ليلة القبض على الراقصة الخلاعية "برديس" ورفيقتها "شاكيرا"، لا تغرك الأسماء فهي أسماء حركية غير حقيقية لقيادات في تنظيمات "التحريض على الفسق" لنسوان لا يُعرفن للعامة بأسمائهم الحقيقية ولا بوجوههم الحقيقية، ليمارسوا الإرهاب والإفساد فى المجتمع بصوره المختلفة، والأهداف في النهاية واحدة؛ الشهرة والمال بأقصر طريق. في تلك الليلة وقع تحت عيني فيديو لتلك الراقصة، حاصلة بكالوريوس تجارة والأخرى على ليسانس آداب ألماني! تعرض فيه وجهة نظرها فى غرفة التحقيق، وقد بدت وكأنها تستجمع قواها الفكرية وتوظف قدراتها وإمكانياتها التأملية، " طارحة " أرضاً إشكالية المنافسة بين الراقصات الخواجات والعربيات من جهة والراقصات " الوطنيات " من جهة أخرى. كانت تبدو بالفعل مخلصة جداً لفكرتها واندمجت فيها تماماً، حتى كادت تبكي على أموال الجمهور وثروة الشعب التي تذهب هدراً لجيوب راقصات أغراب عن الوطن مثل صافيناز وهيفاء ومايا! تتحدث إذاً من منطلق "وطني" بحت، فالشعب يحتاج كفايته من الدلع والهز دون اللجوء للخارج، ونسوان الوطن أولى من أى هزازة مستوردة بالأموال والأضواء والنجومية. من يغيب عن هذا المشهد العبثي، الذى ترك المصريين ومتعاطيى "الفن" بين هزازة محلية وأخرى مستوردة ؟ هم رموز الفن الحقيقى ممن تركوا وتركن الساحة ليعبث فيها العابثون ويرقص فيها الراقصات المحليات منهن والوافدات، بتسمية ما يقومون به من هلس رخيص فناً. ليس أمامنا اذاً وقد دخلت "برديس" هى الأخرى ساحة "عرض" وجهات النظر ل" تغطية " ممارساتها برؤى فلسفية، إلا أن نعالج القضية بهدوء "قطعة قطعة" بصورة أشمل وأعمق. السؤال المباشر المبسط الذى يتبعه تأصيل منهجي نقدي معمق لأصول هذه القضية الحيوية هو ببساطة شديدة: أين الحرية والتحرر، هل هى فى صف وجانب الفنانة الملتزمة صاحبة الرسالة والغايات السامية والمقاصد النبيلة، أم بحوزة الراقصة الخلاعية المتعرية؟ قد تنجح الراقصة المتعرية، التي تحمل هذه الأيام للأسف الشديد لقب فنانة، في إقناع البعض من الذين ينظرون إلى الأمور بظواهرها أنها الأكثر تحرراً وأنها بعريها وكشفها لجسدها وكسرها لفضيلة الحياء تمتلك الحرية التى لا تمتلكها غيرها من النساء ومن الفنانات على وجه الخصوص، وقد يقع الكثيرون فى فخ هذا الطرح فيصدقونه ويبنون عليه تصورهم لإشكالية الحرية والفن، بل أن الكثيرين من الكتاب والإعلاميين بالفعل من يروج لهذا التصور، بزعم أن الفنانة أو الراقصة تملك من الحرية ما لا تملكه غيرها. أما النظرة الأكثر عمقاً وحسماً فى هذه القضية فلا تنال حظها من الرواج والتأصيل والنشر، نظراً لضعف وغياب الصوت النقدي الموضوعي الذي يطرح هذه القضايا ويعطيها حقها من البحث والتناول والمعالجة؛ فالمبدعة والفنانة الملتزمة صاحبة الغاية والرسالة النبيلة هى الفنانة الحرة والمتحررة من أسر هذا اللون من العروض المكشوفة؛ فالراقصة التي تظن نفسها متحررة ما هي إلا أسيرة هذا اللون المبتذل الذي لا يحمل إلا شكلاً ومضموناً واحداً وهدفاً واحداً لا يتغير ولا مجال لإبداع ولا لفكر ولا تنويع خارج إطاره وسياقه. أما الفنانة والمبدعة الملتزمة الواعية فحريتها لا حدود لها بتحليقها فى رحابة موضوعات ومضامين وأشكال شتى وبمعالجتها لعالمى الغيب والشهادة وباجتذابها لجماهير الفكر والفن والأدب والمتدينين والمحافظين وأصحاب الذوق الفنى الراقى وغيرهم ممن يتشوقون لتلقى الفنون الراقية والإبداع الهادف الذي يحمل فكراً ويتبنى رؤية. نبحث هنا عن سبب اشتهار الراقصات وانتشارهن بعروض التعرى وهز الوسط الذى تطور لهز كل شئ مؤخراً فى بر مصر المحروسة على حساب الفن الجميل الأصيل الذى انزوى وذبل بانزواء وتقهقر رموزه الكبار إلى الوراء، والسبب الحقيقي وراء شهرة الراقصات وفنون التعرى ومخاطبة الغرائز ليس لتميز فى هذه الفنون ولا لكونها تحمل الإبداع والتحرر والجمال كما يروجون باستماتة، ولا لأن المصريين والعرب يعشقون ويقبلون فى غالبيتهم لمثل هذا اللون من العروض الخلاعية الجسدية المكشوفة، وإن كنا لا ننكر وجود شريحة داخل المجتمع تتعاطاها وتقبل عليها. إنما غياب الفن الأصيل وضعف حضور الفنون الراقية التى تقدم الفكر والمتعة الذهنية والإبداع الفني الراقي والبهجة والمرح بدون ابتذال وابتزاز من خلال جسد المرأة أو إمعان فى تعريتها. لتغار هنا متعرية خلاعية مصرية وتجتهد فى منافسة وافدات، ولا تغار فنانة ومبدعة راقية على أصول وحضور الفن الراقى النبيل، الذي إن حضر بصدق وبقوة، فلن يكون لخلاعية مصرية ولا وفدة ذكراً ولا وجوداً. نكمل الحديث لاحقاً إن شاء الله. [email protected]