يعد الاقتصاد المصري واحداً من أكثر اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط تنوعاً، حيث تشارك قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات بنسب شبه متقاربة في الاقتصاد الوطني لمصر. أما واقع الاقتصاد نفسه فهو محصلة لمجموعة من التطورات والمراحل المتتالية التي استهدفت في ربع القرن الأخير بصفة خاصة إحداث إصلاحات هيكلية شاملة في البنية الاقتصادية المصرية نحو مزيد من اقتصاد السوق، وتحرير سوق العملة وتشجيع القطاع الخاص الذي يساهم الآن بأكثر من 70% من الناتج القومي الإجمالي. وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية الخارجية تسير مصر في طريق المزيد من تحرير التبادل التجاري عبر عضويتها في منظمة التجارة العالمية، ومشاركتها في العديد من التجمعات الاقتصادية الإقليمية والدولية مثل اتفاقية الشراكة المصرية مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقية تيسير التبادل التجاري العربي؛ سعياً لإقامة السوق العربية المشتركة، ومجموعة دول الكوميسا، والاتحاد الأفريقي، ومجموعة أغادير، ومجموعة الخمسة عشر النامية، ومجموعة الثمانية الإسلامية، إضافة إلى العديد من اتفاقات التجارة الحرة الثنائية مع العديد من الدول الأخرى. أما في مجال الاستثمار، فإن مصر تمتلك العديد من عناصر الجذب لرءوس الأموال والاستثمارات، ومن هذه العناصر بنية أساسية قوية من مواصلات برية وبحرية وجوية، واتصالات، ومصادر للطاقة الرخيصة، والقوى البشرية الماهرة، والمدن الصناعية المؤهلة، ونظام مصرفي قوى وآمن، وسوق نشطة للأوراق المالية.. إضافة إلى مناخ الاستقرار السياسي والتشريعي والاقتصادي الذي تتمتع به مصر. لذلك يعتبر الكثير من الخبراء الاقتصاد المصري من بين أحد الاقتصاديات الواعدة بمستقبل أفضل من بين الاقتصاديات النامية. تطور الاقتصاد المصري مر الاقتصاد المصري بعدد من المراحل منذ عام 1952، بدأت المرحلة الأولي عام 1952 واستمرت حتى عام 1960، وغلب عليها اتخاذ عدد من السياسات الاقتصادية تصب في اتجاه إعادة توزيع الموارد، من خلال تدخل الدولة الواضح في النشاط الاقتصادي، وكانت أبرز هذه السياسات قانون الإصلاح الزراعي في سبتمبر 1952، والاتجاه إلى التصنيع لاستيعاب مزيد من العمالة وإنشاء "المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي" أواخر العام نفسه، وبدء الاستثمار الحكومي المباشر من خلاله في شركة الحديد والصلب عام 1954، ثم تأميم قناة السويس عام 1956. ومع تزايد تدخل الدولة بدأ الاتجاه للتخطيط عبر إنشاء لجنة التخطيط القومي عام 1957 بدلا من مجلس الإنتاج القومي. وفي عام 1960 بدأت المرحلة الثانية التي يطلق عليها مرحلة التخطيط الشامل واستمرت حتى عام 1966، وكانت أهم ملامحها التخطيط الاقتصادي القومي الشامل والتطبيق الاشتراكي، وتم البدء بأول خطة خماسية شاملة 60 – 1965 يرتكز تنفيذها على قطاع اقتصادي قائد تسنده عدة سياسات أهمها القوانين الاشتراكية، وتحديد ساعات العمل والأجور، وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، والتدخل في تحديد الأسعار، وقد أسفرت تلك المرحلة عن تحقيق معدل نمو بلغ 38% خلال الخطة الخماسية. وفي عام 1967 بدأت مرحلة ثالثة من التطور الاقتصادي المصري هى مرحلة اقتصاد الحرب، حيث عانى الاقتصاد من مشكلة تمويل الخطة وكانت السياسات تخدم الاستعداد لتحرير الأرض المصرية المحتلة، وزاد الإنفاق العسكري من 5.5% من الناتج المحلي عام 1962 إلى 10% عام 1967، ثم إلى20% عام 1973. المرحلة الرابعة بدأت عام 1974 مع الأخذ بالانفتاح الاقتصادي، وتم إحداث تحول جذري في النظم والسياسات الاقتصادية، وكانت أبرز ملامح هذه المرحلة التحول عن نظام التخطيط الشامل، واستبداله ببرامج سنوية في شكل خطط متحركة، والاستعانة برأس المال العربي والأجنبي في التنمية من خلال قوانين الانفتاح الاقتصادى، وقد تحقق معدل نمو مرتفع خلال تلك الفترة وصل إلى 9.8% ولكنه ارتبط بالنمو في القطاعات الخدمية دون الإنتاجية. ولذلك تم البدء في مرحلة أخرى هي مرحلة العودة للتخطيط القومي الشامل ( 1982- 1990)، ومواصلة السير في سياسة الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار، فقد شرع الرئيس مبارك منذ توليه الحكم في أكتوبر 1981 في تنفيذ مشروع وطني، كانت التنمية الاقتصادية على قمة هذا المشروع؛ لذا كانت الدعوة لعقد المؤتمر الاقتصادي في فبراير 1982 لتحديد من أين وكيف تبدأ مسيرة التنمية في مصر. وخلال المؤتمر اتفق المتخصصون علي أهمية اتباع إستراتيجية تنموية طموحة ومتواصلة من خلال الخطط الخماسية والتى بدأت عام 1982. وقد انصرفت عملية التنمية في المرحلة الأولى لبناء بنية أساسية قوية وجدولة الديون، إضافة إلى تكثيف إجراءات التحول نحو اقتصاد السوق، والتى من أهمها إلغاء نظام التخطيط المركزي والاستعاضة عنه بأسلوب التخطيط التأشيرى، وإعادة النظر فى أولويات الخطة، وتقليص دور القطاع العام تدريجياً، والتحول إلى القطاع الخاص مع الإبقاء على دور الدولة فى إدارة الاقتصاد الكلى على نحو يكفل استقرار الأسعار والتوازن الخارجي والعدالة في التوزيع ومنع الاحتكار، والانتقال من مرحلة التصنيع من أجل الإحلال محل الواردات إلى مرحلة التصنيع من أجل التصدير. تعد السياسات السابقة هي بداية مرحلة جديدة فى الاقتصاد الكلى المصرى، وبالتالي انعكست آثارها على الخطة الخمسية الأولى (82 / 83 - 86 / 1987). والتي تعتبر ثاني الخطط الثابتة بعد الخطة الأولى فى 60 / 1964؛ نظراً لوجود عاملي الثبات والمرونة وما تضمنته من أهداف تفصيلية يمكن أن توصف بأنها خطة "واضحة الأهداف والأسس"، كما كانت ذات طابع تطبيقي توزعت فيه الأهداف الإجمالية على الأنشطة الاقتصادية، وعلى جهات الإسناد الرئيسة بحيث تصبح الجهات على وعي كامل بالأهداف المطلوب بلوغها فى الإنتاج. أكدت نتائج الأداء الاقتصادي والمالي حدوث تحسن كبير خلال العام المالي المنصرف والربع الأول من العام 2007-2008، فقد حقق الاقتصاد المصرى نموا بمعدل 7.1%، وهو أعلى معدل نمو منذ عشر سنوات، حيث ارتفع الناتج المحلى الإجمالى بتكلفة عوامل الإنتاج إلى 684.4 مليار جنيه. شهد عام 2007 بدء العمل بالخطة الخمسية 2007 / 2012 والتي تستهدف تحقيق معدل نمو سنوي 8% وخفض معدل التضخم إلي5% بنهاية الخطة. كما شهد الإعلان عن أكبر موازنة في تاريخ مصر، حيث بلغ حجم الموازنة العامة الجديدة لعام2008/2007 نحو267 مليار جنيه. شهد عام 2007 ارتفاع الإيرادات العامة والمنح بنسبة 19.1% لتصل 180.2 مليار جنيه، حيث ارتفعت الإيرادات الضريبية بنحو 16.9% لتصل 114.3 مليار جنيه، كما ارتفعت الإيرادات غير الضريبية بسنة 23.2% لتصل 65.9 مليار جنيه، وبلغت حصيلة الضرائب على الدخل فى العام المالى المنصرم 58.5 بزيادة 21.3% عن العام السابق، كما ارتفعت حصيلة ضريبية المبيعات بنسبة 13.7% لتصل 39.4 مليار جنيه، كما ارتفعت حصيلة الجمارك بنحو 7.4% لتصل 10.4 مليار جنيه؛ وذلك بسبب زيادة الواردات كما ارتفعت الإنفاق على الأجور والمرتبات بنسبة 11.6% ليصل 52.1 مليار جنيه، وارتفع بند المدعم والمنح والمزايا الاجتماعية إلى 58.4 مليار جنيه، وتراجع العجز الكلى من 9.2% إلى 7.5% من الناتج المحلى الإجمالى. كما تم البدء فى إصلاح نظام المعاشات والأخذ بنظام المشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص فى تنفيذ مشروعات التنمية، مشيرا إلى أنه تم أيضا تنفيذ عدد من الإصلاحات المؤسسية والإدارية لتقرير التوجه الإصلاحى وضمان استدامته. مرحلة الإصلاح بدأت هذه المرحلة منذ عام 1990 وحتى الآن. وقد جاءت هذه المرحلة في إطار التحول إلى آليات السوق واتخاذ عدة سياسات لمعالجة الاختلالات النقدية والهيكلية وأهمها: تحرير سعر الفائدة، وإصلاح وتحرير سعر الصرف، وإنشاء سوق حرة للصرف الأجنبي، وتنفيذ برامج للخصخصة وتحرير القطاع العام والتجارة الخارجية. وقد بذلت مصر خلال التسعينيات الكثير من الجهد للتحول من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر؛ مما أدى إلى تخفيض العجز في الموازنة وخفض معدل التضخم إلى أقل من 3% واستقرار سعر الصرف، بالإضافة إلى تحرير تجارتها والقضاء علي قيود ومعوقات الاستثمار، وخصخصت أكثر من 50% من شركات القطاع العام؛ مما أدي إلى ارتفاع معدل النمو إلى 5%. وفي الفترة من عام 1991 حتى 1997 نجحت مصر في برنامج الإصلاح الاقتصادي، وبدأ الاقتصاد المصري يتحرك نحو مزيد من النجاح، غير أنه واجه بعض الصعوبات نتيجة للتأثيرات التي لحقت بالاقتصاد العالمي منذ عام 1997؛ بسبب الأزمة الاقتصادية في دول شرق آسيا التي تسببت في دخول الاقتصاد العالمي في فترة من التباطؤ، فمنذ ذلك العام واجه الاقتصاد المصري مجموعة من التحديات تمثلت في ارتفاع نسبة العجز في الموازنة وارتفاع معدلات الائتمان وانخفاض عائدات البترول من النقد الأجنبي، ورغم هذه التحديات استطاعت الحكومة المصرية السيطرة علي عجز الموازنة من خلال العديد من الإجراءات الاقتصادية والإصلاحات التشريعية في مجال الضرائب والجمارك وبعض القوانين الاقتصادية المهمة.