مر يوم 25 ابريل الماضى.. لكنه لم يكن مروراً عادياً... انتهى اليوم وترك وراءه أسلئة أكثر مما أعطى إجابات.. فالشارع المصرى لم يعطى إجابة واضحة فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، وحول تيران وصنافير تحديداً. المصريون تابعوا بصمت الأحداث... تابعوه وهم يدركون أن هناك شيئا خاطئا في المشهد... ويبدوا أن المصريين أعمق من أن يرهنوا حساباتهم ونزولهم لحساب أطراف تعاملت معهم بتعالي اكثر من اللازم... وأقصد هنا تحديداً المؤيدين قبل المعارضين. فجاء الحشد من الطرفين ضعيفاً وباهتاً... وكشف عن انفضاض الجمهور العام عن المشهد السياسي برمته... ربما يكون ضعف حشد شباب الأحزاب والحركات السياسية نابع من أن هناك حملة واسعة من الاعتقالات سبقت يوم 25 ابريل، هذا الى جانب فض مظاهراتهم بالقوة.. مما جعل حشدهم أقل من حشد يوم الجمعة السابقة والتي ظهرت فيه المظاهرات بشكل أكبر... وكان حشد المعارضين حشداً للنخب والشباب المسيس. من ناحية أخرى لم يكن هناك مبرر لضعف حشد المؤيدين... فلا أمن فض مظاهراتهم ولا هناك من اعترض حتى طريقهم... المهم هو أن ضعف الحشد كماً ونوعاً أصابنى بصدمة... إذ يبدو واضحاً ان من دعا للحشد اختار الحشد الممول أكثر مما اختار أن يجمع حتى التنظيمين في أحزاب موالية... وعلى شاكله الاستسهال بدأت هذه الجموع تتجه إلى مكان التجمعات التي اختار أن يتجمع فيها المعارضون. وأنقسم المشهد السياسي الى نزاع على مواقع وسط البلد بين أقليتين.. الأولى ترفض التنازل عن جزيرتى صنافير وتيران والأخرى نزلت تحت يافطة الاحتفال بتحرير سيناء. لكن مخطئ من تصور أنه خرج منتصراً يوم 25 ابريل... لأنه ببساطة لم يقتنع الجمهور العام عقليا وحتى نفسياً بسعودية الجزيرتين... ولا حتى اقتنع بصدق نوايا من تصدروا مشهد التظاهر من أجل الجزيرتين... خاصة انه سرعان ما تحول الأمر إلى المطالبة بإسقاط النظام. هناك خمسة أطرف تنازعت المشهد السياسي خلال 25 ابريل. أ- شباب الحركات السياسية والأحزاب هناك متغيرا كبيرا حدث على نفسية الشباب المسيس في مصر... فإلى جانب حالة النضج والفهم والإدراك التي وصل اليها الشباب بعد 5 سنوات من 25 يناير 2011 ... فهناك تحول فعلى حدث على الجانب الايديولجى... فعلى سبيل المثال تراجعت الأفكار الاناركية... وتصاعدت الأفكار القومية... وبعد أن كانت تهمة الشباب هي الانتماء إلى أفكار الفوضى... وقد ظهر تحولا كبيرا في المرجعية الفكرية لدى قطاعات كبيرة من شباب الحركات السياسية.. وهو تحول ملموس لابد من إدراكة... وكان يستوجب حواراً من الدولة معهم وليس اللجوء الى القمع كبديل عن الحوار... لأن مطالب الشباب كانت تتعلق بالسيادة الوطنية. ب- المؤيدين خرج المؤيون تحت دعوى الاحتفال بذكرى تحرير سيناء... لم يحاولوا في البداية تصدير المشهد على أنه تظاهرات مضادة للمظاهرات التي خرجت ترفض الاعتراف بسعودية جزيرتى صنافير وتيران... وقد ظهر المؤيدين مشدودى الاعصاب منفعلين بأكثر مما يحتمل المشهد... وقد ظهر ذلك في كل مشاهد الحشد والحركة سواء كان ذلك من المنتمين للأحزاب أو من حشد نواب البرلمان ومساندة بعض رجال الأعمال للمحتشدين... وقد ظهرت هناك رغبة في السيطرة على المشهد إعلامياً وعلى الأرض... وقد كان ختام الحشود هو مظاهرة في قصر عابدين بدون رمزية واضحة سوى الاحتفال بذكرى تحرير سيناء... ويبدوا أن هناك رغبة من الداعين للحشد لتصدير صورة حب المصريين للسعودية برفع علم السعودية في مشهد أراه غير لائق وغير محسوب. ج- الحقوقيين كان نزول الحقوقيين وتصدرهم لمشهد التظاهرات يوم الجمعة السابق واثناء 25 ابريل، يأتي في اطار معركة ما زالت مستمرة مع الدولة ... حول مستقبل ومصير التمويلات التى كانت تأتى لعدد كبير من منظمات المجتمع ... خاصة وأن الحكومة ووزارة التعاون الدولى قد أصدر مجموعة من القوانين المنظمة لعمل هذه المنظمات وتوفيق أوضاع بعضها والتي كانت تعمل بشكل غير قانونى وتتلقى التمويلات بشكل يشوبه السرية، لذلك تصدر بعضهم مشهد التظاهر يوم الجمعة وأختفى يوم 25 ابريل ... ويبدوا أن الشاغل الأكبر لهم كان الضغط استخدام مظاهرات الشباب للضغط على السلطة من أجل تخفيف قبضة الدولة على منظماتهم الحقوقية. د. الإخوان مارس الاخوان خلال الفترة الماضية سياسية الاختباء ... وبالرغم من أنهيار قدارتهم على الحشد ورفض الرأي العام لهم .... فقد أعلن الاخوان النزول الى المظاهرات ليس بدافع رفض موضوع الجزيرتين ... فأجندتهم لا تعترف بفكرة السيادة ... ولكن قرر الإخوان اللعب كعادتهم على أوتار الأحداث... فلا يتصور أحد أن الإخوان سيبيعون مصالحهم مع المملكة العربية السعودية في اليمن وسوريا من أجل الجزيرتين أو أي قضية وطنية أخرى ... لكنهم اختاروا أن يعلنوا عن نزولهم وهم يعلمون أن إعلانهم هذا سيؤدى الى انفضاض الرأي العام عن قضية الجزيرتين... وهكذا قدم الإخوان بيانهم بالنزول كهدية للرياض... وفى الوقت نفسه مارسوا هوايتهم المفضلة بخلط الأوراق هنا وهناك وسعوا إلى استخدام مظاهرات الشباب أيضاً للضغط تارة من أجل التفاوض وتارة أخرى من أجل تصعيد شعارات اسقاط النظام ومن وراءه الدولة.. وأخيراً محاولة اقناع الشباب الحزبى والثورى بالعودة مرة أخرى للتنسيق معهم في التظاهرات. الإخوان خرجوا فعليا في مظاهرات نهيا والجيزة... لكنهم نزلوا ليرفعوا شعارات الإسقاط وغالبهم كانوا من أهالى المحبوسين على ذمة قضايا الإرهاب. اخيراً ... ثبت عمليا أن قدرة حشد الإخوان والمعارضة ضعيفة... وكذلك تأكد ضعف قدرة المؤيدين على الحشد... ومازالت الغالبية العظمى للمصريين بعيدة عن المشهد مشغولة بارتفاع الأسعار والظروف المعيشية. أحداث اليوم اثبتت أن مصر تعيش مشهد سياسي تتنازعه مجموعة من الأقليات، اليسار والليبراليون والإخوان والفلول.