رغم النفى والرحيل ، لا يزالا حالة خاصة فى الأدب والسياسة والحب، الراحلان محمود درويش، الشاعر الفلسطينى ، وإدوارد سعيد المفكر الفلسطينى أيضا، لا يزالا يتربعان على عرش الشعر والسياسة، فرغم الرحيل ، يبقى كتاب "ادوارد سعيد ..مفارقة الهوية " لمؤلفين غربيين قادمين من الحقل الأكاديمى ، متصدرا المشهد الثقافى ومحققا أعلى المبيعات فى دار الكتاب العربى رغم صدور طبعته الأولى عام 1999، وأعيد طبعه بعد ذلك عدة مرات ليبقى دوما فى قائمة الأعلى مبيعا للدار والتى جاءت على النحو التالى : 1 ادوارد سعيد .. مفارقة الهوية بيل أشكروفت ، بال أهلواليا ترجمة سهيل نجم 2 جبريل فى التوراة والانجيل والقرءان منصور عبد الحكيم 3 سلسلة كتب نزار قبانى "القصائد الممنوعة " 4 سلسلة السعادة الزوجية وفاء يوسف 5 انجيل يهوذا والبحث عن خائن المسيح حسن حمدى 6 سلسلة المهارات الادارية " إدارة تنمية الموارد البشرية" يوسف ابو الحجاج 7 فى بيتنا مراهق شيماء الشاعر يهدي الشاعر الراحل محمود درويش قصيدته (طباق) "إلى إدوارد سعيد" ويتمثل فيها صوته في حوار يديره الشاعر الذي لا يشترك مع سعيد في الجذور فحسب، بل في حالة النفي التي عاشها بعد خروجه من فلسطين.. وفي مقاطع من هذه القصيدة يشخّص درويش إشكالية وجود سعيد وما أسماه دارسوه (مفارقة الهوية) والانشطار بين مكانين يرتّب ويتطلّب كل منهما وعياً مختلفاً إن لم يكن مضاداً في بعض مفرداته وعناوينه .. لا سيما وأن المكانين يحف بهما تقابل عدائي يسبّب الانشطار.أدوارد سعيد في القصيدة يجيب في حوار افتراضي مستعاد وسؤال عن ماهيته : أنا من هناك أنا من هنا ولستُ هناك ولست هنا لي اسمان يلتقيان ويفترقان ولي لغتان نسيتُ بأيهما كنتُ أحلم يقول الدكتور حاتم الصكر : ستكون هذه الأبيات التي تلامس سطح سعيد وعمقه في آن أعني جذره ومنفاه مدخلاً لقراءة كتاب (مفارقة الهويّة) مشفوعاً باسم: ادوارد سعيد. إن وعي سعيد كمثقف وناقد بانشطار أناه مكانياً : (هناك وهنا) تستلزم في قراءة درويش نفي وجوده في المكانين معاً (لست هناك ولست هنا) ويتبعها وجود (اسمين له) في حالة لقاء وفراق، ويستكملها وجود (لفتين له) يختلطان في حلمه.. لغة وطنه ولغة منفاه.. هذا الترميز الفائق لإشكالية سعيد بسبب شعرية القصيدة، نجح في تلخيص إشكاليته الفكرية، ووجوده الحياتي معاً, ووعيه بالضرورة.فالشهرة التي نالها ادوارد سعيد كمنظّر لمرحلة ما بعد الكولونيالية مرتبطة في الغرب ب(مفارقة الهوية) ومستمدة منها, في مسكوت عنه لديهم، يحكي عن قدرته في التأثير على دراسات الاستشراق, وفضحه للخطاب الكامن وراءها, كما جسّده كتابه(الإستشراق 1978) حيث كان تمثيل الشرق في تلك الدراسات على انه مجرد انتماء ديني وقومي مغاير (عربي-مسلم).هنا كانت التفاتة سعيد المهمة, فهو يتحدث عن علاقات ثقافية وسياسية, يريد الاستشراق، بكونه (خطاباً) حسب المفهوم الفوكوي الذي تبنّاه سعيد, أن يلخّصه في(صورة نمطية) تشيع وتترسخ ليسهل من بعد رفضها, وتبرير كراهيتها..لقد صار النظر إلى الاستشراق كله بعد كتاب سعيد على أنه(مصطلح شامل حول الأسلوب الذي تعامل فيه الثقافات الأخرى وتُصَور) طبعاً بعد تسليط قوة الخطاب عليها،أو كيفية عمل السلطة في المعرفة، أي إجراءات معرفة الشرق بالغرب التي(كانت سبيلاً لمد السلطة عليه).. وهكذا أصبح(الشرق)نصاً, و(الغرب) سلطة، والاستشراق (معرفة) تتخذ وسيلة للهيمنة عبر الخطاب الاستشراقي المسلّط على بنية الشرق النصية.هل كانت شهرة سعيد إذاً من هذا الكشف المعرفي لحقيقة الاستشراق وطرق تمثيله للشرق؟ أم من انشطار هويته ووجوده ولسانه- مما يلحّ عليه مؤلفا كتاب- مفارقة الهوية- ويجدان له تجليّات ومظاهر يعدّان منها:صراعاته مع شتاته- إدراكه للمنفى الحتمي الممكن- الربط بين النص و العالم -تناقضات شخصيته المغربنه وعلاقاته بوطنه- صوته السياسي وواقعه المهني- عروبته ومسيحيته- فلسطينيته كجذر وأمريكيّته كواقع- وبآختصار بليغ( العيش في حياتين) كأثر من آثار سؤال أو اسئلة(الهوية الملحّة).