منذ سنوات طويلة والسينما المصرية متعثرة بشكل فادح ؛ منذ موجة أفلام المقاولات وثقافة الانفتاح التى فتحت أبواب الجحيم على المجتمع بأكمله. وحتى ظهور جيل مخرجى الثمانينات اللذين قدموا لنا أفلاما تعتبر من أهم أفلام السينما المصرية وبعض التجارب التى حاولت الصمود بصناعة فنية وليس بمشروع الفيلم التجارى والذى أصبح يشبه الملهى الليلى.. لولا هؤلاء لكانت السينما المصرية ذهبت بلا عودة. واستمرت محاولات القضاء على ظاهرة أفلام المقاولات فترة طويلة حتى انحسرت إلى حد ما ولكنها لم تنتهى ؛ وظلت حالة التردى الثقافى والفنى تزداد يوما بعد يوم وتتضخم المشكلة وفى السنوات الأخيرة ومع التطور التكنولوجى وتبادل الثقافات بسهولة ظهر تيار جديد من السينمائيين المستقلين أو اللذين حاولوا أن يكونوا مستقلين على قدر الإمكان وكان هذا التيار يشتد ويقوى ويسير بخطى جيدة. ثم جاءت الثورة فقلبت الأمور رأسا على عقب ؛ واستهلك الشباب كل طاقاتهم أو بمعنى أدق أستنزفت الدولة طاقة خيرة شبابها وأصبحت وظيفتها الوحيدة هى قتلهم فى الشوارع أو قتل أحلامهم فى وطن يحبهم كما يحبونه.. وحدث أن السينما أصبحت تعانى من مشاكل فادحة خلال العامين السابقين وزادت عليها فى الشهور الأخيرة تلك السلطة الظلامية والدولة التى أصبحت عدو واضح وصريح للمواطن وليس للثوار أو المعارضين فقط وإنما للوطن ككل. والمشاكل التى تجعل السينما فى حالة خطرة ليس متعلقة بالصناعة وحدها وإنما هى انعكاس لما يعانيه المجتمع من مصائب. فالحالة التى يعيشها المجتمع من انحلال فج فى أخلاقياته وقيمه التى انعدمت تقريبا منعكسة على السينما وليس السينما وحدها بالطبع ولكن السينما تحت الأضواء ؛ فنرى كوارث حقيقية قادمة.. فالسينما بطبيعة الحال تتأثر بالمجتمع وكذلك المجتمع يتأثر بالسينما حتى وإن كانت مشوهة ممسوخة فيخرج تأثيرها مشابها لها ولا أحد يستطيع أن ينكر تأثير الفن بشكل عام على الناس ولذلك فالسينما التى نراها فى العامين الأخيرين والتى نتوقع "تطورها" أو تدهورها فى الفترة القادمة هى عبارة عن كارثة حقيقية ولابد من تدخل الدولة " وبالطبع لا أقصد دولة الاخوان" ولكن الدولة كما حدث فى الستينات وما أدراك ما الستينات حيث كانت الدولة تضخ النقود لصناعة السينما لتشتد بعد فترة قلاقل بسبب خروج كبار المنتجين من مصر بعد يوليو 52. و السينما ليست فقط أفلام سيئة.. فى هوليوود مثلا هناك أكثر من كيان ضخم لصناعة السينما ومؤسسات لصناعة النجوم والاعتناء بهم وبعملهم واستمرارية وجودهم مع الحفاظ على موهبتهم وتنميتها بغض النظر عن نوع الثقافة المسيطرة على الأفلام الأمريكية ولكن الاهتمام موجود.. ويوجد كذلك تيارات قوية من المستقلين حيث يوجد مناخ يسمح بهذا ويسمح كذلك بانتشار هذه النوعية من الأفلام وعرضها فى قاعات العرض للجمهور بل وتخطى الكثير منها حدود الولاياتالمتحدةالأمريكية وحاز شهرة عالمية كفيلم "سكارى موفى" على سبيل المثال. فى مصر التيار المستقل يحاول أن يكون قويا ويخرج لنا بين الحين والأخر مخرجا موهوبا تجعلك أعماله تشعر بأن هناك أمل فى تطور فن السينما وليس صناعة السينما فقط.. ولكن الحرب المعلنة على الفن المستقل وعلى كل ما هو مستقل فى ظل سلطة تتغذى على القمع ويعتمد وجودها على الإرهاب تطالب السينمائيين بأشياء لا علاقة لها بالفن ولكنها على علاقة وثيقة بالأمن والأجهزة الأمنية والإمكانيات كلها موجهة ضد الاستقلال وعلى الرغم من ذلك فهو تيار قوى لا يستهان به.. ولكن السينما ليست فنا فقط.. هى فن يحتاج لأن يكون صناعة تحافظ على استمراريته فهو فن مكلف فى إنتاجه وصناعة السينما فى مصر كانت تمر بأزمات كثيرة ولكنها تمر بكارثة حقيقة فى العامين الأخيرين.. وعلى الرغم من التطور والنضج الفنى الذى ظهر فى بعض الفنانين إلا الصناعة تعانى ومن يقوم الأن بدور كل المؤسسات والكيانات السينمائية من إنتاج ورعاية نجوم وتقديم نجوم جدد هو السبكى.. منفردا. والحقيقة أن الرجل مشكورا يقوم بإنتاج أكثر من ثمانين بالمائة من الإنتاج الضئيل فى العامين الماضيين.. والحقيقة التى لا يمكن إنكارها أيضا أنه لولا السبكى لانهارت صناعة السينما المصرية ولكن وجود السبكى منفردا على الساحة الإنتاجية يحافظ على الحد الأدنى من الصناعة كى لا تنهار تماما ولكنه يؤدى سريعا إلى انهيار كل المعايير الفنية والثقافية ويعكس حالة التردى الثقافى والإجتماعى التى وصلنا إليها وبلا أى رتوش.. فالجميع مجبر على الخضوع والعمل مع السبكى والحقيقة أن الرجل بالفعل يحاول الإبقاء على الصناعة ولكنه فى النهاية تاجر وهو نفسه لا ينكر هذا والحقيقة أيضا أننى فى هذا المقال لا أوجه أى نقد من أى نوع للسبكى فالحقيقة التى أكررها مرة أخرى هى أنه لولا وجود السبكى لكان الإنتاج السينمائى الأن شبه متوقف.. ولكن نوعية الأفلام التى يتم إنتاجها والنجوم اللذين تتم صناعتهم حاليا على يدى السبكى ومخرجيه إذا استمرت وحدها فان إنهيار الصناعة سيكون أفضل تأثيرا على المجتمع.. ومن الواضح أنه حتى "المؤسسة" الفنية -إن جازت التسمية- هى مسخ أخر من مسوخ مؤسسات تلك الدولة التى لم تعد سوى هياكل فارغة وجبت إزالتها للبناء مرة أخرى على أسس قوية متينة. إن استمرار "صناعة" السينما بهذه الطريقة سيقودنا إلى نفس الدائرة المفرغة مرة أخرى فهذا هو ما يطلبه الجمهور ؛ وهذا ما يصنعه التجار ؛ فقاعدة التجارة "أن الزبون دائما على حق".. أما الفن فهو رؤية فنان يطرح رؤيته للجمهور ليشاهدها ليس تاجرا يعرض ما يريده الزبائن من "بضائع"