تأتى المعونة الأمريكية لمصر كجزء من معاهدة كامب ديفيد التى تم توقيعها بين مصر واسرائيل والولاياتالمتحدة فى عام 1978 واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية فى عام 1979، بموجبها تحصل مصر على 2.1 مليار دولار ، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية لتصبح ثانى أكبر دولة حاصلة على المعونة الأمريكية بعد اسرائيل. وجاء القرار الأمريكى الأخير بتعليق هذه المعونات مؤقتاَ حتى تتضح الرؤية فى مصر، وكرد فعل لما قام به الجيش المصرى من الوقوف بجانب شعبه والإستجابة لمطالبه بعزل رئيس فاقد للشرعية، وكأن الولاياتالمتحدة تعاقب مصر وشعبها على اختيارتهم وتطلعهم الى الحرية والديمقراطية ورفضهم للإستبداد. وبالرغم من أن القرار الأمريكى غير صائب زمنياَ ويدل على تخبط قرارات ادارة الرئيس أوباما بعد سقوط نظام الرئيس المعزول مرسى والتى كانت تدعمه أمريكا بكل ما أوتيت من قوة، الا أنه يمثل فرصة تاريخية للخروج من عباءة الهيمنة الأمريكية وتحرير للإرادة المصرية، كم أنه قرار طال انتظاره من قطاع عريض من الشعب المصرى الرافض لتبعية مصر للولايات المتحدة ولسياستها الخارجية، والمنادى دائماَ أثناء ثورة 25 يناير 2011 بالإستغناء عن المعونة الأمريكية لما فيها من اذلال لمصر وخضوعها لإملاءات القوى الأعظم فى العالم، حتى أن هناك بعض الحركات والحملات التى تم انشاؤها مؤخراَ رفعت شعار لا للمعونة مثل حملة "امنع معونة". القرار يتواءم ويتفق مع مطالب ثورة المصريين تماماَ ويحرر الوطن من أسر التبعية التى عاشها طوال العقود الماضية وينقله إلى فضاء الاستقلال المنشود، كما أنها فرصة لمصر لتنويع مصادر السلاح عالمياً بدلا من الإعتماد على مصدر واحد فقط، ولأن هذا المصدر- وهو الولاياتالمتحدة بالطبع- يعطى سلاح لمصر بالقدر الذى لا يجعلها تتفوق على اسرائيل عسكرياَ. هذا القرار من شأنه أيضاَ أن يؤثر على الإقتصاد الأمريكى الذى يعانى بالفعل حالياَ من أزمة كبيرة نتيجة لتراكم الديون، لأن مصانع انتاج الأسلحة سستكبد خسائر فادحة تقدر بملايين الدولارات فى حال وقف توريد الأسلحة الى مصر. وإذا كانت الولاياتالمتحدة تعتبر أن هذا القرار سيشكل ضغطاَ على مصر من أجل رجوع الرئيس المعزول محمد مرسى أو عودة دستور الإخوان المشوه أو اشراك القتلة و الإرهابيين فى الحياة السياسية المصرية أو إنه سيحدث هزة اقتصادية وعسكرية لمصر فهى تتوهم تماماً ، فأمريكا تحتاج لمصر أكثر من احتياج مصر لها ، لأن مصر دولة محورية فى الشرق الأوسط ولاعب أساسى فى أى أزمة أو أى صراع سياسى فى المنطقة ولها أهمية بالغة من الناحية الإستراتيجية ، ولأن هناك البدائل الجاهزة لهذه المعونة المذلة ، فالدعم الذى تقدمه دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت يمكن أن يكون خير سند لمصر اقتصادياَ فى اطار المشروعات الإستثمارية التى تقوم بها هذه الدول فى مصر، كما أن روسيا تتمنى أن تعود مرة ثانية لمصر كمورد للسلاح والمعدات العسكرية. ويسبق ذلك كله ما تتمتع به مصر من امكانيات وقدرات سواء على مستوى الموارد الطبيعية التى حبى بها الله مصر ، أو على مستوى البشر فالمصريون باستطاعتهم أن يجعلوا بلادهم أفضل وأقوى بلد فى العالم ولاتحتاج لأى معونة إذا توافرت لديهم النية الصادقة والتخطيط الجيد والإرادة السليمة والإدارة الماهرة. يجب أن تعرف الولاياتالمتحدة – وكل القوى التى تقف معها وتساندها – أن زمن المساومات قد ولى بغير رجعة، وأن آوان الضغط على الدول الأخرى بالمساعدات والمنح لتنفيذ أجندات معينة أو سياسيات محددة تخدم مصالحها قد انتهى. ويجب أن تعرف أيضاَ قدر مصر العالى ودورها الرئيسى على كل الأصعدة، وأن قراراتها على جميع المناحى يتم اتخاذها بإستقلالية تامة بعيداَ عن أى تأثير أو ضغط كما كان يحدث فى الماضى ، وبما يخدم المصلحة الوطنية والعامة للشعب المصرى فقط