أحيانا نصف بعض أخبار الوفاة بالغريبة أو القاسية، فليس من السهل تلقي خبر وفاة رجل رزق لتوه بابنة صغيرة وتركها فى اليوم الثاني لولادتها ورحل، او شاب ترك زوجته في شهل العسل ورحل، أو خبر وفاة طفل صغير لم يعش من الدنيا شيئاً، أو شاب فور حصوله على شهادته الجامعية. كذلك ملابسات الوفاة قد تكون خبر غريب تتداوله الألسنة، فوفاة أحدهم لأنه انزلق فى حمام بيته وارتطم رأسه بالحائط ومات، لهو خبر غريب يدعونا للاندهاش، أو أن يختنق أحدهم وهو يتناول طعامه لأن قطعة صغيرة من الطعام انحشرت في بلعومه وسببت له الوفاة. هذا يحدث لأننا نظن أن الطبيعي أن يعيش الانسان لسن الستين أو السبعين فيؤدي رسالته كزوج وأب ثم يمت ميتة طبيعية، أو أن يموت قبل ذلك لكن إثر اصابته بمرض خطير أو لتعرضه لحادث مروري مفاجئ، هذا فى نظرنا هو الوقت الطبيعي المعتاد للموت وتلك هي الملابسات الطبيعية المعتادة للوفاة، وما شذ عن ذلك فهو غريب وخارج الإطار. كذلك يمكن اعتبار موت شاب في مقتبل عمره أمرا طبيعيا لأنه لم يتزوج بعد ولم ينجب وبالتالى فليس هناك من مُتعلق في رقبته، ذلك أيضاً يمكن اعتباره طبيعياً، لكنك عزيزي القارئ إن أخذت على عاتقك دراسة أسباب الموت وتوقيتاته وملابساته فسوف تدرك على الفور أنه لا طبيعي فيه ولا شاذ.. الموت لا كتالوج له، لا توقيت ولا طريقة ولا رحمة ولا شفقة ولا مهلة، يحدث في كل الأوقات، للأب وللابن، قبل وبعد وأثناء الزواج، قبل تحقيق حلمك أو بعده، على الشاطئ وفي الحج وفي ستاد كرة القدم وفي حمام منزلك، موتاً فردياً أو جماعياً، وأن تؤدي عملاً عظيما أو وأنت تنزه كلبك.. لا كتالوج ولا ترتيب. عود الثقاب.. نحن مثل عود الثقاب في كل شيء، تخيل أن أحداً أراد أن يشعل سيجارة، فامسك بعلبة الثقاب وفتحها، إنه يمد يده الآن ليلتقط عودا واحدا من الثقاب، هل هو يختار عودا معينا؟ لا، قد يمسك بأحد الأعواد ثم يُفلت ذلك العود من بين أصابعه، فيعود ليمسك بعود آخر، هكذا بلا ترتيب، نحن مثل أعواد الثقاب تلك، فهناك من ينجو من موت محقق كمثل ذلك العود الناجي الذي سقط من أصابع الرجل، وهناك من يموت بينما هو الأبعد عن الخطر والأكثر أماناً.. كما أن العود الناجي سيأتى دوره أيضاً..هو عمرك ومصيرك الذي حدده الله، لكنه لا يخضع لأي قوانين.. نسأل الله أن نموت بعد أن ننل حظاً من الاستمتاع بالدينا، وبعد أن نعمل ما ينفعنا فى الآخرة.