مجموعة قصص الكاتب والشاعر اللبناني باسكال عساف التي حملت عنوان "وجوه وأقنعة" تعكس اتجاهات وأنماطا فنية مختلفة منها الرمزية والسريالية والواقعية وكلها تتعايش جنبا الى جنب أو قد تطل أحيانا بوجوهها المختلفة من العمل الواحد. وتحتوي هذه القصص القصيرة في بعض الاحيان على ما يذكر بكتابات جبران خليل جبران كما انها تضم نماذج قصيرة يصح بأن توصف بأنها أفكار تقدم في أشكال فنية مختلفة أكثر منها قصص قصيرة. وكتابة عساف هي دائما شعرية بامتياز حتى حين يصف واقعا ما بقدر كبير من الواقعية. وتتميز هذه الكتابة أيضا بالغوص في اللحظة الحاضرة وتوسيعها للتحول الى شبه عالم صغير يتجاور مع لحظات أو عوالم أخرى. ويركز الكاتب على الصور فتأتي كتابته تصويرية مميزة في عالم من الرمزي والسريالي والواقعي. اشتملت المجموعة على 39 قصة وردت في 184 صفحة من القطع الوسط وصدرت عن (دار نلسن) في السويد ولبنان. القصة الاولى التي حملت عنوانا هو "الرهان" جاءت فكرية وسريالية حافلة بالرموز كما جاءت نموذجية تحمل كثيرا من سمات المجموعة. في القصة كما في قصص أخرى غيرها ما يذكرنا باراء الرومانسيين من أن النفس البشرية مسرح للخير وللشر وانها ملعب لشياطين ولملائكة في الوقت نفسه. انسان يحاول ان يضع نهاية لحياته ومحاولات لثنيه عن ذلك. يبدأ الكاتب القصة بوصف شعري حركي. يقول "..مددت يدا ترتجف من مجهول لم يقدر عقلي ان يتخيله. فتحت الباب. لطمني الضؤ بعدائية وحشية وزجرني الهواء بعصبية. سمعت فكرة في رأسي تسألني : من أنت لتتدخل بمصير خطه قدر يكتب نهاية قاسية لحياة انسان او ربما وبكل بساطة لأنه سئم التكرار وقرر ان يلهو؟" وقال متحدثا عن صعوده الى الرجل لا نقاذه "رحت أتذكر صديقي وسبب صعودي. أراه هناك على الحافة بين السماء والسقوط معلقا بقرار مؤجل .. يتسلق بعينيه الغيوم باحثا عن ربه ليسلمه رسالة تختصر نية ووداعا .. وشكرا على عمر لن يستخدمه كله..." لكن غريبا "يرتدي ثيابا بيضاء" سبقه إلى محاولة ثني الرجل عن قراره "حاولت أن أتحرك أن أمشي ..لم استطع ان اسمع كل ما كانا يقولانه ..لا جدوى أهز برأسي اقتنع بالقنوط ..." لم يسمع الا جملة واحدة قالها صديقه لذلك الرجل المرتدي البياض. قال له "ارحل عني انت و.." فانسحب صاحب الثياب البيضاء. وأضاف "ومن جديد تلاشت فرحتي على صوت خطى تعبر فوق استعدادي للتدخل" وكان هذا شخصا يرتدي السواد. ونجح السواد حيث اخفق البياض "حسنا ..نزلت "سمعت صديقي يستسلم بكلمتين يتكىء على كتف الاسود وينزل عن الحافة... وقبل ان يختفي الغريبان سمعت الاسود يعلن انتصاره بنشوة أنا ربحت هذه الجولة."" في قصة "الاستراحة" عودة مرة أخرى الى الأبيض والأسود في حوار يجري بينهما. يبدأ الكاتب بالاشارة الى قول قاله له مجنون في يوم من الايام. انه يذكر بفلاسفة قدامى وشعراء وكتاب وبشكل خاص بجبران. قال "كي نكون أحرارا يجب أن نخلع عنا أجسادنا .. ولنرى حركة الدنيا بوضوح لا بد من أن نسدل جفوننا على ما تعلمناه في صغرنا." خاطب الأسود الأبيض قائلا "كيف تسير أعمالك أيها الخير؟ لم يخف الابيض ابتسامة انانية بعد ان سمعه يناديه بلقبه المحبب واجابه "بخير أيها الشر وانت ؟" وهنا أجاب "القاتم" وقال للابيض "محاولا انهاء اللقاء "أفضل منك." ورد الخير قائلا "أتعلم لايزال الانسان كل ليلة في صلاته يطلب مني ان انجيه من اعمالك الشيطانية." وأجابه الشر قائلا "أتعلم لا يزال الانسان كل ليلة في شكواه يسألني ..أين عدلك الالهي؟" وفي قصة "الاغراء" واقعية ساخرة وحادة. فتاتان في مقهى ونظرات وحركات ذات معان يتلقفها الشاب الجالس قبالتهما وسط نظرات شبان اخرين وحسد الفتاة المشرفة على المقهى. تغادران بعد ان تركت احداهما له رقم هاتف ليتصل بها. وقد جرى حسم الصراع هذا بطريقة قاطعة اذ ان المشرفة على المقهى تلقفت الورقة التي كتب عليها الرقم ومزقتها. في "رجل عادي كالليل" شيء جارح من واقع مؤلم يبدو واسع الانتشار. رجل موظف في مكتب كبير. انه الان في بيته. يداعب طفلته ويقبل زوجته قبلة الصباح ويوصل ابنته الى "باص" المدرسة ثم يتلقف حقيبته ويذهب الى عمله. يعمل بكد وجدية مع بعض التسلية مع زملائه على فنجان قهوة. وعند الانتهاء من عمله يخرج فاذا هو في غرفة في فندق يستحم ويتعطر وينتظر امرأة تأتيه بعد فيمارسان الجنس. تغادره بعد فترة وقد سحبت "من حقيبتها مظروفا بنيا صغيرا وتضعه تحت المصباح على المنضدة قربه." في "هدية" واقعية محزنة تتحدث عن تمثل السعادة والاسى في أمور تبدو للاخرين تافهة. ثلاثة من عمال التنظيف يعثرون على دراجة قديمة بين النفايات. كل من الثلاثة يتصورها في عالمه الخاص أحدهم فكر في حزن لماذا لا تتزوجه ابنة خاله. الثاني ينظر الى الدراجة بعين دامعة مرددا في سره ماذا لو كانت زوجته حاملا "اما الرجل الثالث فكان ينظر الى ضوء الصباح المتسلل في اخر الطريق يتخيل عيني ابنته الصغيرة عندما تركض لاستقباله ككل يوم." بعض العناوين تحتوي على أفكار تأتي في كلمات شعرية محدودة ومن ذلك "عصفور وشجرة" حيث يقول الكاتب "قالت له "لو كنت أملك جناحيك لحلقت إلى أقاصي الدنيا. قال لها "لو كنت أملك جذورك لما بحثت كل عمري عن وطن "."