هيرو مصطفى: نلتزم بخلق فرص اقتصادية وتحسين حياة المصريين    حصر وإزالة حالات التعدي على ولاية الري وأراضي أملاك الدولة بالبحيرة    البنك الأهلي يطلق تحديثات على منتج حساب الأهلي وسيط لإتمام وإدارة الصفقات    ما معايير اختيار شركات مؤشر الشريعة الإسلامية EGX33؟    330 ألف طن نفايات تتراكم فى غزة والبيئة على شفا الانهيار    قبل اجتماع مجلس البلطيق.. ألمانيا تتوعد بالرد على استفزازات روسيا    بعد لقائهما بيوم واحد.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالا من نظيره الإيراني    انطلاق مباراة بيراميدز وسموحة بالدوري    وزير الرياضة يشهد المرحلة التمهيدية من مشروع صقل مدربي المنتخبات الوطنية    «لاعبينا ليس لديهم طابع الهروب».. أول رد رسمي من الزمالك على تصريحات محمد عبدالوهاب    إدراج المتهم محمد فوزي على قوائم الإرهاب 5 سنوات    السجن 3 سنوات ل13 متهمًا في قضية تهريب المهاجرين إلى أمريكا    أفراح نجوم الفن والرياضة    جولة للفيلم الوثائقي «متل قصص الحب» في 5 مهرجانات سينمائية    خاص.. أول رد من يوسف حسن بعد منشور "تجاهل علاجه" في الزمالك    أمين الفتوى: تريقه الوالدين على الأبناء حرام شرعا    يوم التروية.. سبب التسمية وأفضل الأعمال به والأدعية المستحبة    افتتاح أحدث معمل تحاليل بمستشفى القلب والصدر الجامعي بالمنيا الجديدة    محافظ أسيوط يضع حجر أساس مدرسة المحبة بمدينة المعلمين    عيد الأضحى 2024 | أحكام الأضحية في 10 أسئلة    شواطئ ودور سينما، أبرز الأماكن فى الإسكندرية لقضاء إجازة عيد الأضحى    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    محافظ الشرقية يفتتح النصب التذكاري للشهداء    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    يورو 2024.. نزلة برد تجتاح معسكر منتخب فرنسا    تخرج الدورة الأولى للمعينين بالهيئات القضائية من الأكاديمية العسكرية المصرية    رضا عبد العال: أرفض عودة بن شرقي للزمالك    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    3 عروض جديدة تستقبل الأطفال في عيد الأضحى 2024.. تعرف عليها (صور)    رئيس صندوق التنمية الحضرية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع "حدائق تلال الفسطاط"    عاجل- الرئيس السيسي يتوجه اليوم إلى السعودية لأداء فريضة الحج    "المحطات النووية": تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة الرابعة بالضبعة 19 نوفمبر    قرار جمهوري بتعيين الدكتور فهيم فتحي عميدًا لكلية الآثار بجامعة سوهاج    دعاء ثامن ليالي ذي الحجة.. اللهم اني أسألك العفو والعافية    أسواق عسير تشهد إقبالًا كثيفًا لشراء الأضاحي    فطار يوم عرفات.. محشي مشكل وبط وملوخية    انفجار مولد الكهرباء.. السيطرة على حريق نشب بمركز ترجمة بمدينة نصر    مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية يحذر من مصدر جديد للأمراض في غزة    في وقفة عرفات.. 5 نصائح ضرورية للصائمين الذاهبين للعمل في الطقس الحار    مجانًا.. فحص 1716 شخصًا خلال قافلة طبية بقرية حلوة بالمنيا    ضبط أحد الأشخاص بسوهاج لزعمه قدرته على تسريب امتحانات الشهادة الثانوية    مصرع مواطن صدمته سيارة أثناء عبوره لطريق الواحات    في أول ليالي عرضه.. «ولاد رزق 3» يزيح «السرب» من صدارة الإيرادات    ضبط نجار مسلح أطلق النار على زوجته بسبب الخلافات فى الدقهلية    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    بالأسماء.. غيابات مؤثرة تضرب الأهلي قبل موقعة فاركو بدوري نايل    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    حملة مرورية إستهدفت ضبط التوك توك المخالفة بمنطقة العجمى    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    "عودة الدوري وقمة في السلة".. جدول مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث آليات تطبيق الحد الأدنى للأجور    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    رئيس هيئة الدواء: السوق المصرية أكبر الأسواق الإفريقية بحجم مبيعات حوالي 7 مليارات دولار سنويًا    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجليات العناية بالقدس في ضمير التاريخ الإسلامي
نشر في الفجر يوم 20 - 06 - 2012

هناك تذكيرٌ دائم بقضية القدس في الوعي الإسلامي، وربما كان التذكير المستمر بذكرى الإسراء والمعراج، وما يحيط بها من وجوب الاحتفال بفحواها ومضامينها.
وهذا الارتباط الدائم بين الذكرى في تعالقاتها الاعتقادية والقومية والواقع المعاصر المأزوم يزيد من خلال مراجعة تجليات العناية بالقدس، ومسجدها الأطهر في الضمير الإسلامي، لأسباب عديدة، ووظائف متنوعة يتعلق أكثرها خطرًا بالوعي المعاصر تجاه هذه القضية المركزية، التي تُوشك أن تلخص أزمة المسلمين في العصر الحديث تعيينا.
والقدس، ودرتها المتلألئة: المسجد الأقصى، تدور دلالتهما حول: الطهر والجلال والبعد عن الأقذار والخبائث، وهو واحد من أشهر تعليلات التسمية المذكورة في باب أسمائها وتعليلاتها، على ما نرى ذلك في الأدبيات التي استقلت ببيان فضائلها وفضائل مسجدها الأنور!
والطهر المنسوب إليها طهر مادي ومعنوي معًا، مادي عام في البقعة الممتدة التي اسمها المدينة المقدسة، مادي خاص بنقاط بعينها تغطى المسجد، وقبته الشريفة وموضع المعراج، والطهر معنوي تعكسه التشريفات والدرجات المرصودة في الشريعة للصلاة في مسجدها والتقدير والتشريف المبالغ فيه، توكيدًا لمنزلته.
وفحص العوامل التي منحت هذا المكان قدسيته وطهارته كثيرة جدًّا يأتي في مقدمتها اختيار المشيئة الإلهية، وهذا البعد الغيبي هو أعلى ملامح تقدير طهارة هذا المكان؛ ذلك أن اختيار الله سبحانه هو نوع اصطفاء ويرقى لمنزلة ما اصطفاه سبحانه ولو لم يدرك البشر سر الاصطفاء؛ وهو ما يلزم الوقوف أمام هذا السر وتقدير لوازم معناه.
ولو أن هذا الملمح كان هو الملمح الوحيد اليتيم في بناء التصور التقديسي للمدينة المقدسة، ومسجدها الأقصى لكفى في ميزان تقدير هذا الطهر، ولكن ثمة عوامل أخرى كثيرة آزرت مباركة رب العزة سبحانه لهذه البقعة المقدسة بنص صريح في هذا السياق، وهو قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (الإسراء: من الآية 1)، والمباركة هنا ترجمة لنوع اصطفاء يلزم تأمله، والوقوف عند دلالته، وإدراك أن كل تقصير في القيام بمقامات هذا الاصطفاء يصب في باب ضار بمعتقد الناس؛ لأن الله سبحانه ساعة يصطفى أحدًا أو شيئًا يأمر برؤية مراده سبحانه من ورائه، وتقدير حكمته البالغة من ذلك.
وهذه العوامل الأخرى موزعة على محاور أساسية يمكن الإلماع إلى بعضها فيما يلي:
أولاً- المحور التاريخي، بما مرَّ عليها، وسكنها الكثيرون من أنبياء الله تعالى، والصالحين من العباد والأتقياء، والأولياء، والعلماء العاملين.
ثانيًا- المحور الحضاري؛ بما هي واحدة من البقاع المؤثرة في مسيرة الحضارة الإنسانية، ومعارفها، فنونها، وهو ما تجلَّى في عددٍ من الآثار الإسلامية الشاهدة على العطاء الحضاري للتاريخ الإسلامي.
ثالثًا- المحور الإستراتيجي للأمة المسلمة بما هي ملتقى شديد الخصوبة والتأثير في مستقبل المنطقة ومقدراتها، وهو ما يعني أن تحرير القدس هو مفتاح لتحرير المنطقة كلها.
رابعًا- المحور الإنساني، بما تمثله من عناصر القوة الكامنة التي تبرهن على قدرة الفكرة الإسلامية الأصيلة على أن تتواصل مع بقية الأفكار، وأن تتعايش مع كل الآخرين.
(2) القدس ومسجدها الأقصى في مدونة السنة النبوية الشريفة
في كثيرٍ من مصنفات السنة النبوية الشريفة عناية بفضائل عددٍ من الأماكن توزعت على أبواب متنوعة من مثل: باب الأدب، أو باب المناقب، أو باب الفضائل، أو باب الرقائق وغيرها.
وصحيح أن كثيرًا مما روى في هذا الباب يحتاج إلى شيء من التنبه والتثبت، لما حاطها من مسوغات الوضع عصبية، أو سياسية، ولكن الصحيح كذلك أن عددًا منها ثابت صحيح، وهو الملمح الأول الذي ينبغي فحصه في مقام بيان منزلة هذا البقعة الطاهرة، وارتباطها بالوجدان الإسلامي، والاعتقاد الإسلامي، وبعض أحكام الفقه الإسلامي.



وفحص الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، المتفق عليه الذي يقرر أنه: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي، والمسجد الأقصى"، هو البداية والمقدمة لكل وعي بمنزلة هذه البقعة المشرفة المقدسة.
وقد امتلأت الكتب التي استقلت ببيان منزلة بيت المقدس بسرد هذه الأحاديث النبوية الشريفة، وهو الأمر الذي تواتر فيها جميعًا كما سوف نرى بعد قليل.
وتأمل هذه الأحاديث مفيد جدًّا في دراسة مفهوم الأمة الإسلامية الممتد الذي لم ينقطع تاريخيًّا، ومفيد في دعم قضية عالمية الدعوة الإسلامية، وعموم آفاقها للأرض جميعًا، ودعم قضية وراثة دعوة محمد صلى الله عليه وسلم لأديان السابقين جميعًا، ودعم مسألة كون الإسلام مهيمنًا على ما سبقه من الرسالات، وتوكيد فكرة كون النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم هو النبي الشاهد على جميع الأمم.
(3) القرآن الكريم ومطالب تحرير القدس
إذا كان فحص السنة النبوية الشريفة أمرًا لازمًا لتقدير عددٍ من المسائل الاعتقادية والفقهية المتعلقة بمنزلة المسجد الأقصى في العقل الإسلامي فإن فحص الذكر الحكيم يفتح الباب واسعًا أمام الواجبات نحو هذه البقعة الطاهرة من أرض الله المقدسة.
يقول تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (الإسراء: من الآية 1)، وفي هذه الآية الكريمة مجموعة من المسائل المهمة التي تقود إلى اتخاذها دليلاً على وجوب العمل على تحرير المسجد الأقصى بالمعنى الأصولي للوجوب، وهو ما يمكن بيانها إجمالاً فيما يلي:
أولاً- ربط الآية الكريمة بين المسجد الحرام الذي كان حرًّا، والمسجد الأقصى الذي كان محتلاًّ من قِبل الرومان، وهو ما يعني ضرورة العمل على تساويهما في الحرية، ولا سيما أن الآية استعملت حرف الجر: "إلى" الذي يفيد انتهاء الغاية المكانية.



ثانيًا- تعليل الدعوة إلى تحرير المسجد الأقصى بذكر صفة لازمة فيه، وهي كونه مباركًا له، وهو من الآيات التي نرى فيها استعمال النعت في التعليل، وهو باب لم بفطن إليه أحد من النحاة العرب الذين درسوا إجراءات تحقيق التعليل.
ثالثًا- تنبيه الآية الكريمة إلى بيان أن المسجد الأقصى من ميراث الأمة المسلمة، بما هو شاهد على إمامة النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء في ليلة الإسراء، وهو الأمر الظاهر في ذكر الآية للفظة بعبده من مجموع هذه الملاحظ يتبين لنا ما استقرَّ في الفتوى المعاصرة من وجوب العمل على تحرير المسجد الأقصى على ما ظهر في فتاوى العلماء المسلمين المعاصرين بشأنه العمل على تحرير المسجد الأقصى.
(4) أدبيات فضائل القدس: أمثلة لا تنتهي!
يشير علماء البلدان أن التصنيف في فضائل مكة المكرمة، بما هي مهبط الوحي الكريم، وفي فضائل المدينة المنورة صلى الله على ساكنها، بما هي دار الهجرة، ومأزر الإسلام كان أسبق من التصنيف في غيره من مصنفات فضائل البلدان.
ولم يكن التأخير الذي أحاط بموضوع فضائل القدس أو المسجد الأقصى بسبب عدم الوعي بقيمتها الدينية، اعتقادًا أو فقها، أو بسبب عدم الوعي بمنزلتها السياسية والإستراتيجية؛ ذلك أن ظهور العناية بفضائل الأرض المقدسة اتخذ أشكالاً عديدة، وما تأخَّر كان هو استقلال التصنيف في هذه الفضائل.
ويلحظ الدارس لهذه المسألة استفاضة التصنيف في هذا الباب المهم بعد تعرض الأرض المقدسة للهجمات المتتابعة، من قِبل التتار، ثم من قبل الصليبيين على أن هذا التفسير لتأخر ظهور المصنفات المستقلة بفضائل بيت المقدس الذي قررناه لم يتنبه إليه الذين وقفوا أمام الظاهرة؛ ذلك أن إسحاق حسون في (1979م)، ومن تبعه فنقل عنه، وهو الدكتور أحمد رمضان أحمد يقرران أنه "و برغم كثرة ما جمع من أحاديث في فضل بيت المقدس في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني للهجرة، فإن كتب فضائل بيت المقدس أو تاريخها قد تأخَّرت في الظهور كمصنفات خاصة حتى النصف الثاني من القرن الرابع ومطلع القرن الخامس للهجرة، على أن السبب في تأخير ظهور مؤلفات (خاصة) عن فضائل بيت المقدس يرجع إلى عوامل عدة:



لعل أولها هو اختلاف المسلمين فيما بينهم بشأن مكانة بيت المقدس، أضف إلى (ذلك) أن مدينة المقدس مكانتها السياسية والعلمية والاجتماعية بعد سقوط دولة بني أمية، وإهمال العباسيين لبلاد الشام عامة، وبيت المقدس بصفة خاصة "وهذان العاملان يجب أن ينضاف إليهما ما قررناه من أمر الهجوم المستمر على الأرض المقدسة ما دفع إلى العناية بتاريخها وفضائلها دعمًا لحركات الجهاد التي قامت طلبًا لتحريرها.
وقد اعتنى عدد كبير من المؤرخين والمحدثين بالتصنيف في هذا الباب، وقد أتى على ذكر هذه الكتب حاجي خليفة في كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، واستدرك عليه إسماعيل باشا البغدادي في هدية العارفين، وذكرها: فؤاد سركين في تاريخ التراث العربي.
وقد جمع عددًا منها، وبين معلومات نشرها الدكتور/ أحمد رمضان أحمد في مقدمة تحقيقه لكتاب )إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى) (ص 27-33)، وكان مجموع ما ذكره كما يلي:
أ- مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام، لابن هلال المقدسي المنوفي سنة 765ه
ب- الروض المغرس في فضل البيت المقدس للحسيني الشافعي الدمشقي
ج- فضائل القدس والشام، لابن الجوزي المتوفى سنة 597ه
د- الجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى، لابن عساكر
ه- الأنس في فضائل القدس، لابن هبة الله الشافعي
و- باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس، لبرهان الدين الغزاري
ز- فضائل بيت المقدس لابن المرجي المقدسي
ح- فضائل بيت المقدس وفضل الصلاة فيها، للكنجي.



وفيما يلي فحص لأربعة من هذه المصنفات الخاصة ببيت المقدس، نحاول بيان أهميتها من خلال دراسة موجزة نستعين بالفليولوجيا، أو بفقه اللغة المعني بدراسة نصوص الكتابات وتأثيرها العلمي.
أولاً- فضائل البيت المقدس للواسطي( ق 5ه)
ثانيًا- تاريخ بيت المقدس، لابن الجوزي (المتوفى سنة 597ه)
ثالثًا- الفتح القسي في الفتح القدسي، للعماد الكاتب الأصفهاني (المتوفى 597ه)
رابعا- إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى، لشمس الدين المنهاجى السيوطي (المتوفى سنة 880ه)
وهذه الأربعة الكتب تتفق جميعًا على أن العناية بتاريخ بيت المقدس، أو المسجد الأقصى نبعٌ من دوافع إسلامية دينية في المقام الأول، وإن اختلط به عدد من الدوافع الأخرى المتعلقة بالمفهوم القديم للوطنية، ولكن من بوابة الفكرة الدينية أساسًا، وهو الأمر الذي يُفسره عناية هذه الكتب جميعًا بافتتاحها بفصول تسرد الأحاديث الجامعة في بيان فضائل هذه الأرض المقدسة، ففي كتاب الواسطي فصول تدعم ذلك الذي تقرره من مثل: تضاعف الحسنات في بيت المقدس، وفضل بيت المقدس والصلاة فيه، وفضل مسجد بيت المقدس، حديث الإسراء والمعراج.
وفي كتاب ابن الجوزي فصول مماثلة تدعم الفكرة نفسها؛ من مثل: في ابتداء شد الرحال إلى بيت المقدس، فضل الصلاة في بيت المقدس، وفضل الحج والصلاة في بيت مسجد المدينة والمسجد الأقصى في عام واحد في ذكر الصخرة وأنها من الجنة.
وعلى الرغم من خلوص كتاب الفتح القسي لبيان أحداث الفتح الأكبر للقدس على يد صلاح الدين الأيوبى في نهاية القرن السادس الهجري، وعلى التعيين ابتداءً من سنة 583ه فإن العلاقة واضحة بين أحداث الكتاب وقضية فضائل البيت المقدس على ما ظهر من افتتاحه الكتاب بمقدمة رصد فيها تقدم فتح الشام، والصحابة قريبو العهد بالنبي صلى الله عليه وسلم.



ويعد كتاب إتحاف الأخصا للمنهاجي السيوطي من أوسع الكتب التي جمعت فضائل المسجد الأقصى؛ حيث توسع في ذكر أسماء المسجد الأقصى وفضائله، وفضل زيارته، ومبدأ وضعه وبنائه، وفضل الصخرة المشرفة، وفضل الصلاة فيه، وذكر الإسراء.
وتحليل المادة الحديثية والتاريخية التي وردت في هذه الكتب وأمثالها تقوم بعبء الوفاء بعددٍ كبيرٍ من الوظائف اللازمة في صراع الأمة الإسلامية والعربية اليوم مع عدوها المجسد في الكيان الصهيوني الغاصب.
وثمة وظائف متنوعة يمكن أن تدعمها مادة هذه المصنفات نذكر منها:
أولاً- وظيفة الوعي؛ بمعنى أنه يلزم في عملية التحضير لتحرير المسجد الأقصى أن يسكن الوعي الإسلامي المعاصر بارتباط العقيدة الإسلامية في تكوين المسلمين، وأدبياتهم على أن العناية بقضية تحرير القدس نابع من أنها جزء من الاعتقاد الإسلامي، وأنها داخلة في نطاق الأمر الشرعي، والحفاظ على مواريث النبوة الشريفة.
ثانيًا- الوظيفة الحضارية؛ بمعنى أنه يلزم استثمار مادة هذه الكتب على التدليل ما أنجزته الفكرة الإسلامية التي فتحت القدس، وهو الإنجاز الذي تجلَّى في صورةٍ ماديةٍ متنوعة مبهرة، ممثلة في المساجد والكنائس، والمدارس، والأسبلة، والمكتبات، والمستشفيات والأوقاف المختلفة، وهو ما يُعطي صورةً واضحةً على ارتباط الفتوح الإسلامية بأكبر حركات الإعمار في التاريخ الإنساني.
ثالثًا- الوظيفة التاريخية، وهو ما يعني أن مادة هذه الكتب تمدنا بما هو رائع من المعلومات التاريخية، والاجتماعية التي تمثل بحق زادًا حقيقيًّا في أيدي المجاهدين المعاصرين، تخطيطًا، وتفاوضًا وإدارة، واستعدادًا لليوم الحاسم، وهو ما يعني أن التخطيط الإستراتيجي لاستنقاذ بيت المقدس طريق طويلة تبدأ من تحليل الموقع، والتعالقات الاجتماعية والتاريخية والحضارية.
وقد استقر أن الدرس الأكبر الذي نخرج به من فحص هذه المصنفات أن عزل قضية القدس وفلسطين عن الأجواء الدينية اعتقادًا وفقهًا هو أول أشكال الخيانة في التصور المعاصر، وأنه بالضرورة يعني أن بداية تحرير القدس ينبع من الوعي بمسألتين جامعتين هما:



أولاً- ضرورة تربية أجيال الأمة على المكانة الدينية للأرض المقدسة.
ثانيًا- ضرورة استلهام تاريخ المجاهدين العظام الذين أدركوا أن تحرير الوطن الإسلامي الأكبر لن يكون من دون تحرير (فلسطين ومصر).
(5) القدس في ضمير التاريخ المعاصر: شرفاء العالم ينضمون إلى التصور الإسلامي
إن الآلام المتراكمة التي تجسَّدت في أرض القدس المباركة اجتذبت عددًا من المفكرين والمؤرخين المعاصرين الذين يمكن استثمار جهودهم في خدمة قضية المسجد الأقصى.
والحق يقضي أن اتجاهات تجلي العناية بالقدس في الضمير الإنساني العربي وغير العربي متنوعة جدًّا، توزَّعت على المحاور العلمية المختلفة، ففحص أمر هذه القضية في الآداب العربية، وفي العمارة وتطورها، وفي فحص تناقضات البنية الصهيونية العلمية الخادمة لهذه القضية وفضح مخاطر التهويد على الأرض والتراث والسكان.
على أن ثمة اتجاهات غربية ظاهرة تمثل خيطًا جديدًا فارقًا في الضمير التاريخي المعاين لقضية القدس، وقد تجلَّت هذه الاتجاهات في مسارات ثلاثة مركزية كما يلي:
أولاً- بيان منزلة أرض القدس، بما هي أرض للرسالات الإلهية وركزت أدبيات هذا الاتجاه على المنزلة السعيدة لهذه الأرض في ظلال الحكومات الإسلامية التي رعت هذه الأرض، وهو ما نلمسه في هذا الأسى الواضح المعلن في كتابات من مثل: (فلسطين أرض الرسالات الإلهية) لجاردوي، و(القدس مدينة واحدة.. عقائد ثلاثة) لكارين أرمسترونج. بسببٍ من غياب الإسلام عن حياطة القدس في العصور المتأخرة، وهو ما نلمسه في الفرح و البهجة غير الخافية في أمثال هذين الكتابين بآثار الإيمان القرآني على الأرض المقدسة وما أنجزه هذا الإيمان من عمارة وفنون وتسامح لا مثيلَ له.



ثانيًا- كشف المخطط الفكري و التاريخي الذي يؤسس له الصهيونية، وهو ما دعا فريقًا من المؤرخين والمفكرين المعاصرين على تفكيك هذا المخطط، وفضح تناقضاته، ومزاعمه، وعناصر التزوير الكامنة في أبنيته، ويظهر في هذا السياق كتابات مائزة فارقة من أمثال: (الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية لجارودي، و(اختلاق إسرائيل القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني) لكيث وايتلام.
ثالثًا- بيان الأثر الإيجابي للإسلام على حضارة أرض القدس، وهو الاتجاه الذي تحرك على طريق خدمته المؤلفون العرب المعاصرون، كشفا و تحليلا و تأسيسا، بشكل فردى، أو مؤسس في صورة مراكز علمية متخصصة، فظهرت دراسات حول عمارة مدن المقدس و أثر العلماء المقدسين في ترقية العلم الإنساني والأبعاد المختلفة لقضية القدس.
إن الإسراء والمعراج وهو الحدث الأكبر في طريق التأسيس للدولة الإسلامية النبوية، يعيد فتح الباب واسعًا نحو فحص منزلة أرض البيت المقدس، والمسجد الأقصى، ومصر والعالم العربي، وهو يدخل في عمق الربيع العربي مطالب بأن يعي من تجليات القدس في الضمير الدروس الكبرى التي تعين على تحرير الوطن الإسلامي كاملاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.