اكتفيت بمشاهدة ردود الأفعال على خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي ... وكانت النتيجة ... نكت وافيهات من صفحات متخصصة فى هذا الشأن ... وناس بتعمل شيير على أوسع نطاق ... وفى المقابل لم أجد تحليلاً سياسياً أو اقتصادياً لما جاء فى خطاب أعتقد أنه الأخطر خلال الخمس سنوات الماضية .. المدهش فعلاً أن 90% ممن تداولوا الصور المضحكة أو الافيهات على صفحاتهم الشخصية ... لم يشاهدوا الخطاب أساساً. قد يكون هذا عادياً بالنسبة للمتابع غير المهتم بالسياسة، لكن المدهش هو أن كثيرين من الذى ينتمون أسما أو فعلاً للنخبة المصرية ... انجذب لخطاب الضحك ... وتداول نقداً على طريقة النكتة لبعض الكلمات العفوية للخطاب ... وكأن ندوة في مؤسسة مهمة كالقوات المسلحة .. تتحدث عن موضوع غاية في الخطورة ... حول مستقبل مصر 2030 ... يمكن اختزاله في التركيز على جملة صبح على مصر بجنيه.
ردود الافعال على خطاب الرئيس كشفت لى ... أن من يصنع الرأى العام لدى ابناء الطبقة الوسطى هى صفحات النكت والافيهات ... وهذا يعنى فى الغالب أن شابا ربما يكون محدود الثقافة أو الفكر هو الذى يصنع أفكار وأحكام حضراتكم السياسية ... كما أن هناك صفحات للسخرية تنتجها شركات متخصصة في الميديا ويتحكم فيها مستثمرون تقوم بعملية الإدارة الذهنية لمتابعيها والذى يتخطون المليون متابع في بعضها. هناك سؤال هل كلف أحد نفسه بقراءة مشروع مصر 2030 وقدم له رؤية نقدية؟ ... ألم يكن المفروض أن تقوم حالة سياسية وفكرية لمناقشة هذا الطرح الخطير، والاتفاق والاختلاف حول المستهدف وطرف التنفيذ، وأن يكون هناك أطروحات بديلة ومكملة للطرح الاستراتيجي لمصر 2030. لهذا السؤال الصحيح لماذا تتحول كل القضايا السياسية الهامة والحيوية الى مادة ساخرة سطحية وسريعة الذوبان؟ الرأى السياسي مختلف بطبيعة الأحوال عن الاجتهاد الإعلامي ... فالإعلامى دائماً ما يعطى الأفضلية والاسبقية للسبق، ويهتم بالبحث عن العناوين اللافتة والموضوعات التي تجذب أكبر قدر من المتابعين ... لكن الرأي السياسي والاقتصادي المتخصص يفترض أنه يُعبر عن رأى ايديلوجى – مرجعيته فكرية - ولهذا فإن الآراء السياسية يمكن ان تتغير مع تبدل الأحوال لكنها لا يمكن ابداً أن تتناقض مع الأسس الثوابت الفكرية للحزب أو التيار الذى يعبر عنه السياسي، الى جانب أن السياسي عندما يعطى رأيا يكون مبنيا على علم بالحقائق، لذلك يكون على الساسة مسئولية كشف الحقائق أمام الجمهور، وإظهار البدائل وإنتاج التصورات المستقبلية.
تعانى مصر من أن النخبة السياسية ليست أكثر من تابع للإعلام الذى هو تابع لما يطلبه ويفضله المستمعون، وتكمن الأزمة في أن تراجع الساسة والمفكرين من المشهد أدى الى استمرار حالة التخبط في التعامل مع الرأي العام. بعيداً عن رأيى الشخصي فيما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي ... فإن ردود الأفعال على الخطاب كشفت لى فقراً كبيراً في رصيد النخبة المصرية والإعلامية، كما أظهرت للعيان حجم سيطرة جماعات المصالح على المشهد المدنى في مصري، مما يستلزم أن نقف جميعاً وقفة مع النفس.