أسوان تستعد لإطلاق حملة «اعرف حقك» يونيو المقبل    القنوات الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في دوري المحترفين لكرة اليد    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    برلمانية تطالب بوقف تراخيص تشغيل شركات النقل الذكي لحين التزامها بالضوابط    العاهل الأردني يؤكد ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لتكثيف إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    يورو 2024 - رونالدو وبيبي على رأس قائمة البرتغال    مفاجأة مدوية.. راشفورد خارج يورو 2024    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    محكمة بورسعيد تقضي بالسجن 5 سنوات مع النفاذ على قاتل 3 شباب وسيدة    ضبط 4 أشخاص بحوزتهم 6 كيلو حشيش فى الدقهلية    زوجة المتهم ساعدته في ارتكاب الجريمة.. تفاصيل جديدة في فاجعة مقتل عروس المنيا    الإعدام لعامل رخام قطع سيدة 7 أجزاء بصاروخ لسرقتها فى الإسكندرية    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    النطق بالحكم على مدرس الفيزياء قاتل طالب الثانوية العامة بعد قليل    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    السيسي يستقبل مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية ويؤكد على دورها في نشر وتعميق المعرفة والعلم    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جهاد الدينارى تشارك فى المحور الفكرى "مبدعات تحت القصف" بمهرجان إيزيس    كيت بلانشيت.. أسترالية بقلب فلسطينى    محافظ الفيوم يترأس اجتماع اللجنة الاستشارية للسلامة والصحة المهنية    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    رئيس الوزراء يتابع عددًا من ملفات عمل الهيئة المصرية للشراء الموحد والتموين الطبي    «الرعاية الصحية» تدشن برنامجا تدريبيا بالمستشفيات حول الإصابات الجماعية    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    الجلسة التحضيرية الرابعة للمؤتمر العام للصحافة مع القيادات الصحفية، اليوم    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    أسعار طن الحديد فى مطروح وسيوة اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دبى .. ناطحات السحاب.. أساطير وحكايات
نشر في الفجر يوم 10 - 11 - 2012

كانت دبي قرية صغيرة للتجارة وصيد الأسماك على ساحل الخليج العربي في موقع بر دبي الحالي إلا أنها سرعان ما تحولت إلى واحدة من أروع مدن العالم العصرية وشكلت مثالا حيا على التناغم والتمازج الذي يجمع منازل الجص في منطقة الفهيدي التاريخية مع ناطحات السحاب المذهلة واليوم تنبض هذه المدينة الحديثة بثقافات لأكثر من 200 جنسية .
وبالرجوع إلى تاريخ هذه المدينة نجد أن دبي برزت كيانا مستقلا منذ القرن الثامن عشر عندما كانت قرية للصيد والغوص وكان لسياسة حكامها من آل مكتوم الكرام دور كبير في إنعاشها وتحويلها إلى مدينة تجارية واسعة إلى ان أصبحت ناطحات السحاب تعانق الغيوم والمراكز التجارية الفخمة تنتشر في كل مكان مما منح المدينة مكانة هامة على خريطة الشرق الأوسط خاصة والعالم أجمع .
وفي هذا الصدد يقول المهندس رشاد محمد بوخش مدير إدارة التراث العمراني ببلدية دبي وباحث في التراث والآثار: مدينة دبي بحكم موقعها الجغرافي المميز وتوسطها طرق التجارة بين الشرق والغرب واعتمادها على النشاط التجاري تحولت من قرية صغيرة للصيد والغوص إلى مدينة للمال والأعمال واليوم تحظى دبي بأفضلية لا تضاهى في ربط الأسواق ببعضها البعض من الشرق الأقصى وصولا إلى الولايات المتحدة مما جعلها مركزا تجاريا وماليا عملاقا .
ويضيف: رغم أن تاريخ المنطقة ودبي خصوصا لم يجر تدوينه بدقة كما هو مطلوب إلا أنه وبعد أن كشف النقاب عن بعض المستوطنات التاريخية تبين أن الحضارة في هذه المنطقة قد بدأت منذ حوالي أربعة آلاف سنة وتمثل ذلك في استيطان مجموعة صغيرة من السكان على سواحل الخليج العربي حيث احترفوا مهنة الصيد والغوص للبحث عن اللؤلؤ ومنها تكونت دبي الحديثة وشكل خور دبي مأوى لأولئك السكان الذين مارسوا التجارة عبر البحار والمحيطات أو بالقوافل بين وادي الرافدين شمالا وعمان جنوبا .
ويتابع: اكتشف العلماء خلال السنوات القليلة الماضية مئات من اللقى الأثرية بما فيها الفخاريات والخزفيات والأسلحة والعملات النقدية وجميعها تشير إلى وجود حضارات يعود تاريخها إلى الألف الثالث والثاني قبل الميلاد ويمكن مشاهدة تلك المجموعات التاريخية في متحف دبي .
من ناحية ثانية يضيف بوخش ان الآثار الموجودة في دبي هي من أقدم المواقع المكتشفة في المنطقة فموقع الصفوح التاريخي تعود عمارته إلى الفترة الهلينستية ويعود تاريخه للألف الثالث قبل الميلاد وعثر فيه على مدفن دائري مقسم لست غرف مبنية من الحجارة الرملية المشذبة مليئة بالهدايا الجنائزية وحول المدفن ثلاث حفر مليئة ببقايا العظام مما يدل على استخدام المدفن عدة مرات .
وعن موقع القصيص الأثري يقول مدير إدارة التراث العمراني ببلدية دبي: القصيص من أقدم المستوطنات البشرية وأكبرها وتعود إلى الألفين الثاني والأول قبل الميلاد بدأ التنقيب فيها منذ ستينيات القرن العشرين وتم اكتشاف ما يزيد على مائتي مدفن بأشكال وأحجام متنوعة بعضها مستطيل والآخر بيضاوي وبعضها مسطح .
ويتابع: تعد قرية حتا من المناطق الأثرية في دبي إذ تحتوي على مجموعة من المدافن القديمة التي ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد وتم العثور على مجموعة من الرسوم القديمة على أحجار متنوعة الحجم أما موقع جميرا فيعتبر محطة تاريخية مهمة في منطقة الخليج ويعود تاريخه إلى العصر الإسلامي الأول حيث تم العثور على مجموعة من المباني التاريخية التي تدل على أشكال الفن المعماري في العصور الإسلامية من أقواس وزخارف بالإضافة إلى مقتنيات فخارية وزخارف جصية وعملات معدنية .
وحول تاريخ دبي الحديث يقول: دبي الحديثة يرجع تاريخها إلى العام 1833 ميلادي حيث كانت قرية صغيرة في بر دبي استقر فيه فرع من قبيلة بني ياس القادمة من إقليم الظفرة وأقاموا تجمعا سكانيا صغيرا عمل في تجارة اللؤلؤ والغوص مع أنشطة تجارية متنوعة .
ويضيف: اعتبرت دبي الميناء الخليجي الأول للمنطقة منذ العام 1903 ميلادي ومع مطلع القرن الماضي اشتهرت بأسواقها الممتدة على ساحل الخليج وقد كان لتجارة اللؤلؤ الأثر الأكبر في جعل دبي مركزا رئيسيا غير إن اكتشاف اللؤلؤ الصناعي في الثلاثينيات أسدل الستار على هذه الصناعة محليا ولكن قدرة سكان دبي على إيجاد البدائل مكنتهم من التغلب على هذه الأزمة فتحولت دبي إلى مركز هام لتجارة الذهب وغيرها من السلع .
وذكر بوخش ان حصن الفهيدي شيد في عام 1799 ميلادي والذي يضم في جانب منه متحف دبي وقد أقيم كسكن للحاكم بالإضافة لحماية المدينة وافتتح رسميا كمتحف في عام 1971 بعد أعمال صيانة استمرت لمدة ثلاث سنوات ويحتوي المتحف على معروضات تقدم صورة واضحة عن طبيعة الحياة قبل اكتشاف النفط في المنطقة بالإضافة إلى المظاهر التراثية التي تمثل الطبيعة كالخور والمنازل التقليدية والمساجد والأسواق ومزارع النخيل والحياة الصحراوية والبحرية.

ويشير إلى ان أكثر المعروضات روعة وجمالا لوحات الغوص التي تصور مهنة الغوص على اللؤلؤ وأدوات الغوص مثل الفطام والبلد والشمشول والديين والمفلقة والموازين والمنخل التي استعملها تجار اللؤلؤ وهناك أيضا اللقى الأثرية التي تشير إلى وجود حضارات يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد .

وتطرق في حديثه عن مناطق دبي في ذلك الوقت بالقول: بعد أن استتب الأمن في دبي توافد عليها الناس وأخذت تكبر فانقسمت إلى ثلاثة مناطق رئيسة أولها ديرة على الضفة الشرقية للخور وهي المنطقة الأكبر والمركز التجاري الرئيس وبر دبي والشندغة على الضفة الغربية للخور وكان يفصل بين الشندغة وبر دبي حاجز مائي يدعى )الغبيبة( وعادة ما كان الخور يغمر هذه المنطقة بمياهه عندما يحدث المد وتقع منطقة الشندغة على شريط طويل من اليابسة يفصل البحر عن الخور وكانت الشندغة أصغر منطقة من المناطق الثلاث وهي عبارة عن منطقة تجمع سكني رئيس وهي مكان إقامة الحكام بمن فيهم الشيخ سعيد بن مكتوم بن حشر -رحمه الله - ومنزله مازال موجودا في منطقة الشندغة إلى يومنا هذا .

ويصف بو خش دبي قبل أكثر من مائة عام قائلا: في ذلك الوقت بنيت المنازل بمواد بسيطة مثل جذوع وسعف النخيل )العرش( ومن ثم استخدمت الحجارة البحرية والجص في البناء ومع ازدهار تجارة اللؤلؤ ظهر الترف في أنماط البناء حيث استعملت الحجارة البحرية مع بناء أبراج التهوية )البراجيل( التي تعتبر من الوسائل الأولى للتبريد وحرص السكان على استخدام نمط في البناء يناسب الجو القاسي في المنطقة لذا فإن المنزل كان يشتمل على فناء داخلي يدعى )الحوي( مع وجود برج للتهوية )البارجيل( الذي يلتقط الهواء من مختلف الاتجاهات ويدفعه بقوة على شكل تيار هوائي إلى داخل المنزل .

وأردف: صاحب ذلك حياة تجارية ومهن حرفية مثل مهنة بناء السفن للغوص على اللؤلؤ والتجارة وبدأت أسواق دبي تنتعش وضاع صيتها وجذبت التجار في القرن التاسع عشر حيث توافدوا بسفنهم من الهند وإيران والساحل الشرقي لإفريقيا .
ومضى يقول: في حين تشتهر المدينة اليوم بالحركة والعدد الذي لا يحصى من السيارات السريعة الفارهة كان أهالي المدينة منذ فترة نصف قرن يعتمدون في تنقلاتهم على الجمال والمراكب الشراعية والعبرة اما اليوم أصبح المترو يطوف شوارعها وطائرات ال380 أ العملاقة تئز في فضائها ويمارس سكانها التزلج على المنحدرات الثلجية في الأماكن المغلقة.
وفيما يخص الطرق والمواصلات يضيف: حتى منتصف القرن الماضي لم يكن في دبي شبكة طرق بل أن طرقها كانت عبارة عن ممرات ومدقات ترابية ضيقة لا تسمح بمرور السيارات وبما أنه لم تكن هنالك جسور على الخور تصل بين شطري دبي فقد ترتب على الناس أن يتحملوا رحلة مضنية للانتقال من ضفة إلى أخرى وذلك بالدوران حول نهاية الخور أو التنقل بواسطة العبرة وهي عبارة عن قارب صغير يسير بالتجديف ينقل الناس من ضفة إلى أخرى واستخدم الأهالي القوارب الصغيرة للوصول إلى البواخر الراسية بعيدا عن سواحل الخور.

ويؤكد بوخش ان أسواق دبي منذ منتصف القرن الماضي كانت تعج بالبضائع القادمة من كل أنحاء العالم بسبب نشاط تجارها الملحوظ في ذلك الوقت وإلى اليوم فقد ذكر كثير من الرحالة الغربيين هذا الأمر على سبيل التعجب ووصف ج.ج لوريمر في كتابه دليل الخليج عام 1908 السوق في ذلك الوقت بأنه منطقة تجارية تعج بالنشاط والحيوية وتقع في منطقة ديرة وتتكون من 350 محلا تجاريا وبذلك أعتبر أكبر سوق في المنطقة ويصل بين هذه المحلات ممرات مسقوفة حيث يجلس التجار مع بضائعهم في محلات بسيطة وكانوا يستخدمون المصابيح الزيتية لإضاءة مخازنهم أو محلاتهم وعند إغلاقها يستخدمون هذه المصابيح لإنارة طريق العودة إلى المنازل لعدم وجود شوارع بل كانت سكيك عبارة عن ممرات ضيقة شديدة الظلام

وفيما يتعلق بالانطلاقة الثانية لدبي يضيف: الانطلاقة الثانية لدبي كانت بعد الحرب العالمية الثانية ولم يحل عام 1950 حتى كانت هناك مجموعة من المؤسسات التي شكلت نواة التخطيط الجديد للمدينة حيث وجد البنك البريطاني للشرق الأوسط ومكتب للبريد ومكتب شركة تطوير النفط المحدودة وتم بناء أول مستشفى وسميت مستشفى آل مكتوم.
ويتابع: بعد ان شارك المرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم -طيب الله ثراه- في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939 حيث عين وليا للعهد وتولى مقاليد الحكم في الإمارة عام 1958 وخلال فترة حكمه التي استمرت حتى عام 1990 تصدى لعدد من المعضلات بحنكة واقتدار ورؤية ثاقبة .

ويقول بوخش: بفضل الخور أخذت دبي تستعيد نشاطها في أوائل الخمسينيات بعد فترة كساد سبقت ذلك مباشرة ونظرا لمحدودية الأرصفة كانت المراكب الخشبية التقليدية الكبيرة تضطر إلى الرسو كل ثلاث جنبا إلى جنب في الخور الذي يبلغ طوله تسعة أميال وكان الشيخ راشد يرى أن الاضطراب الناجم عن قلة عدد الأرصفة تسبب في التهرب من الضرائب التي كانت دبي في أمس الحاجة إلى عائداتها آنذاك وبدا الشيخ راشد يتحدث في مجلسه حول ضرورة تقديم المزيد من التسهيلات في الخور لإنعاش القدرات الاقتصادية على أن ثمة ظاهرة سلبية بدأت تطل برأسها وهي أن الخور بدأ يمتلئ بالطمي بدرجة تنذر بالخطر مما يعيق حركة الملاحة فيه وكان الشيخ راشد على دراية بهذا الأمر فكلف المستشارين بإجراء مسح للخور ووضع الخطط الكفيلة بفتح الممر المائي بصفة دائمة ومن اجل ذلك تعاقد مع شركة نمساوية بتكلفة تقديرية بلغت 400 ألف جنية إسترليني .

ويضيف: في عام 1959 قرر الشيخ راشد بن سعيد تحويل المدينة إلى مركز تجاري رئيسي فعمل على تجديد خور دبي لتمكينه من استيعاب السفن التجارية الكبيرة فأخذ الضجيج المنبعث من حركة الحفارات الميكانيكية والآليات الثقيلة والرافعات يقض هدوء المدينة وكان الشيخ راشد يزور مواقع العمل على الخور عدة مرات في اليوم للوقوف على سير تنفيذ المشروع ولم يمض وقت طويل حتى كانت حكومة دبي تجني ثمار هذا المشروع حتى قبل أن يكتمل فقد أمر الشيخ راشد باستخدام حصيلة الحفر من الصخور والطمي لردم المنطقة المنخفضة على جانبي الخور وخاصة الشريط الطيني المواجه لبر ديرة وهكذا توفرت أراضي جديدة على البحر في موقع من أهم مواقع المدينة واخذ الشيخ راشد يبيع مساحات واسعة من هذه الأراضي مستفيدا من عائداتها في تغطية جزء من تكاليف تطوير خور دبي ومع نهاية عام 1960 كانت شركةهالكرو قد فرغت من تنفيذ مشروع تحسين مرفأ دبي وأصبح الخور قادرا على استقبال سفن ذات غاطس بعمق ثمانية أقدام وتحقق أمل الحكومة في ان تؤدي عملية توسيع الخور وتطوير البنية الأساسية للمرفأ إلى بروز دبي كمركز تجاري رئيس على طول الساحل المتصالح وحقق المشروع نجاحا باهرا وزادت عوائد الرسوم الضريبية وكان هذا المشروع هو أضخم مشروع تنموي شهده الساحل المتصالح حتى ذلك الحين.

ومضى يقول: تغيرت الصورة النمطية للخور إذ اعتاد الأهالي على عبور الخور والانتقال بين ضفتيه سيرا على الأقدام وقت جزر مياه البحر قبل عمليات التجريف الكبرى التي عمقت الخور وجعلته صالحا للملاحة على مدار العام ولكن هذه الصورة انتهت تماما .

ويسلط الضوء على الخطوة الثانية بالقول: كانت الخطوة الثانية التي قرر الشيخ راشد اتخاذها هي إنشاء جسر يربط بين ديرة وبر دبي حيث كان من الصعب جدا الطواف حول الخور لذلك أراد أن يربط بين طرفي المدينة بطريق معبد يسهل السير عليه وبدأت الأشغال في بناء جسر آل مكتوم ذي الاتجاهين بعد أن نجح الشيخ راشد في الحصول على قرض بقيمة 190 ألف جنيه إسترليني وانتهى العمل في بناء أول جسر يربط بين ديره وبر دبي في عام 1962 وقام الشيخ راشد بافتتاحه في ذلك العام معلنا بداية مرحلة جديدة من الحياة التجارية في المدينة أما المعابر الأخرى الموجودة حاليا على خور دبي فهي معبر الخليج التجاري ونفق الشندغة وجسر آل مكتوم وجسر القرهود والجسر العائم .
وضح ان الشيخ راشد كان مصمما على أن تصبح دبي إمارة نفطية خاصة بعد أن بدأت بوادر الانتعاش تظهر في اقتصاديات دول مجاورة مثل المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وبعد أن أظهرت تقارير جيولوجية مؤشرات ايجابية على وجود النفط في دبي منحت حكومة دبي شركة الاتحاد الشرقي امتياز التنقيب عن النفط في أراضيها في عام 1937 وأصرت دبي على توظيف مواطنين من دبي في الشركة إلا ان اندلاع الحرب العالمية الثانية أوقف عمليات التنقيب عن النفط في دبي مما اجل دخولها عصر الازدهار النفطي .

وينوه إلى ان عمليات استكشاف النفط استؤنفت بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ولم يكن الشيخ راشد الذي كان يقوم آنذاك بالتفاوض بالنيابة عن أبيه يشعر بالارتياح تجاه الشروط التي كانت تنص عليها اتفاقيات التنقيب عن النفط مع بعض دول المنطقة والتي تحصل بموجبها حكومات تلك الدول على عشرين بالمائة فقط من الأرباح وقد استطاع الشيخ راشد ببراعته التفاوضية ان يطالب بحصة متساوية من الدخل المحصل من النفط مناصفة مع الشركات النفطية العاملة في الإمارة وقبلت الشركات بشرط الشيخ راشد مع ذلك فان اكتشاف النفط في المناطق البرية لم يصادف نجاحا على إن الجهود لاستكشاف النفط لم تتوقف حتى تم العثور على الذهب الأسود في المناطق البحرية وبالتحديد في حقل (فاتح) في عام 1966 فكان ذلك إيذانا بدخول دبي عصر النفط وقد اختار الشيخ راشد بنفسه اسم فاتح لأول حقل نفطي من باب التفاؤل وليكون بمثابة فاتحة خير على البلاد وشعبها .

ويضيف بوخش: بدأت دبي إنتاج النفط رسميا في عام 1969 وتم شحن أول ناقلة بالبترول في 22 سبتمبر 1969 بحمولة 180 ألف برميل وفي التاسع من نوفمبر 1970 تم اكتشاف حقل النفط الثاني في جنوب غرب حقل /فاتح/ وبدأ إنتاجه في عام 1972 وتوالت بعد ذلك عمليات استكشاف النفط في دبي .

ويتابع: مع اكتشاف النفط في دبي أواخر الستينات تغير كل شيء إذ انتعش الاقتصاد وتوافد التجار للاستقرار في المدينة كما بدأ تصدير النفط الخام الذي غمرت عائداته خزائن مدينة دبي وبحلول عام 1973 أصبح الدرهم الإماراتي عملة رسمية .
ويؤكد ان الفضل إلى تطور مدينة دبي يعود إلى المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم - طيب الله ثراه-وقد خلفه على درب التطور والحداثة المغفور له بأذن الله تعالى الشيخ مكتوم بن راشد بن سعيد آل مكتوم - طيب الله ثراه-ويتمم درب التطور والحداثة والمعاصرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" .
وفيما يتعلق بالمحطات التاريخية التي مر بها تطور النقل والمواصلات الجوية في المدينة.. في عام 1937 هبطت أول طائرة على خور دبي تابعة للخطوط الملكية البريطانية وفي منتصف الثمانينات بدأ الترويج للمدينة كوجهة سياحية وشيدت دبي مطارا صغيرا ولكن مع تطور الإمارة السريع والمطرد توسع مطارها ليصبح من أكبر المطارات العالمية وفي عام 2009 افتتحت دبي المرحلة الأولى من أكبر مطار في العالم وهو جزء من مشروع متكامل /دبي وورلد سينترال/ كذلك تمتلك دبي أكبر شركة طيران في العالم وهي طيران الإمارات بالإضافة إلى شركة فلاي دبي الاقتصادية .

يذكر ان مطار آل مكتوم الدولي سيصبح عند اكتماله أكبر مركز في العالم لنقل الركاب والشحن بطاقة استيعابية قصوى تبلغ أكثر من 12 مليون طن من البضائع سنويا وما يزيد على 120 مليون مسافر سنويا .
ويؤكد الباحثون ان من أهم المحطات التي مر بها تاريخ دبي المعاصر أنشاء برج العرب عام 1999 والذي يعتبر أفخم فندق في العالم الأمر الذي عزز سمعة المدينة كوجهة سياحية راقية كما افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "رعاه الله" برج خليفة رسميا في 4 يناير 2010 ليصبح البناء الأعلى في العالم بعد ان بدأ العمل بتشييده في يناير 2004 .

وبلغت تكلفة إنشاء برج خليفة 5ر1 مليار دولار منذ بدء إنشائه عام 2004 وعدد طوابقه تجاوز 200 طابق ويقيم ويعمل في البرج نحو 12 ألف شخص في ما يشبه المدينة العمودية.
وتم افتتاح أول شبكة مترو في إمارة دبي في 9 سبتمبر2009 واعتمد على أكثر من 50 محطة وهو الأول من نوعه في المنطقة وبعد سنتين من افتتاح الخط الأحمر افتتح الخط الأخضر و يعتبر مترو دبي أطول مترو أوتوماتيكي في العالم ويعمل من دون سائق وهو صديق للبيئة حيث أنه كهربائي بالكامل .

واليوم تحتضن شواطئ دبي أبرز ثلاث أيقونات عمرانية موجودة في منطقة الشرق الأوسط وهي جزر جميرا وجبل علي وديرة وكانت قد احتفلت شركة نخيل وهي الشركة المطورة للمشروع بوصول أول دفعة من السكان لجزيرة النخلة-جميرا في نهاية عام 2006 وتعتبر جزيرة النخلة جميرا الآن أكبر جزيرة من صنع الإنسان في العالم ولكن عند اكتمال جزيرة النخلة-ديرة ستكون أكبر جزيرة من صنع الإنسان في العالم وستكون أكبر بثماني مرات من مساحة جزيرة النخلة-جميرا وخمس مرات أكبر من جزيرة النخلة-جبل علي .

وأصبحت دبي مدينة عالمية تقف شامخة بين أمواج الخليج العربي وبين أحضان رماله الذهبية وهي مدينة جمعت المجد وذاع صيتها في أرجاء المعمورة حتى أصبحت قبلة للسائحين ومقصدا للتجار والمستثمرين وملاذا لكل من ينشد الأمن والاستقرار .

وتجمع دبي أو "فينسيا الشرق" كما يحلو للبعض ان يسميها بين ميزتين كونها مركزا تجاريا عالميا وكونها مقصدا سياحيا يضاهي أرقى المنتجعات السياحية في العالم وعرفت كيف تمزج بين تقنية القرن الحادي والعشرين وبساطة وعراقة الزمن القديم وفي هذا التباين يكمن سحر دبي ونكهتها وفرادتها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.