مليونية الجمعة الماضية كانت لتوحيد الصف ولم الشمل، وجمع كل المصريين مسلمين وأقباطا، ليبراليين وإسلاميين على كلمة سواء هى مصر أولا، بعد أن تم الاتفاق بين جميع التيارات على تنحية كل الشعارات جانبا، وأن يكون الهدف من الخروج هو توحيد الإرادة الشعبية، وعدم تخوين الآخرين، وتحديد المطالب نظرا لأهميتها مع الوضع فى الاعتبار أن تقوم على المبدأ الأساسى الذى قامت من أجله ثورة 25 يناير وهو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن تناسى الإسلاميون كل ذلك ورفعوا شعاراتهم الخاصة التى تشير إلى أن الدولة إسلامية ولن تكون ليبرالية، ولن تسير نحو العلمانية التى تحث على الفجور والانحلال كما يراها السلفيون. ولأن الليبرالية والتى عبر عنها الفكر السلفى المتشدد بأنها تعنى «أن أمهاتنا سيخرجن إلى الشوارع بدون حجاب» هذه هى الليبرالية التى يعتقدها الإسلاميون، الذين يفترض فيهم أنهم سيشاركون فى الحكم وسيساهمون فى صنع المستقبل. فى ميدان التحرير وعلى مدار ما يقرب من «12 ساعة» قضيتها لمتابعة ورصد كل ما يدور فى أروقة الميدان وعلى منصاته الخمس وجدت المليونية التى شارك فيها أصحاب الرؤى المختلفة وفى لحظات قليلة تتحول من مليونية لجمع الشمل إلى «إسلامية إسلامية» ولذا فأفضل توصيف لهذه الجمعة أنها جمعة الانقسام والفرقة لا جمعة «لم الشمل» فكانت الجمعة بمثابة انقسام حقيقى بين المصريين، عرفت خلالها أن هذا سلفى وآخر إخوانجى، وثالث ليبرالى، ورابع إبريلى «نسبة إلى حركة 6 أبريل» ووجدت فصيلاً آخر حضر متفرجا ولكن هذا الفصيل ترك الميدان سريعا عائدا إلى منزله حزينا لأنه لم ير ميدان التحرير الذى عاش فيه أيام 25 يناير فولى باكيا على أطلال الميدان وأحداثه العظيمة التى تحققت عندما اتحد أبناء التحرير على كلمة واحدة «مش هنمشى هو يمشى» فرحل الطاغية، وانهار نظامه، ووضعت رموزه من الطغاة فى السجون وخلف القضبان، لكن سمة الميدان فى الجمعة الماضية كانت «مش هنتفق لازم نختلف ونقسم الكعك». كفار وجهلاء رأيت فى ميدان التحرير الذى ارتفعت فيه أيام الثورة الأولى شعارات مثل «مسلم ومسيحى إيد واحدة» والجيش والشعب إيد واحدة وكلنا مصريين والجميع أكتافهم متساوية وأهدافهم واحدة رجالا ونساء، شبابا وفتيات لا هم لهم غير تطهير مصر من الفساد، لكن فى هذه الجمعة رأيت ميدانا جديدا تحول شعبه من كلنا مصريين إلى كلنا إسلاميين والشعب يريد تحكيم شرع الله وكأننا كفار أو جهلاء نسعى إلى نشر حكم الجاهلية والضلال، وكانت شعارات الإسلاميين تشير إلى ذلك، وأكد بداخلى هذا الإحساس لافتة قماشية كبيرة يحملها شابان سلفيان فى العشرين من عمرهما مكتوبا عليها قوله تعالى «أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون» وعندما سألت أحدهما عن معنى الآية قال لا نريد غير الحكم بما أنزل الله ورسوله، وأن تعود مصر إسلامية. ونظرا للاتفاق الرهيب بين الإسلاميين على رفع نفس الشعارات، سمعت فى نفس اللحظة التى أتحدث فيها مع هذا السلفى ما يقوله الشيخ صفوت حجازى من أعلى إحدى المنصات الموجودة فى قلب ميدان التحرير فقال «إحنا النهاردة نازلين عشان نقول لأمريكا مصر عايزة الإسلام» فهلل الواقفون أمامه من أصحاب اللحى الطويلة «بالروح بالدم نفديك يا إسلام» والله أكبر. وأضاف حجازى: «نحن نرفض الوصاية على شعب مصر، ولا نريد مبادئ فوق دستوردية ولا تحت دستورية، ولكن نريدها إسلامية إسلامية، فهلل الواقفون «إسلامية إسلامية رغم أنف الليبرالية». اسلمى يا مصر كما سمعت شابا آخر ينتمى إلى التيار السلفى أيضا يتحدث فى هاتفه المحمول قائلا بصوت عال «أمال فين رجالنا، مش شايفهم ليه، فى الميدان، إحنا عايزين نقول لليبراليين «الإسلام قادم» اتحركوا بسرعة».. وأنهى المكالمة ووقتها سألته ماذا تعنى بالإسلام قادم وهل الإسلام الذى يعنيه غير الإسلام الذى ندين به جميعا؟ فقال الإسلام الذى نريده هو أن يكون القرآن دستورنا، وكفانا دساتير شرقية أو غربية لماذا نطبق هذه الدساتير ونحن لدينا دستور القرآن.. وأضاف: الإسلام أن يتم تطبيق شرع الله حتى تسلم مصر، واستطرد قائلا: نحن الإسلاميين لسنا ضد مطالب الثورة، ولكن الشريعة الإسلامية أولا.. فسألت نفسى وقتها وهل كفر الليبراليون بما أنزل على السلفيين. ربنا عليهم والتقيت فى الميدان بسيدة فى عقدها الخامس يرتسم على وجهها القلق والخوف من الغد الذى لاتتضح معالمه، ووجدتها تسألنى بلغتها البسيطة «هما ليه يا ابنى مش بيخلوا البلد إسلامية طالما الليبراليين مضايقينهم، ما يسيبوهم يعملوا البلد إسلامية» وعندما سألتها أنت عايزة البلد إسلامية؟ قالت «أنا عايزة البلد ترجع تانى كما كانت حتى نشعر بالأمان على أبنائنا وحتى نتمكن من العمل وأكل العيش بدل الخوف الذى سيطر علينا، فسألتها وهل أنت ترين أن البلد ليست إسلامية، ألا تصلين وتصومين وتخرجين الزكاة؟ فقالت نعم، فقلت لها هل يستطيع أحد بعد ذلك أن يقول أنك لست مسلمة، فقالت لا أنا مسلمة قلت لها كلنا كذلك حتى الليبراليون فسألتنى عندما تكون البلد ليبرالية هيكون شكلها إيه؟ قلت لها أن تكونى حرة فى أن تمارس العمل، ويكون لك الحق فى ممارسة الحقوق السياسية، وأن تقومى بتعليم بناتك تعليما جيدا، وأن تعبرى عن رأيك بحرية دون أن يمنعك أحد من ذلك، فقالت «طيب ما هى الليبرالية حلوة، إمال هما عايزين إيه» قلت لها «عايزين الحكم» فقالت بعفوية شديدة «أعوذ بالله ربنا عليهم». ثم اتجهت إلى الخيام التى اعتصم فيها الثوار الذين يعرفون قيمة هذا الوطن، ولا يسعون إلى مصالح شخصية، وفى إحدى الخيام الموجودة فى قلب الميدان التقيت بعدد من الشباب الذين أعلنوا انسحابهم من المشاركة فى المليونية بعد أن نقض الإسلاميون العهود التى تم الاتفاق عليها، وبعد أن قاموا أيضا برفع الشعارات الدينية. لا رجعية ولا حزبية قال لى عمرو عز الدين أحد الشباب المعتصمين.. من الشعارات التى سمعتها فى ميدان التحرير بعد ثورة 25 يناير «لا إخوان ولا أحزاب ثورتنا ثورة شباب» فعندما قامت الثورة أعلن الشباب خلالها أنه لا طائفية ولا رجعية ولا حزبية وأن مصر دولة مدنية، ولذلك لم يرتفع أثناء الثورة شعار دينى واحد، ولكن ما حدث بعد أن نجحت الثورة فى خلع الطاغية تحركت جماعة الإخوان المسلمين لعقد تحالفات مع بقية جماعات الإسلام السياسى آملين فى السيطرة على البرلمان القادم، وهم اليوم يسعون إلى صياغة دستور للدولة الدينية التى يريدونها قبل أن تنتظم قوى وائتلافات الثورة ممارسين نفس الأساليب الفاسدة التى مارسها الحزب الوطنى قبل الثورة، ولكننا لن نسمح لهم بذلك فالدولة مدنية أو الموت فى الميدان. حلاوة روح وأضاف شاب آخر قائلا: بعد الثورة انتهت آمال المنادين بالدولة الدينية، وبالفعل انتهت أسطورة الإخوان والسلفيين فى الأيام الماضية، لكن ما نشهده اليوم «حلاوة روح فقط» فبعد أن فتحت لنا الثورة طريق المستقبل لبناء مصر جديدة لن نعود إلى الخلف مرة أخرى فالشعب المصرى متدين بالفطرة والدليل صلاة المصريين «مسلمين وأقباطاً» فى الميدان أيام الثورة الأولى، وبالإضافة إلى ذلك فنحن شعب يعشق الحياة ويحب المدنية ويبحث عنها، ولذلك أعتقد أننا سنكون قادرين على تصحيح أخطاء الإخوان وغيرهم حتى نتمكن من البناء للغد بلا عوائق