهظا، وإن كانت مصر ليست للبيع، ولكن كان أقل من 10 مليارات دولار. لم يغير مرسى خيار التبعية قبل الثورة، فيد أمريكا أصبحت أطول وأشد غلظة ووضوحا.سفيرة أمريكا تنصح وتأمر وتلقى تصريحات عن الجيش والاقتصاد والخصخصة تلتقى الوزراء الجدد، بينما رئيسها فى واشنطن يتلقى قيادات المنطقة قطر - الامارات - السعودية، ولكن مصر ليست من ضمن الموضوعين فى ترتيبات البيت الأبيض للمنطقة.يظهر أوباما غضبه على نظام بشار الأسد، فيعلن مرسى الجهاد من قلب القاهرة.يغلق سفارة سوريا ويبقى على سفارة إسرائيل، فأمريكا تحدد قائمة الاعداء وتضع أسماء الاصدقاء لمرسى وأهله وعشيرته. مصر بعد أقل من عام على مرسى تورطت فى التبعية أو العبودية السياسية أكثر وأكثر، وكأن مصر غاصت فى رمال متحركة كل خطوة تؤدى إلى مزيد من التبعية. أو بالأحرى مزيد من تراجع دور مصر.من دولة مؤسسات إلى دولة المرشد، ومن قوة اقليمية وعربية إلى ولاية فى دولة أردوغان للخلافة الإسلامية، ولو تركنا مرسى وأهله لعام آخر فقد تتحول مصر إلى مدينة أو قرية فى ذيل التنين الإخوانى، أو عربة السبنسة فى قطار الخلافة الإسلامية.
خيار الفقر
2
قبل مرور عام واحد على مرسى أصبحت الخيارات الاقتصادية بين السيئ والأكثر سوءا، بين المصبية والكارثة بسبب الازمة المالية وفشل الإخوان اقتصاديا أصبح الخيار كالتالى: إما أن نستورد كميات كافية من المازوت لتشغيل محطات الكهرباء، أو نستورد كميات كافية من البنزين والسولار لتشغيل السيارات خاصة وعامة.بعد عشرة أشهر أصبح الخيارمن نوع تعيش من غير كهرباء أم تعيش بدون سولار وبنزين، تستغنى عن السيارة ولا عن الإنارة، فاحتياطى مصر بدون الودائع الليبية والقطرية والتركية أقل من خمسة مليارات دولار، وهذا الرقم الضئيل يتضمن احتياطى مصر من الذهب، ولم يفكر مرسى فى بدائل، فباستثناء السلف المشروطة، والديون المتزايدة لم يحقق مرسى أياً من وعوده. ضحك على المصريين بالمليارات التى ستنهمر على مصر بمجرد فوزه مرة 200 مليار دولار، ومرة 150 مشروعاً قومياً، فى النهاية، نهاية العام فقط تقترض مصر كل يوم، كل طلعة شمس 200 مليون دولار، حتى قرض الصندوق لم يفلحوا فيه. ولذلك سيصبح الخيار لو استمر مرسى بين استيراد القمح لتوفير رغيف العيش، أو استيراد المادة الفاعلة للدواء للعلاج، فالخيار الاقتصادى أصبح إما أن تموت جوعا أو تموت مرضا.
خيار العطش
3
إذا كان الصمود فى وجه الجوع ممكناً إلى حين، فإن خيار العطش يهدد بانهيار سريع ومتتالٍ لمصر. استلم مرسى مصر وعلاقتنا متوترة باثيوبيا، وكان خطر العطش يأتى من جانب إثيوبيا فقط، وبعد عام أو بالأحرى اقل من عام أصبح لم تتحسن علاقتنا بإثيوبيا، ولكن أصيبت علاقتنا مع دول حوض النيل الأخرى بالتوتر، وأصبح التهديد يأتيك اينما نولى وجوهنا شطر إفريقيا، فبعد فضيحة اجتماع سد النهضة، أعلنت أربع دول من حوض النيل عن بناء سدود جديدة على الانهار، النيل الأبيض والنيل الأزرق، وبعد أن كانت السودان حليفة لنا فى قضية السد، تسببت الاتهامات فى الاجتماع للسودان بتغيير موقفها من السد 180 درجة، باختصار أصبحنا نتعامل وحدنا فى القضية، وبدلا من مواجهة إثيوبيا ودول حوض النيل تطور الأمر وأعربت دول أجنبية مهمة ومؤسسات اقتصادية فاعلة عن غضبها من موقف مصر.لم نخسر إفريقيا فقط فى قضية النهر بل فقدنا سمعتنا الدولية. كل ذلك فى أقل من عام، وفى ظل شبح العطش يشجع مرسى الفلاحين على زراعة الأرز لاستهلاك المياه، فإذا تركنا مرسى يوماً واحداً بعد هذا العام فأكيد أكيد سيكون الخيار هنشرب من مياه البحر أم نشرب من مياه المجارى. فمشروعات ترشيد المياه وتوفير بدائل للمياه فشنك وفشر من الفشر الإخوانى الذى يمارسونه من أول يوم وأول دقيقة من حكم مرسى.
خيار الطائفية
4
إذا كان العطش والشرب من البحر هو خيار موت، فإن ثمة خيار حرب آخر فى عهد مرسى، أقصد فى العام الأول من عهد مرسى.بالطبع لا يبدو على مرسى وأهله وعشيرته أى قلق من إسرائيل أو بالأحرى على إسرائيل، ولكن شبح الحرب الذى يخيم على مصر هو شبح الحرب الدينية. مصر بين خيار إما اندلاع حرب بين المواطنين الأقباط والمواطنين المسلمين أو الحرب بين السنة والشيعة، فى الخيار الأول يتطاول بعض من نجوم عشيرة مرسى وأنصاره على الأقباط والكنيسة، ويصدر بعضهم الفتاوى ضد المواطنة والمساواة، وحرصا على الأهل والعشيرة لا يبدى مرسى لا العين الحمراء ولا حتى النظرة القاسية تجاه هذا التطاول. وهذا التجاوزات. كل الانتخابات التى جرت بعد الثورة لم تسلم من قصص وحكايات ووقائع اضطهاد ومنع وعرقلة مواطنين أقباط من الإدلاء بصوتهم فى الانتخابات. كل مليونية أو مظاهرة أو اعتصام أو اعتراض شعبى لا يخلو من غمز ولمز. فأهل مرسى وعشيرته يتهمون الأقباط بالوقوف ضد مرسى وإخوانه، وذلك فى محاولة لإثارة الفتنة الطائفية، ومن الأقباط للشيعة، فقد ظلت مصر بعيدة كل البعد عن محاولات الوقيعة بين الشيعة والسنة. بل إن الأزهر الشريف قبل ثورة 23 يوليو تنبه إلى محاولات الاحتلال للوقيعة بين السنة والشيعة، فسارع بإعلاء التقريب بين المذاهب، ولكن عهد مرسى أقحم مصر فى حرب دينية، أنصاره من السلفيين يحاربون أى تقارب مصرى - إيرانى، ليس لأسباب سياسية أو دعاوى اقتصادية، ولكن لأن إيران شيعية، فى مصر تم الاعتداء على القائم بالأعمال الإيرانى لأنه شيعى، فى حرب سوريا دعا شيخ الإخوان القرضاوى السنة للجهاد فى سوريا ضد بشار وإيران الشيعة وحزب الله، ومن قلب القاهرة تورط مرسى فى حرب دينية وسط ذقون أهله وعشيرته. هاجم مرسى حزب الله واغلق السفارة السورية، وترك لنا سفارة (صديقه) بيريز، فإذا نجونا من الحرب الطائفية بين المواطنين الأقباط وبين المواطنين المسلمين، فلن ننجو من حرب طائفية بين أهل الدين الواحد بين.. السنة والشيعة.
فالخيارات التى وضع مرسى مصر فيها دوما هى السيئ والأكثر سوءا، الدمار أو الخراب. الكارثة أم المصيبة وذلك عبر عام واحد أو أقل بكام يوم، ولذلك فالحقيقة أن الخيار الوحيد الآن المتاح والمطروح على الساحة هو إما مرسى وإما مصر.ليس هناك بدائل كثيرة لا انتخابات مبكرة ولا استفتاء على استمراره، لا تفاوض ولا مساومة، لا مرسى ولا الشاطر، لا حكومة ائتلافية ولا لجنة لإصلاح الدستور.الإخوانى. كل يوم يمر على مرسى وأهله وعشيرته فى حكم مصر، ينتقص من مكانة مصر ومستقبلها. كل لحظة وكل دقيقة زيادة لمرسى وإخوانه فى السلطة بعد 30 يونيو، خصما من عمر مصر وشبابها وأهلها ونسائها واقتصادها ومالها وأمنها وآمالها. كل خطوة يخطوها مرسى وإخوانه تبعدنا عن مكانة مصر وتاريخها الثقافى وثقلها الحضارى والإنسانى.بعد عام أصبح شعار الإخوان وقراراتهم وحكومتهم ورئيسهم (لا أنا لا مصر) ونحن خيارنا الوحيد والحقيقى هو مصر الحرية والديمقراطية والوحدة الوطنية والحضارة، باختصار مصر بدون مرسى وأهله وعشيرته.