تشكل لغة "الخطاب الثقافي – السياسي" أهمية بالغة لأي أمة في أوقات الأزمات والمحن واللحظات الخطرة مثلما هو الحال الآن في مصر وكما كان الوضع في بلد كبريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية. وثمة اتفاق واضح بين العديد من المحللين والمعلقين والكتاب والباحثين المصريين على أن "مصر تعيش لحظات تاريخية حرجة وتواجه مخاطر داهمة بل وتتعرض لحرب فعلية"، الأمر الذي يتطلب بالضرورة خطابا ثقافيا - سياسيا ملهما فيما نوه بعض من تصدى لهذا الموضوع بأن تلك اللحظات كشفت بالفعل عن قدرات عالية المستوى لدى رموز وقيادات تدير الأزمة الراهنة. وكما قال أحد أعظم المراسلين العسكريين أثناء الحرب العالمية الثانية وهو الأمريكي ادوارد مورو، فإن ونستون تشرشل: "قام بتعبئة اللغة الإنجليزية وحشدها في ساحة المعركة الكبرى". وفي كتاب جديد صدر بعنوان "زئير الأسد: القصة التي لم ترو عن خطابات تشرشل في الحرب العالمية الثانية"، يقول المؤلف ريتشارد تويي إن هذه الخطابات تحولت إلى خيوط نسجت منها أسطورة وطنية. والكتاب يبحث بصورة مفصلة عن كيفية استخدام الزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل للغة الإنجليزية كسلاح فاعل في المعركة الكبرى لبلاده أثناء الحرب العالمية الثانية، فيما نجح مؤلفه في أن يفلت من البرودة الأكاديمية وأسر ما يعرف بتحليل المضمون ليكون الكتاب ممتعا للقاريء العادي الذي مازالت الحرب العالمية الثانية تثير مخيلته كنموذج للصراع الإنساني في لحظة الغليان والاحتكام للغة السلاح. ففي تلك الحرب، أطلق تشرشل "عبارات لاتنسي" وكانت لقدراته الثقافية الرفيعة المستوى دورها في "صك جمل خالدة" ضمن بلاغة خطب ارتقت لمستوى تحديات الحياة والموت وقرارات الحرب والسلام فيما كانت لغة الخطاب السياسي - الثقافي لتشرشل عاملا له وزنه الكبير في كتابة قصة النصر لبلاده. ويؤكد الكتاب الجديد على أن تشرشل تعلم من والده اللورد راندولف أن يعد خطبه بنفسه ثم يحفظها عن ظهر قلب قبل أن يوجهها للجماهير وأنه خلافا للتصورات لدى البعض عن "شخصيته الأتوقراطية" كان قريبا للغاية في لغة خطابه السياسي من "ابن البلد" أو "رجل الشارع" في بلاده. كما يوضح الكتاب الجديد بصورة مستفيضة توظيف القدرات البلاغية وحشد الإمكانات اللغوية لونستون تشرشل في خطبه أثناء الحرب العالمية الثانية، خاصة بعد هزيمة قواته في دنكرك أمام الألمان بغية استمالة الرأي العام العالمي وكسب التأييد الأمريكي على وجه الخصوص لبريطانيا في هذه الحرب. فلغة الخطاب السياسي في الحروب والأزمات الكبرى واللحظات الفارقة في مسيرات الأمم تشكل بعدا هاما في تشكيل مستقبل أي أمة بقدر ماتدخل محكمة التاريخ لتقييمها ثقافيا مثلما حدث ويحدث حتى الآن في بلد بحجم بريطانيا التي تستعيد "لغة تشرشل" بوصفها "لغة الساعات المجيدة والفاصلة في حياة الأمة البريطانية" ومستقبلها. وكما قيل بحق فمستقبل مصر لن يتقرر إلا في مصر التي تواجه إرهابا في الداخل وضغوطا ومؤمرات من الخارج لهدم الدولة وتفكيك المجتمع، فيما يقول الكاتب عصام رفعت أن "مصر وقعت في قبضة الحرب وهى حرب من الداخل". وأضاف: "علينا إذن أن نتوقع كل الاحتمالات وأكثرها سوءا وألا يقتصر الفكر استراتيجيا على أنها معركة وسوف تنتهي ولكنها كما تقول الشواهد والملاحظات معركة طويلة المدى وما يحدث الآن مجرد حلقة من حلقاتها كما ينبغي علينا ادراك واستدراك مواقف المجتمع الدولي مما يحدث الآن في مصر". ودعا عصام رفعت "للتعبئة الكاملة للامكانات المحلية وقبول التحدي ومواجهة الانصراف الخارجي بالاعتماد على الذات". وتابع: "وعند هذه اللحظة سوف يحترم العالم إرادتنا، وإذا كان الشعب ثار من أجل العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية فإن ذلك كله ليس من عطايا الحاكم ولكنها حلقات متصلة من النضال الوطني الذي له ثمنه الذي يجب أن نتحمله مهما كان لاسيما وأن مصر الآن في قبضة حرب لها وجوه متعددة". وفي سياق تناوله "لفيضان العنف السياسي المتشح بالأردية الدينية أو احتكار الحديث باسم الشرعية"، أشار الكاتب والباحث المرموق نبيل عبد الفتاح إلى "الخطابات السياسية المتنازعة على العقل والوعي شبه الجمعي للأغلبيات الشعبية باستخداماتها الغائمة". كما توقف نبيل عبد الفتاح عند "الخطر المتمثل في فوائض العنف الخطابي الايديولوجي والرمزي وتبسيطاته وأحيانا سذاجته ولاتاريخيته وانفصاله عن الواقع الموضوعي الوطني والإقليمي والكوني، نعم تلك لحظات لاتحتمل مزايدات أو متاجرات وإمعان "في الشيطنة" وتكريس "الدائرة الجهنمية والحلقة المفرغة" وإنما تتطلب القدرة على الصمود والمواجهة، لحظات تتحدث فيها مصر عن نفسها. تحطم حلقات المؤامرة الكبرى وتنتصر في معركة الحرية".