الشرق الأوسط يتهاوى بسرعة.. إن الوضع الإقليمي الحالي هو الأسوأ منذ عقود بعد الحرب العالمية الثانية، تولّت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إلى حد كبير إدارة الصراع في الشرق الأوسط. ولكن العديد من التطورات الرئيسية في المنطقة بدأت تتحدى النظام الدولي، وفي مقدمتها أحداث "الربيع العربي" وتصاعد الحركات الإسلامية في هذه الألفية ، بما فيها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام) ، أو الدولة الإيرانية ما بعد الثورة. وبالتالي فإن نسيج الدولة الحديثة بحد ذاته آخذ بالاهتراء في كافة أنحاء المنطقة، حيث تطغى المصالح المحلية مثل تلك العشائرية والدينية والأسرية على الولاء للوطن. وعلى الرغم من الدور الذي أدّته الولاياتالمتحدة، في حماية هذه الأنظمة من السقوط والذي تستمر في تأديته، إلا أنها لن تستطيع إدارة جميع هذه الأمور. خلال ربع القرن الماضي، تعاملت كل إدارة أمريكية مع أزمة واحدة على الأقل في الشرق الأوسط. أما اليوم، فقد اندلعت مجموعة غير مسبوقة من الأزمات في كافة أنحاء المنطقة، قد تشكّل كلّ واحدة منها بمفردها تحدياً كبيراً للولايات المتحدة. والأمر الأكثر قلقاً هو تعرّض نظام الدولة في الشرق الأوسط إلى الانتهاك. فإذا فشلت هذه الدول، فسيتم ملء الفراغ الناتج عن ذلك من قبل مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة من غير الدول. ولا يعتبر تنظيم «الدولة الإسلامية» السبب الوحيد لهذا الانهيار. فإيران أيضاً تتحدى جيرانها عن طريق استخدام حلفائها الشيعة لخلق نفوذ لها في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى رد فعل من قبل السعوديين وغيرهم من السنة الذين يرون أنفسهم محاطين على نحو متزايد بالنفوذ الإيراني. وعلى عكس إسرائيل التي تشعر بالقلق أوّلاً حيال البرنامج النووي الإيراني وثانياً حيال أهدافها التوسعية، تعتبر الدول العربية البرنامج النووي الإيراني إشارة إلى طريقة التفكير التوسعية الخطرة التي تنتهجها طهران. وبالتالي، كان القرار السعودي باستخدام القوة - للمرة الأولى في البحرين، والآن في اليمن - دعونا نؤكد أن الأحداث تتلاحق بمعدلات أكبر بكثير مما نتخيل. الأمريكان غضوا الطرف كثيرا‘ عما يفعله عبدالملك الحوثي وأنصاره من تمدد يفوق حجم وجودهم الحقيقي علي الأرض اليمنية مدعوما‘ بتأييد ودعم إيراني تم غض الطرف أيضا‘ عنه من قبل أمريكا إرضاء لإيران التي تفاوضت حول ملفها النووى وأذرعها تمتد في العراق بزعم محاربة داعش ولا مانع من ذراع أخرى في اليمن بحجة محاربة القاعدة. ومن ناحية أخرى لبث الهلع في نفوس البيوت الحاكمة في الخليج التي باتت تمثل عبئا‘ علي الادارات الامريكية للخوف من سقوط هذه العروش التي تهددها الثورات الشعبية. والتهديد الأكبر من التنظيمات المسلحة التي تركتها تكبر ثم بدأت تلعب لحسابها في إطار تنافس عالمي وإقليمي تفوق حساباته قدرات هذه الانظمة علي تتبع نتائجه وتحجيم ردود أفعاله داخل الاطر التي كانوا يعتقدون أنهم يملكون مفاتيحها . وقد تشعبت هذه التنظيمات بما استولت عليه من أموال ( حصيلة بيع البترول من حقول العراقوسوريا وليبيا .. حصيلة بيع آثار هذه الأقطار.أموال الرهائن) وتضخمت قوتهم بفعل عمليات الاستيلاء علي أسلحة الجيش العراقي والليبي ومن الاسلحة المتطورة التي امدتهم بها دول آخر . وبالتالي فقدت الدول التي تركتها تعمل في البداية السيطره علي هذه التنظيمات التي ساهمت في تخليقها لكنها لم تستطع السيطرة علي تنامي حجمها وتطلعات قياداتها التي انخرطت منذ عقود في التنظير لما أسموه ( إدارة التوحش ) وهي المرحلة التي تعاصر انطلاق اعمالهم (الجهاديه) وتستمر حتي قيام ( دولة الخلافة ). وتذكر بعض المصادر أن الترتيبات تجري لصياغة سيناريوهات تتعلق بمستقبل الخليج العربي ودويلاته ستكون فقط بين أوروبا والولاياتالمتحدة وحلفائها وأعوانها – بشكل ثانوى يعيد تذكير الجميع بمؤتمرات سان ريمو من ناحيه وإيران من الناحية الاخري ،وأن دور آل سعود انتهى وما تبقى مسألة وقت. أما عن تركيا التي فتحت جروحاً بالجملة لن يكون لها دور في ذلك لأن ما من مصلحة أحد أن يرى تركيا قوية تهدد الجميع بالشكل الذي يراه أردوغان الحالم بإمبراطورية عثمانية جديدة..وكانت تريد تحقيق إنجاز سريع. آخر التوقعات التي تتردد بشدة في الكواليس أن (دويلة قطر) أيضا‘ تقف على أبواب تغييرات جذريه – بترتيبات أمريكية غير بعيدة أيضاً عن إيران – ستنهي حكم أسرة آل ثان بشكل نهائي بعد استنفاد قدرتها علي أداء دورها وأن أسرة آل مره تتهيأ لحكم قطر في تطور لم يعد بعيدا‘ ولا عصيا‘ علي التحقق . هناك ترتيبات أخرى بالنسبة لإمارة شرق الاردن ومن الممكن أن تدخل دول اخرى علي خط هذه الترتيبات الدراماتيكية . بكل الأسف .. العالم العربي الان يخضع لعمليات جراحيه يقرر فيها الجراح بمفرده عدد الاعضاء التي سيتم استئصالها للاتجار بها في سوق عالمية تشتعل حساسيتها بعنف أمام رائحة الغاز والبترول في اليمن وسوريا بالاضافة الي المنابع التقليدية في سورياوالعراق وليبيا.