تعد دار المحفوظات التابعة لوزارة المالية والواقعة بجوار قلعة صلاح الدين، لأهم موقع لحماية ذاكرة مصر التاريخية، وكما كانت القلعة تحمي القاهرة من المغيرين والأعداء، فإن الدار ستصبح وعاء مستنداتهم، تحتضن بين مخازنها العديدة أوراق تاريخهم، وفيها توجد الوثائق الرسمية التي تثبت ميلادهم ووفاتهم.. أملاكهم ووظائفهم.. وكل ما يتعلق بتوثيق حياتهم. ونظرًا لأهمية الدار وما تحويه من أوراق وأسرار بدأت وزارة المالية منذ أكثر من 5 سنوات خطة لتطوير الدار، وتأمينها بشبكة من أجهزة الإطفاء والإنذار للحفاظ علي ما تحتويه من مستندات تزيد على 2 مليار وثيقة.
ويقول طارق فراج، وكيل أول وزارة المالية، رئيس مصلحة الضرائب العقارية، والذي أشرف علي مشروع تطوير وتأمين دار المحفوظات عندما كان رئيسا لها أن عملية ترميم وتطوير دار المحفوظات استغرقت أكثر من 4 أعوام، وتضمنت تطوير المخازن وتزويدها بشبكة إطفاء تعمل أوتوماتيكيا في حالة نشوب حريق، كما تدق أجراس الانذار، ويتم الإطفاء بالبودرة بالنسبة للمخازن التي توجد بها الوثائق من شهادات ميلاد ووفاة وعقود الممتلكات والتاريخ الوظيفي للموظفين ووثائق الوزارات ، بينما تعمل أجهزة الإطفاء بالماء في الأجزاء التي توجد بها مكاتب الموظفين. وتكلف تزويد الدار بأجهزة الإطفاء والإنذار الذاتي نحو 4 ملايين جنيه، وقد تم تنفيذ الخطة للحفاظ على كنوز الوثائق التى تضمها الدار والتى تزيد على 2 مليار وثيقة تضم توثيقا لثروات مصر وسكانها على مدى مائتى عام، بالإضافة إلى التيسير على المواطنين الذين يبحثون عن المستندات والوثائق الخاصة بهم بعد ميكنة الدار بالكامل. وأضاف فراج: "كما تم ترميم دار المحفوظات بطرق لا تمس القيمة الأثرية للدار التى أنشئت فى عهد محمد على الذى حكم مصر فى مطلع القرن الثامن عشر وكانت تسمى بالدفترخانة وأصبحت تتبع وزارة المالية فى عام 1857 ثم انتقلت لوزارة الداخلية سنة 1876 لتعود إلى المالية مرة أخرى سنة 1905، فالدار ذات مكانة أثرية مهمة، ولذلك تم ترميمها وتطويرها بالتعاون مع هيئة الآثار بعد تشكيل لجان من المهندسين المختصين بالآثار وبعض مسئولى الدار، وتم إخلاء الدار ونقل المحفوظات الثمينة بها لإجراء عمليات الترميم اللازمة لها، وتم صلب المخازن لحماية الدار من الانهيار. ويؤكد طارق فراج أنه نظرا لما تحتويه دار المحفوظات من كنوز ووثائق مهمة للتاريخ المصرى تقرر تطويرها لتتواكب مع تكنولوجيا العصر الذى نعيشه، وتم وضع الخطوط العريضة للتطوير، الذى شمل تحسين نظم الإضاءة والتهوية وإدخال نظام إطفاء الحريق الذاتية وكذلك الكاميرات التليفزيونية بهدف الحفاظ على الدار ومقتنياتها من العبث أو السرقة مع توفير أعلى درجات الحماية للدار، كما تم ميكنة 46 مخزنا تضمها الدار وهى تحفظ أكثر من 60 مليون وثيقة من بينها نحو 30 مليون وثيقة يعود تاريخها إلى ماقبل عام 1905 كما تضم ملفات مشاهير مصر فى مختلف المجالات الرسمية والعلمية والاقتصادية، بالإضافة إلى خرائط ملكية الأراضى المصرية ومخازن للوزارات المصرية منذ انشائها ومستندات وزارة المالية منذ انشائها أيضا شاملة دفاتر المكلفات "الأطيان والمكلفين بسداد الضريبة عنها وتداول الأطيان "المنشأة اعتبارا من عام 1872 .. ومكلفات الأطيان والمساحة المعتمدة والميزانيات وجرد المبانى ومكلفة العوائد والعيون والآبار والمساحة العمومية، وكذلك تضم الدار دفاتر جرائد الأطيان العشورية الموضوعة قبل فك الزمام، ودفاتر تقسيم أطيان العائلات، وقوائم أطيان الجزر والخرائط المساحية وأملاك الميرى. وأكد طارق فراج أن تطوير دار المحفوظات يحافظ على ذاكرة الأمة من الضياع، كما ستساعد عملية ميكنة دار المحفوظات على تشجيع الجهاز المصرفى فى التوسع فى الإقراض، وبالتالى إتاحة مزيد من الاستثمارات اعتمادًا على رفع درجة الثقة فى الضمانات العقارية، والذى يعد هدفا أصيلا لنظام الحفظ والتوثيق ويمكن تحقيق ذلك من خلال ربط شبكة الشهر العقارى المعنى بتوثيق الملكية العقارية مع شبكة الضرائب العقارية المعنية بتوثيق التصرفات العقارية، كما سيؤدى تطوير الدار إلى رفع المعاناة عن المواطنين حيث انخفضت مدة البحث عن الوثيقة من أسبوع كامل إلى عشر دقائق فقط مما يخفض تكلفة حصول المواطن على الخدمة، فالمواطن يقدّم طلبه فى الشباك المخصص ثم ينتظر فى مكان مخصص لانتظار المواطنين لحين الحصول على الوثيقة التى يطلبها دون التعامل مع أحد سوى موظف الشباك فقط. وتضم دار المحفوظات أيضًا مستندات وزارة الصحة الخاصة بالمواليد والوفيات، ودفاتر المال الخاصة بضبط التركات والمواليد الذين تم تطعيمهم وبلاغات الوفاة، وتعداد السكان لسنة 1264 هجرية، وسجلات القومسيون الطبى العام بالقاهرة ودفاتر المواليد والوفيات بأنواعها، بخلاف 60 مليون وثيقة أخرى تابعة للدار بمخازنها فى المحافظات يتم حاليا العمل على حفظها على أجهزة الكمبيوتر. وقد تم الحفاظ على الوثائق الموجودة بالمصلحة من خلال تصوير الدفاتر الحالية على أفلام الميكروفيلم للحد من تداول الدفاتر بين أقسام الدار والمخازن لاستخراج صور المستندات التى يطلبها المواطنون سواء كانت شهادات المواليد والوفيات منذ عام 1837 وحتى عام 1961، أو الكشوف الرسمية للأطيان الزراعية والعقارات المبنية بداية من عام 1882. كما يتم نقل تلك البيانات على أجهزة الكمبيوتر، وتم تصوير شهادات الميلاد والوفيات منذ حكم محمد على حتى عام 1960 على أفلام الميكروفيلم وسيتم قريبا الانتهاء من نقلها على أجهزة الكمبيوتر، كما يتم حاليا تنفيذ نفس الطريقة لتصوير وثائق الأطيان الزراعية. ويضم المبنى الحديث للدار 46 مخزنًا تحتوى على دفاتر المواليد والوفيات والتطعيمات لجميع سكان مصر منذ عام 1838 حتى عام 1961، كما يضم المبنى الثانى الحديث للدار دفاتر مكلفات للأطيان منذ سنة 1905 فيما يخص فك الزمام ودفاتر إجمالى الناحية ودفاتر المساحة المعتمدة منذ عام 1901 فى بعض المحافظات، بالإضافة إلى مكتبة ضخمة تضم 10 آلاف و832 كتاباً من أهمها جريدة الوقائع المصرية بداية من عام 1885 وقرارات الخديو التى تعرف بال "ديكريتو" واتفاقات السفراء بوزارة الخارجية والإحصاء السنوى العام لمصر منذ عام1911، والمعاهدات التى أبرمتها مصر مع الدول الأجنبية وقانون البوليس المصرى القديم والدليل الجغرافى للقطر المصرى. الدار تضم نحو 2 مليار وثيقة ومستند تخص الوزارات والهيئات الحكومية، منها 63 مليون وثيقة مكلفات أطيان زراعية وعقارات مبنية و27 ألف خريطة مساحية تضم خرائط القطر المصرى من بينها خريطة طابا والتى استندت لها محكمة العدل الدولية فى حكمها لصالح مصر بأحقيتها فى طابا، و2280 محفظة أملاك أميرية تتضمن نحو ربع مليون وثيقة، و16 ألف ملف خدمة للعاملين بالحكومة المصرية منذ 1830 منها ملفات خدمة الشخصيات المهمة، و11 ألف كتاب تضم نحو 12 مليون ورقة لدفاتر المواليد والوفيات منذ عام 1838 حتى 1961 ونحو 104 آلاف مجلد تضم أحكام وزارة العدل من عام 1894 إلى عام 1960. كما تضم الدار 72 مخزنا أخرى لمحفوظات وزارة المالية منذ عام 1872 ومحفوظات وزارات العدل والتربية والتعليم والصحة والرى والاشغال العامة والداخلية والهيئة العامة للتأمين والمعاشات ومصلحة الأملاك الأميرية والجهاز المركزى للمحاسبات. ويقول محمد كامل مدير عام دار المحفوظات: "تم نقل بيانات المواليد والوفيات على أفلام الميكروفيلم حيث يضم الميكروفيلم الواحد 100 ورقة وتضم كل ورقة منها بيانات 122 شخصا، وقد تمت عمليات التصوير على أساس الاحتفاظ بنسختين، الأولى موجبة وهى التى تستخدم لاستخراج بيانات ميلاد أو وفاة أى شخص، والثانية نسخة سالبة يتم حفظها بطرق حديثة وعندما تتلف النسخة الموجبة يتم طباعة اخرى من النسخة السالبة، ويحمل التصوير الميكروفيلمى صورة طبق الأصل من البيانات الأصلية وليست نسخة منقولة منها لأن النقل قد يتضمن أخطاء فى بعض البيانات.