صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، كتاب "محاولات الالتباس والوعي بالنص الشعبي" لمسعود شومان. يحاول هذا الكتاب فض بعض الإشكاليات الاصطلاحية الدائرة حول: التراث، الموروث، المأثور، طارحة مجموعة من التساؤلات منها : لماذا تغافلت معظم الدراسات المشغولة بقضايا التراث العربي ، برغم اختلاف ، بل وتناقض ، مناهجها ومنطلقاتها وتوجهاتها ، والتراث الشعبى ، فقد أجمعت دراسات التراث العربي على موقف مشترك من تراثنا الشعبى فتجاهلته، أو ترفعت عنه، أو جنبته بوصفه فى مرتبة أدنى، وها نحن نرى (التراث) يتسع ليشمل "كل شىء" لكنه يضيق عن التراث الشعب. يقول مسعود شومان : يتناول الكتاب مفهوم التراث من وجهة نظر أثنولوجية ومنه يضع فرقا بين التراث والمأثور، فالتراث هو مجموعة الرواسب الثقافية (survival) التى فقدت وظيفتها بمرور الزمن بحيث يكون استعماله مجرد اتفاق شكلى، أما المأثور فهو ما أُثر عن السابقين من عادات وتقاليد ومعتقدات وآداب وفنون، وظلت مستمرة بشكلها القديم، أو خضعت لعوامل الحذف والإضافة دون إخلال بمنظومة القيم. ويضيف : وعلى هذا يمكن أن نتكشف عناصر تراثية عابرة للزمن داخل عدد من النصوص آثرت الجماعة أن تحافظ عليها لأنها تلبى لديها حاجات اجتماعية وجمالية، وقد تقوم الجماعة بإحياء عنصر تراثى هنا أو هناك ليأخذ مجراه منضويا تحت جنس المأثورات، بينما قد تقصى أو تتجاهل عنصرا آخر فيدخل فى جنس التراث، وكى نستطيع الكشف عما هو تراثى وماهو مأثورى لابد أن نقوم بمهمة لم يقدر لها أن تتم حتى الآن رغم الجهود المؤسسية والفردية التى تسعى للجمع الميدانى، لكن هذا السعى يتم دون استراتيجية علمية منظمة. ومن هنا يأتى هذا الكتاب ليقدم محاولة فى فهم الجماعة الشعبية من خلال نصوصها . يبدأ الفصل الأول للكتاب بالموال الخماسى، ثم السباعى، ليكون ختامه بتحليل سيسواستطايقى لمجموعة من النصوص الموالية، وجاءت عناوين الفصول جمالية لتتخفف من ثقل المصطلحات دون أن تقع فى فخ التساهل أو التبسيط المخل، ويأتى الفصل الثانى تحت عنوان" هات الجروح فى مربع .. من فنون التربيع المصرية " ليتناول فنون التربيع التى عرفها الإبداع الشعبى منذ زمن بعيد، كما يرصد هذا الفصل بأجزائه عددا من الأشكال الرباعية التى تجلت فى عدة أنواع، منها : الدوبيت – النميم – المسدار - الموال الرباعى- البوشان - الرباعية - الكان وكان - القوما - الحماق – المربع- الواو . أما الفصل الثالث فيدخل إلى قلب وعقل الجماعة الشعبية فى عدد من مناسباتها الاجتماعية، كما يحاول إعادة النظر فى المفاهيم الملتبسة التى تنتج عن التعامل مع ظاهر أو سطح النصوص الشعبية والتى كان من نتائجها أن الجماعة الشعبية ذكورية وأنها تحقر البنت وتكره إنجابها، ويقدم هذا الفصل محاولة فى فض مساحات الالتباس والوعى بالنص الشعبى. ويقف الفصل الرابع على بعض الظواهر الجديدة فى مأثوراتنا الشعبية، وهى كثيرة، رصدت منها : النكتة اللغزية – شعارات المتظاهرين ورسومهم وأيقوناتهم، وحركاتهم كتعبير جسدى، وهو ما يحتاج لعدد من الدراسات المستقلة، كما يركز هذا الفصل على لغة الشارع المصرى من اللغات السرية إلى لغة " الروشنة " - رسائل ال sms الرمضانية بين الشعبية والفردية- التوك توك ظاهرة اجتماعية تعرى المسكوت عنه فى ثقافتنا. ويؤكد مؤلف الكتاب أن مصر لا زالت في حاجة إلى جمع ميدانى منظم، وبشكل دورى، يقوم على المسح الشامل للمناطق الجغرافية فى مصر، مع تتابع الجمع الميدانى لندرك كيف استسلمت بعض النصوص لمصيرها التراثى، وكيف واصلت بعضها عبور الزمن لتظل مأثورية فاعلة فى الجماعة الشعبية .
