قلت لهم وقتها: ستسقط نخلة النظام في حجر الإخوان، قالوا بنزق ثوري: وماله.. نجرب.. والميدان موجود. قلت لهم: الصلاة خلف القرضاوي 18 فبراير جمعة النصر تنقض الوضوء السياسي، فصلّوا خلفه مبتهجين بوهم النصر. قلت لهم: الجماعة المحظورة أضحت محظوظة، قالوا: حقهم، قلت: تصير بخطى ثابتة من البُرش إلى العرش، قالوا: مش للدرجة دي! الإسلاميون بمختلف فصائلهم، لم يكونوا دخلاء على ما ظنه البعض ثورة، وهو في الحقيقة انتفاضة شعبية، استغلها العسكر في الضغط على مبارك، لتحقيق مصالحهم ضد التوريث، لم أكن من رجال العهد غير المبارك في يوم ما، ومع ذلك كنت ثوريًّا على طريقتي، وبكتابتي، ولم أكن ينايري الهوى، ولا الهوية، كنت مع أصول الثورية التي تمرغت في تنظيرها أيام طفولتي اليسارية، وكان أن كسب التيار الإسلامي الثورة، وخسرها كل من شارك فيها من الذين قالوا: لنا في تونس عبرة.. ثم هاجوا لهدم النظام، ثم الأمن، ثم الدولة المصرية! الإسلاميون على عكس العلمانيين تمامًا، لم يستفيدوا من نظام مبارك، الذي أضحت رموز نظامه على المستوى الثقافي والإعلامي، من كبار الثوريين، وهم الذين نالوا جوائز نظامه، ومناصب التحكُّم في مصائر المثقفين والإعلاميين، كان أغلب العلمانيين يراهنون على استبداد مبارك ضد أعدائهم من التيارات الدين سياسية، ويساندون مبارك ليس لأنه الرئيس الحكيم كما كانوا يكتبون في وجهه، ولكن لأنه أمل مصر في مدنية ترتدي ملابس عسكرية، وبعض المعارضين لسياسات نظامه البائد من العلمانيين كانوا يعارضونه سياسيًّا ويتفقون معه على قمع مخالفيهم وفقط! ثم ادَّعى أغلب مثقفينا أنهم مع الثورة، خوفًا أو طمعًا، وادَّعوا أن الشعب يريد، وهم في دواخلهم يرون الشعب إما جاهلاً أو مغيبًا، وأعلنوا الوصاية ويا للمهزلة على الشعب باسم الليبرالية، وحذروا الشعب الذي لا يعرفون دواخله، بحكم اغترابهم عنه، وغربتهم فيه، وغرابتهم بالنسبة إليه، من صعود الإسلاميين، فكيف كانت النتيجة؟! اختار الشعب دعاة الهدنة من الإسلاميين في مجلسه الموقر، وسقطت شرعية الميادين منذ استفتاء 19 مارس على التعديلات الدستورية، وحتى الانتخابات البرلمانية، وسقطت الشرعية الثورية عند الترحيب بالجيش في الميدان، بشعار "الجيش والشعب إيد واحدة"، حتى اكتشف العلمانيون حصاد خيبتهم القوية، ودخلوا في صراع مع الجيش، وظلوا يهتفون خلف زعيمهم البرادعي، حتى تخلَّى الزعيم عن الثورة بانسحابه من الانتخابات الرئاسية، ولم نعرف هل انسحب بأوامر من كارتر، أم بمخاوف من الإسلاميين؟! ولعلنا نراجع مواقف الإخوة العلمانيين والليبراليين من التيار الإسلامي الذي لم أزل مختلفًا معه، حتى بعد خلع عباءة العلمانية، لأسباب دينية لا سياسية، ونكتشف معًا محاولة مدعي الثورية والليبرالية لتشويه التيار الإسلامي، وهذا لا يعني أنهم ملائكة أبرار، على العكس، الإسلاميون أيضًا حاولوا اغتيال خصومهم، بحملات شبه منظمة، إلا أن الإسلاميين لم يتهموهم بما ليس فيهم، ولكن العلمانيين والليبراليين استخدموا فزاعات غير حقيقية، بل وبدوا في قمة تناقضهم، وهم يسخرون من لقاءات الإخوان والأميركان، ولقاء السلفيين مع تل أبيب، على الرغم من أنهم كانوا يخوفوننا من علاقة الإخوان مثلاً باتفاقية كامب ديفيد، ثم تصل الازدواجية إلى مداها، عندما يعيّرون الإسلاميين بمرونتهم السياسية، ويحاكمونهم على خلفية دينية، هم أجهل الناس بها! ويبقى الواقع يشهد بأن الإسلاميين رغم معارضتهم الشديدة لنظام مبارك، وتحقُّقهم السياسي في الشارع المصري، ودخلوهم البرلمان بأصوات حرة لناخبين اختاروا القريب من مشكلاتهم الحياتية البسيطة، الذين يخاطبونهم بما يفقهون من القول، ولا يعدونهم برفاهية مرتهنة بخلع دينهم، والسعي إلى مستقبل غامض تحت مظلة العلمنة، أو التغريب! الإسلاميون شاركوا مخلصين فيما أطلقنا عليها اعتباطًا ثورة يناير، ليفوزوا خلال عام واحد بتعويض شعبي ورسمي عن قمع سنوات عجاف، فهم من يمثلون الشعب في برلمانه، وهم أكثر مرونة من غيرهم على المستوى السياسي، أما عن خطاياهم السابقة في حق الشعب من وجهة نظر التيار العلماني، فقد غفرها لهم الشعب، ولا مجال لاتهامه الآن من قبل القلة المعلمنة، بالجهل والتغييب، ولا وصاية لبني علمان على شعب مصر، ولننتظر ماذا سيقول السفهاء على الإسلاميين في البرلمان، بحيث تبدو محاولة القلة المندسَّة في منع مجلس الشعب من الانعقاد في أولى جلساته، محاولة للخروج على الشرعية، وتجب مواجهتها بكل حسم، كمحاولة حمقاء لمنع نواب الشعب من الحديث باسمه! الطريق إلى الديمقراطية عبر صندوق التصويت، وليس عبر ميادين الوصاية، ودم ضحايا العنف في رقبة نواب الشعب، وهم مسzئولون عن محاسبة من أهدرها، وبالقانون لا البلطجة، بالشرعية الشعبية التي اختارت ألا تكون ثورية، بعدما شربت مرار الغشم السياسي، وعانت من ادعاءات الثورية الزائفة! هلا قد بلغت، اللهم فاشهد. [email protected]