استخدموهم فزاعة للمصريين والعسكرى ثم أخرجوهم من المولد بلاحمص ■ باعتراف السفارة الأمريكية: الإخوان كانوا يراقبون صعود السلفيين منذ سنة 2009 وشعروا بالرعب منهم بعد ثورة يناير ■ قبل أن يصلوا إلى الحكم راقبوا مقراتهم ورصدوا اتصالاتهم بالعسكرى ومصادر التمويل.. فهل ينتقمون منهم بعد الوصول للحكم؟
خالد حنفي
لم يكن غريبا على جماعة الإخوان أن تخون السلفيين.. لم يكن غريبا أن تخرجهم من مولد الحكومة بلا حمص.. الخيانة عقيدة إخوانية.. لن يتخلوا عنها حتى لو وضعنا الشمس فى يمينها والقمر فى يسارها، لا يمكن لأحد أن يلوم هذه الجماعة على خيانتها.. اللوم كله يقع على من يصدقها.. هنا يمكنك أن تلوم القوى السياسية التى لدغت من جحر الإخوان ألف مرة لكنها تعود إليها وترتمى فى أحضانها متخيلة أن الخير ربما يأتى من هذه الجماعة الخطرة.. يمكنك أن تلوم الشخصيات التى انضمت إلى صفوفها وساندت مرشحها وهى الآن تأكل أظافرها ندما.. نفس الجحر لدغ منه السلفيون.. استغلت الجماعة سذاجتهم السياسية واستخدموهم فزاعة فى معارك كثيرة حتى لا يجد المصريون أمامهم سوى حضن الإخوان.. منها معركة الدستور، خاصة فيما يتعلق بتطبيق الشريعة.. الإخوان يعرفون جيدا أن السلفيين يريدون تطبيق الشريعة بحذافيرها بينما الجماعة –الإخوان- يعنيها التشريع قبل الشريعة.. بينما يعتبر السلفيون تطبيق الشريعة بحذافيرها هى مسألة حياة أو موت وهو ما وعدتهم الجماعة بتحقيقه فى حال فوزهم بانتخابات الرئاسة.. تراجع الإخوان فى هذه القضية وصدروا السلفيين لمواجهة باقى القوى المدنية.. ينهشون فى بعضهم بعضًا بينما يبقى جسد جماعة الإخوان سليما معافى لا يمسه أحد بسوء.. السلفيون أيضا هم من تصدروا المشهد فيما أسموه بالخطر الذى يهدد الجمعية التأسيسية.. هم من أعلنوا أنهم سينزلون إلى الميادين ويدخلون فى اعتصام مفتوح.. إذا أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكما ببطلان الجمعية.. السلفيون هم من هددوا وتوعدوا بينما خرج محامى الإخوان ليقول فى نبرة هادئة إن هناك من يريد تعطيل كتابة الدستور.. مشيرا إلى المجلس العسكرى، ونسى المحامى أن جماعته نفسها هى من تعمدت تعطيل كتابة الدستور من البداية.. كانوا يريدون أن ينفردوا بكتابته بعد أن يرحل المجلس العسكرى وبعد انتخابات الرئاسة.. بل إنهم كتبوا الدستور وانتهوا منه فقط فى انتظار اللحظة المناسبة للإفراج عنه.
لن يرضى الإخوان عن السلفيين مهما قدموا.. لن يرضوا عنهم.. فهم لا يريدون لقوة أخرى أن تنافسهم، لذلك يخشى الإخوان من تحول السلفيين إلى تنظيم حتى لا ينسف ما يتميزون به.. الجماعة تعرف أن السلفيين خطر عليها.. ليس من بعد الثورة وإنما من قبلها بفترة، وهو ما عبرت عنه برقية دبلوماسية كتبتها السفارة الأمريكية فيما يعرف بوثائق ويكيليكس جاء فيها «قادة الإخوان غير مرتاحين على الأقل منذ سنة 2009 وهم يشاهدون أعضاءها الأصغر سنا وأكثرهم فى المناطق الريفية وقد أصبحوا بشكل متزايد سلفيى التوجه».. لكن شعور الجماعة بهذا الخطر بدا جليا بعد ثورة 25 يناير.. عندما تخلى السلفيون عما كانوا يؤمنون به من أن الخروج على الحاكم حرام شرعا ونزلوا ملعب السياسة.. شعرت الجماعة بخطر السلفيين عندما ملأوا ميدان التحرير فى جمعة 29 يوليو سميت بجمعة «قندهار».. كان خروج السلفيين مرعبا للإخوان حتى لو وصفه قيادات الجماعة بأنه خروج غير منظم واتسم بالبداوة والسذاجة والسطحية فى مشهد أقرب إلى طالبان.. وهو وصف جاء فى وثائق الإخوان الخاصة.. ما فعله السلفيون من بعد الثورة أزعج الإخوان. كان حضورهم فى الشارع وبين الناس أكثر من الجماعة.. فى اللجان الشعبية ومعارض السلع المدعمة والإعانات للأسر الفقيرة ومعارض المدارس والوجود القوى فى الشارع والقرى والمناطق الفقيرة.. أيضا ما فعلوه أثناء استفتاء مارس على الدستور بحثهم للمصريين على حماية المادة الثانية من الدستور حماية للشريعة وللدين الإسلامى.. وهو خطاب يعرفون أنهم يستحوذون به على البسطاء.. خطاب رأيناه مضللا للمصريين الذين ذهبوا مغيبين ليقولوا نعم حتى يفوزوا بالجنة، لكن جماعة الإخوان رأت ما فعله السلفيون أخذا من رصيدها فى الشارع بينما تتزايد شعبية السلفيين.. ما قدمه السلفيون أيام الثورة حصدوه مقاعد فى مجلس الشعب.. كانوا ندا للجماعة التى تمارس السياسة منذ أكثر من 80 سنة، وهو أربك قادة الجماعة فبدأوا يرصدون تحركات السلفيين واتصالاتهم بالمجلس العسكرى ويراقبون مقراتهم ومصادر تمويلهم.. كوادر الجماعة بدأت تحلل مارصدته وتضع الخطط لمواجهة صعود السلفيين حتى لا تقوى شوكتهم فتقف فى زورهم.. وضعت كوادر الجماعة يدها على أن السلفيين فرق كثيرة لا توجد قيادة تجمعها، وهو ماجعل جماعة الإخوان تعلى من شأن فريق على حساب آخر.. بدأ الإخوان برصد الحركات السلفية وتوقفوا كثيرا أمام الدعوة السلفية.. الدعوة تتواجد بقوة فى الإسكندرية ويرأسها محمد عبدالفتاح وشهرته أبوادريس أما نائبه فهو ياسر برهامى.. للدعوة السلفية مجلس شورى من 206 أفراد ومندوبون فى كل المحافظات، الإخوان حاولوا تشويه السلفيين فى أكثر من مناسبة منها اتهامها لسلفيى الولاة الذين يمثلهم أسامة القوصى بأنهم هم من كانوا يبلغون أمن الدولة عن الإخوان والسلفيين، وإذا كان الإخوان يرون فى سلفيى الولاة سوءا فهم يرون أن شباب الإصلاح –امتداد للسلفية السرورية- منفتحة على المجتمع وتنتظم فى أسر كالأسر الإخوانية لا لشىء سوى أنها تتبنى مواقف الإخوان السياسية.. كانت جماعة الإخوان تدرك جيدا أن السلفيين حديثو العهد بالسياسة وتحركاتها عشوائية لذلك رأت الجماعة وكما جاء فى وثائقها الاستفادة من تناقضات المشهد السلفى بتقوية الجماعات السلفية المعتدلة والمتسمة بقدر من الوعى السياسى كمشايخ السلفية فى القاهرة وشباب الإصلاح بالبحيرة وجبهة الإرادة الشعبية والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح لتكون قادرة على مواجهة التيار السلفى المتشدد المزهو بنفسه الذى تمثله الدعوة السلفية بالإسكندرية.. وهو ما يعنى ضرورة التواصل معهم وأيضا التنسيق والتواصل مع المتشددين من مشايخهم عبر المعتدلين.. وأن يكون التنسيق معهم جزءًا من التنسيق الوطنى الواسع وليس تنسيقا ثنائيا بين الإخوان والسلفيين، وأن يستفاد منهم فى التفاوض كورقة ضغط على الآخرين لصالحنا وهو ما أعنيه بأنهم يستغلون السلفيين ويستخدمونهم كفزاعة لتحقيق مصالحهم الشخصية.. كان من بين خطة جماعة الإخوان لمواجهة صعود السلفيين دفع شباب الإخوان للتواصل مع شباب السلفيين لأنهم اكثر مرونة وانفتاحا وتعاطفا مع الإخوان لتصحيح المفاهيم الشرعية والسياسية، والتواصل مع عموم جمهور السلفيين والمتدينين المهمشين بعلماء الإخوان والتحدث معهم بلغتهم عبر الفضائيات والمساجد.. لكن بشرط الحذر من تعليمهم وتدريبهم على الوعى الحركى الإخوانى حتى لا يستغلونه ضدنا فى المستقبل.. أيضا رصد تواصل السلفيين مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورصد الإنفاق والتمويل، وعدم الاشتباك معهم أو مهاجمتهم أو ممارسة الوصايا عليهم فلا داعى لإثارتهم، وتقوية حزب الحرية والعدالة خاصة فى المحافظات التى تشهد حضورا قويا للدعوة السلفية.
إذا كان حضور السلفيين فى المشهد السياسى بعد ثورة يناير مفاجئا لجماعة الإخوان.. بدا لى ولغيرى انهم لم يكونوا مستعدين للتعامل معهم.. وان العشوائية التى تحكم تحركاتهم تزيدهم ارتباكا.. لكن الارتباك لم يدم طويلا وانتفض الإخوان يرصدون ويراقبون السلفيين بما أتيح لهم من وسائل.. الآن وصل واحد من الإخوان إلى قمة السلطة فى مصر.. الآن الحكومة إخوانية.. الآن أصبحوا يتحكمون فى كل شىء.. يمكنهم وببساطة التنصت على السلفيين.. يمكنهم تحجيم أنشطتهم بالسيطرة على المساجد وسحب بساطها من تحت أقدامهم.. يمكنهم التربص بقادة الدعوة السلفية فيطاردونهم بالمحاكمات ولامانع من الاعتقال.. يمكنهم التضييق عليهم إعلاميا بعد أن أحكموا قبضتهم على وزارة الإعلام بوزير إخوانى، وعلى الصحف القومية بمرشحين ترضى عنهم الجماعة.. ماكان يمارسه الإخوان تجاه السلفيين قبل وصولهم للحكم شىء وما يمكن أن يفعلوه معهم بعد ذلك شىء آخر.. هم الآن يمكنهم الانتقام من السلفيين بما يملكونه من قوة.. فالجماعة لن تنسى للإخوان موقفهم من محمد مرسى فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية عندما ساندوا عبدالمنعم أبوالفتوح، وهو ما دفع صفوت حجازى أن يسترضى محمد عبدالمقصود بالقبلات حتى الركب لكى يدعم مرسى.. لن ينسى الإخوان أيضا أن بعض السلفيين خرجوا على مرسى اثناء الانتخابات الرئاسية وطالبوه أن يتوب إلى الله عندما قال أثناء الانتخابات إنه لا يوجد فرق فى معتقدات المسلمين والمسيحيين وإنه ملتزم بتعيين امرأة وقبطى فى منصب نائب الرئيس إذا ما فاز.. لن يرضى الإخوان عن السلفيين وأظن أنهم سيستغلون فرقتهم لافتراسهم واحدًا وراء الآخر وفريقًا وراء فريق!