أمريكا ساندت الجماعة لأنها تعهدت بالحفاظ على أمن إسرائيل وشل يد حماس كى لا تطلق صواريخها عليها لا أحد فى أمريكا يهتم بمصر الآن.. فنحن بالنسبة لهم دولة عاجزة منقسمة تحكمها جماعة مريضة نفسياً كارتر يدعو لعقد مؤتمر لمناصرة المرأة المصرية.. وكأنها مثل من يقتل القتيل ثم يمشى فى جنازته
لم تمنع حبات المطر المغسولة بمياه المطر مراهقى نيويورك من الجرى والصراخ فى الشوارع التى أخليت احتفالا بعيد «سان باتريك» بعد أن ارتدوا ثيابا خضراء.. طلبا لمزيد من الخير والخصوبة.
لم يصل الشعور بالتفاؤل إلى بائع الكباب والسميط والهوت دوجز المصرى الذى يقف على ناصية فندقى فى «فيفث افينو».. القلب التجارى للمدينة.. سألنى الشاب القادم من قرية صغيرة فى الشرقية عما يجرى فى بلدنا.. «هل شطبت من الخريطة؟».. «هل ضاعت إلى الأبد؟».
أسئلة من نفس قاموس الرعب سمعتها من أطباء ومحامين ورهبان وجرسونات ورجال أعمال مصريين التقيت بهم فى رحلة أخيرة للولايات المتحدة لم تزد عن أسبوع.. «هل سننجو؟».. «هل سنصحو من الكابوس؟».. «هل ستقوم لنا قيامة من جديد؟».
والأخطر.. أنك تسمع من كل من يقابلك جمل استغاثة من عينة «أوعوا تسيبونا».. «خليكوا معانا».. «ضاعفوا من مقاومتهم».. «لا تتركوا البلد لهم».. فى حالة من الرعب لم يصل إليها المصريون من قبل.. وكأنهم يبحثون عن بطل يقاتل فى معركتهم نيابة عنهم.. أو هم فى الحقيقة لا يعرفون ما الذى عليهم أن يفعلوه فينتظرون المخلص.
إن المواطن عندما يشعر بالخوف يرتمى فى حضن الوطن بحثا عن الأمان.. لكن.. ماذا يحدث والوطن نفسه بسبب من يحكمونه ويخنقونه ويحرقونه ويقتلونه أصبح هو نفسه مصدر الخطر؟
وطن بأكمله فى أزمة.. وأمة بكاملها فى محنة.. يوم قيامة لنا وحدنا.. حرق.. قتل.. قهر.. ضرب.. نهب.. تخريب.. تفجير.. وليس فى الأفق بر للرسو.. أو شاطئ للأمان.
يعيش الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر فى «بلين».. قريته الصغيرة التى تقع فى جنوب جورجيا.. القرية قديمة.. تشبه القرى التى تظهر فى أفلام الكاوبوى.. أما بيته فشديد التواضع.. له سور حديد مدبب.. وحديقة محدودة المساحة.. ويحرسه اثنان من ضباط المخابرات « سكريت سرفيس».. وتحرص زوجته روزلين على تقديم الشاى بنفسها للضيوف والزوار.
لعب كارتر، الذى يوصف بأنه أفشل رئيس أمريكى، دورا مباشرا مؤثرا فى دعم جماعة الإخوان حتى وصلوا إلى الحكم.. وفى لقاءات عامة مع أعضاء منظمته الأهلية يصف الرئيس الحالى باراك أوباما بالفشل.. ولا يبدى إعجابا بحاكم على ظهر الكرة الأرضية سوى بالرئيس المصرى محمد مرسى.. ويعتبره على حد قوله «صديقه العزيز».
سر هذا الحماس للجماعة أنها تعهدت بالحفاظ على أمن إسرائيل.. وشل يد حماس كى لا تطلق صواريخها عليها.. بل ودفعها للتفاوض مع عدو رفضت الاعتراف بوجوده.
كانت الصفقة السياسية المريبة.. واضحة.. أن يعترف الإخوان بمعاهدة كامب ديفيد.. ويعترفوا بها.. ويحافظوا عليها.. وأن ينسوا تاريخهم الطويل فى العداء لها.. وأن يكفوا عن شعارات تحرير القدس.. وفى المقابل يصل إليهم حكم مصر على طبق من كريستال.
وتعتبر معاهدة كامب ديفيد الإنجاز الوحيد الذى حققه كارتر.. فقد شهد توقيعها.. وسعى جاهدا لتأكيده بالكتب والمحاضرات واللقاءات.. بجانب إيمانه الظاهر بأن «صديقه» محمد مرسى هو الأفضل لحكم مصر.. متجاهلا المثل المصرى الشائع: «من لا يرى من الغربال أعمى».
ويجهز كارتر لمؤتمر عن حقوق المرأة يسعى لعقده فى يوليو القادم.. فى القاهرة.. وهى دعوة تثير الدهشة.. فالجماعة وأخواتها من التنظيمات الدينية المتشددة تعتبر المساواة بين الجنسين رجسا من عمل الشيطان.. وتنظر إلى المرأة نظرة دونية.. وتسعى بكل ما لديها من إصرار إلى إلغاء القوانين التى منحتها بعضا من الكرامة الإنسانية.. فكيف يدعم كارتر نظاما يعادى النساء.. وفى الوقت نفسه يفكر فى مؤتمر لمساندتهن؟.. هل يقتل القتيل ويمشى فى جنازته؟
فى رحلة العودة إلى القاهرة كانت على نفس الطائرة مايا مرسى.. المسئولة عن المرأة العربية فى الأممالمتحدة.. قالت لى: «إن الخارجية المصرية لم ترد بالموافقة على المؤتمر حتى الآن.. وأغلب الظن أن المؤتمر فى هذه الحالة سينتقل إلى عمان».
أضافت: إن مصر بسبب تقاعس الخارجية تفقد تدريجيا مناصبها الإقليمية والدولية منصبا بعد الآخر.
ما يثير الاستياء أن وزير الخارجية محمد عمرو ترك مهامه إلى مستشار الرئيس للشئون الخارجية عصام الحداد.. هو الذى يسافر ويفاوض ويتحدث فى المحافل المختلفة.. ليصبح السؤال: لماذا يبقى وزير الخارجية فى منصبه؟.. لماذا لا يستقيل حفاظا على تاريخه وشخصه؟
كانت مايا مرسى بصحبة السفيرة ميرفت التلاوى رئيسة المجلس القومى للمرأة تحضران مناقشات وثيقة حقوق وحريات المرأة فى الأممالمتحدة.. وهى الوثيقة التى اعتبرها النظام القائم فى مصر مدمرة للأسرة.. ومساندة للشذوذ.. وهى اتهامات لا يجوز أن تخرج من نظام يفرق الوطن.. ويقتل أبناءه.. ويدمر مؤسساته.. ويفتت وحدته.. ويلغى حضارته.. ولن يهدأ إلا إذا أصبح خرابة.
لو شئت مشاهدة فيلم سينمائى جديد فلن تدفع أقل من 25 دولاراً.. لكن.. وكالة المخابرات الأمريكية أتاحت الفرجة على فيلم «أرجو» دون مقابل للمسافرين على شركات الطيران الأمريكية.
الفيلم يحاول رد الاعتبار للوكالة بعد أن وصفت بأنها «أكثر المؤسسات قذارة».. خاصة بعد أن فشلت فى التنبؤ بالثورة الخومينية فى إيران.. وعجزت عن حماية السفارة الأمريكية فى طهران.. ولم تستطع إنقاذ الرهائن الذين اعتقلهم الحرس الثورى.. وحسب تقرير سرى كشفت عنه فيما بعد صحيفة واشنطن بوست شبه ما جرى للوكالة هناك بكلب صدمته شاحنة.. فظل يعوى من شدة الألم واحتاج عدة سنوات للشفاء.
فى ذلك الوقت كان كارتر هو رئيس البلاد.. وحاول إنقاذ الرهائن بعملية عسكرية سميت «تاباز».. ساهمت فيها مصر بتسهيل إقلاع الطائرات العسكرية الأمريكية من قاعدة غرب القاهرة.. لكن.. العملية فشلت.. ودفع كارتر الثمن بخسارة الانتخابات الرئاسية التالية.
بعد نحو 34 سنة تحاول الوكالة أن تبرئ ساحتها بفيلم «أرجو» الذى يروى قصة تهريب ستة دبلوماسيين أمريكيين نجوا من حصار السفارة فى طهران.. واختبأوا فى بيت السفير الكندى.. فى انتظار خروجهم من إيران.. وتولى المهمة ضابط مخابرات شاب.. وضع خطته على أساس إقناع السلطات الإيرانية بأن الدبلوماسيين الستة هم طاقم تصوير كندى.. جاء من اسطنبول لمعاينة مناطق تصوير فيلم خيالى هو «أرجو».. وبعد حوادث مثيرة.. يصل الستة إلى طائرة سويس إير.. فى نفس اللحظة التى يكتشف فيها البوليس السرى الإيرانى حقيقتهم.. ولكن.. الطائرة تقلع قبل اعتراضها.. ويكتب لهم النجاة.
الخطة المخابراتية قديمة.. سبق للمخابرات المصرية أن لجأت إليها عند تنفيذ عملية تفجير الحفار الإسرائيلى الذى جاء من كندا لحفر قناة تصل البحر الميت بالبحر الأحمر.. طلب محمد نسيم قائد العملية من المخرج محمد سالم تصوير فيلم فى أدغال إفريقيا فى منطقة قريبة من أذربيجان.. حيث سيفجر الحفار.. ليكون طاقم التصوير غطاء لعمل منفذى العملية.. وخرج الفيلم تحت عنوان «عماشة فى الأدغال».
لكن.. أخطر ما فى الفيلم الأمريكى أنه يسجل ما يفعله المتطرفون عندما يحكمون دولة.. ضرب وسحل المعارضين فى الشوارع.. شنقهم على الأوناش العالية.. وقتلهم رميا بالرصاص دون محاكمات.. وقبل ذلك خداع الشعب بشعارات دينية.. وسياسية.. انتهت بخنق الحريات.. وإضافة دولة جديدة من دول الرعب.. الفيلم المأخوذ عن قصة واقعية يقول ببساطة إن ما حدث فى إيران سيتكرر فى مصر.
على أن اللافت للنظر أن كارتر الذى عاش بنفسه وبحكم منصبه الأسبق حوادث وحقائق الفزع فى إيران لم يتعلم الدرس وساند جماعات تنتمى لنفس الفصيل الخومينى لتتكرر المأساة فى مصر.
وسبب تبييض وجه المخابرات المركزية أن السياسة الأمريكية استغنت عن التدخل بالقوة العسكرية وعادت للوسائل المخابراتية.. خاصة بعد نجاحها فى قتل أسامة بن لادن.. يضاف إلى ذلك أن المخابرات أصبحت تتمتع بوحدات عسكرية محترفة تسمح لها بتنفيذ عمليات شرسة أحيانا.
والنتيجة أن ما دفعت فيه الولاياتالمتحدة مليارات الدولارات كى تحقق أهدافها بالقوة المسلحة فى العراق وأفغانستان حققته فى مصر بالمخابرات دون أن تدفع سنتا واحدا.. مزقت الشعب.. وهددت الأمن.. وتستعد لتسريح الجيش.. كل هذا بترك الحكم للإخوان.. فما الذى تريده أكثر من ذلك؟
ومن جانبهم يخشى الجنرالات من التجربة السابقة السيئة التى مروا بها بعد الثورة.. كما أنهم لا يسعون للسلطة وإن كانوا لا يمانعون فى التحكم فيها عن بعد.. من وراء ستار.
إن الرهان على انقلاب عسكرى لإنقاذ البلاد مما هى فيه.. رهان لا تتوافر له فرص المكسب حتى الآن.
بعد حواره التليفزيونى مع وائل الإبراشى جفف نجيب ساويرس دموعه التى فرت منه على الشاشة وسافر فى اليوم التالى إلى نيويورك.. حيث يمتلك شقة فى شارع (58).. المحسوب على المناطق السكنية الراقية.
لكن.. الأهم.. أن شقيقه ناصف قرر إنشاء مصنع للأسمدة فى «ايوا».. باستثمارات لن تقل عن 700 مليون دولار.. وربما وصلت إلى المليار.. واحتفلت الصحف الأمريكية بالمشروع.. فاقتصاد بلادها فى عرض وظيفة إضافية تخفف من حدة البطالة.. وسبق أن استثمر شقيقه سميح مليارات أخرى فى مشروعات سياحية ضاعفت من قوة الاقتصاد السويسرى.. وهناك بالقطع استثمارات أخرى للعائلة فى أماكن مختلفة متفرقة من الدنيا.
لقد كونت العائلة ثروتها فى مصر حتى وضعت على رأس قائمة الأكثر ثراء فى العالم.. تحملت مصر الكثير حتى وفرت لهم المليارات التى كسبوها فى انتظار أن يعاد استثمارها بما يعود عليها بالفائدة.. لكن.. النظام الجديد الذى يكره نفسه قبل أن يكره الآخرين تصرف بعدوانية وتربص جعلت تلك المليارات تفر قبل أن ينتبه أحد.. واستفاد منها غيرنا.
وتكررت المأساة مع مئات من المستثمرين الصغار والكبار.. نجحوا فى نقل أعمالهم خارج البلاد.. ليجلس الإخوان على تل الخراب الذى فرضوه.. دون أن يبالوا بكل ما يعانى منه المصريون من فقر وقهر وبطالة.
إن النظم لا تدار بالإرهاب.. ورأس المال لا يخلق الوظائف بالابتزاز.. ومن لا يعرف الفرق بين الدولة والعصابة ( أو الفرق بين الحكومة والجماعة ) عليه أن يذهب إلى الجحيم قبل أن يفرضه علينا.
لم يعد أحد فى الولاياتالمتحدة يهتم بمصر.. كأننا سقطنا من قاع الكرة الأرضية إلى الهاوية.. لا كتب.. لا مناقشات تليفزيونية.. لا أخبار فى الصفحات الأولى.. دولة فاشلة.. عاجزة.. منقسمة.. تحكمها جماعة مريضة نفسيا.. لماذا يتعبون أنفسهم بالاهتمام بها؟
وكل ما يهم الإدارة الأمريكية هو أن نظام الحكم الإخوانى يحقق لها مصالحها.. ضمان معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.. ضمان مرور السفن العسكرية والنووية فى قناة السويس دون إنذار مسبق.. ضمان عبور الطائرات العسكرية فى السماوات المصرية دون اعتراض.
ومقابل هذه المصالح تدفع الولاياتالمتحدة للجيش المصرى 1300 مليون دولار سنويا معونة عسكرية يحرص عليها الجنرالات الكبار.. ومع كل ما وفره الإخوان فى الدستور للمؤسسة العسكرية من استقلال مالى لمشروعاتها الاستثمارية لم يعد من مصلحة أحد الخروج على الشرعية.. ولو سجل المصريون جميعا توكيلات بالتدخل.. وتغيير نظام الحكم بالقوة المدرعة.. فلا تراهنوا على ذلك.
هذه خلاصة حوار مع عدد من أعضاء الكونجرس جرى على فنجان قهوة.. كى لا تراهن القوى السياسية إلا على نفسها.