وقف عرض فيلم حلاوة روح أو اعادته للرقابة بمثابة استخراج شهادة وفاة حقيقية للفن المزيف و الرخيص و كل محاولات العبث بالمجتمع تحت اسم الفن.. و هي خطوة يجب ان تكون علامة او فاصلة محورية لاتخاذ اجراءات و خطوات جادة لاعادة الروح للفن و دوره الحقيقي الذي ضاع.. و تخليص عالم الفن من الادران و السوءات التي لحقت به علي مدي العقود الماضية.. و التي نزلت بالفن من عالمه العلوي المفترض في السمو الاخلاقي وبناء القيم والدفاع عنها و الحفاظ علي الهوية و تدعيم اركانها..الي عالم سفلي.. ليس هذا فقط بل الي عالم مفرط في السفالة غارق في الاسفاف حتي اذنيه.. وتحول من وسيلة بناء وارتقاء في عالم المثل و الفضيلة..الي معول هدم لكل شيء جميل.. لذلك لم يكن غريبا او مستغربا ان يكون نجوم الفن في السنوات الاخيرة هم الراقصون والراقصات من الدرجة العاشرة.. والابطال يتصدرهم حريفة و مرتزقة علب الليل الذين لم يكن يعلم احد عنهم شيئاً الا بعد فضائح اصحاب الغني الفاحش و المتمردون علي نعم الله و الذين يجهلون طريقة شكر النعم واثرياء مراحل الانفتاح و الانشكاح و الدنيا السداح مداح و اصحاب النظرات المتردية لمفاهيم السعادة والانبساط في الحياة.. و كان طبيعيا ايضا ان يتواري عن الساحة النجوم الكبار و الشخصيات الفنية الكبيرة التي تركت بصمات لاتزال اثارها وتأثيراتها باقية فيما يحلو للبعض ان يطلقوا عليه الزمن الجميل.. رغم تحفظنا علي المفهوم ودلالاته.. كان طبيعيا كنتاج للمرحلة وافرازاتها ان تتصدر الراقصات والفنانات واجهة المجتمع فيصبحن مذيعات وقادة رأي و مشاركات في وضع الدساتير و مهيمنات علي فضائيات آناء الليل و اطراف النهار.. ويعلن بكل صراحة انهن يقاومن الارهاب الفكري و الارهاب المسلح.. في مفارقة نادرة تكشف عن حالة السقوط والتردي التي وصلنا اليها علي كل المستويات.. وكان طبيعيا ان تكون البرامج الاكثر اهتماما و تكلفة هي التي تشارك فيها الراقصات و المغنيات بكل درجاتهن الفنية بدءاً من بئر السلم و حتي قاع القاع.. و تكفي نظرة سريعة علي خريطة برامج الفضائيات ستجد ان الغلبة لبرامج الراقصات و قصصهن و حكاياتهن و قفشاتهن و مساخرهن.. وانجرفت القنوات الفضائية لهذا المنحدر اللاخلاقي فكانت كل قناة بقدرة قادر تبيض او تلد سفاحا قنوات تابعة لها واحدة للدراما و اخري للأفلام وغيرها للكوميديا والرياضة.. علي مدار الساعة ولك ان تتخيل ماذا سيتم عرضه علي تلك القنوات التي تجاوز عددها العشرات.. لعب و رقص و تهريج و فضايح و نميمة.. و قصص الغراميات والعلاقات غير الشرعية و قضايا اثبات النسب في تلك الاوساط.. في ابشع تسجيل وتصوير لحالات فوضي غير مسبوقة في الفضاء الاعلامي الحديث و المعاصر..لم تعرفه اي دولة نامية او غير نامية.. حلاوة روح كانت القشة الاخيرة التي كانت تعلق بها ورقة التوت.. كانت ضربة النهاية في الاستهزاء والاستهتار بالفن.. وحالة التدني والترخص التي سادت في دهاليزه والتي صارت سمة عامة علي السطح حتي فاض الكيل و طفح بعد طول صبر وحلم وغفلة من الجميع وممن يعنيهم الامر في المقام الأول حتي جاءتهم حلاوة الروح تتهادي بلا خجل او حياء.. حدث هذا فيما بحت اصواتنا كثيرا.. تحذر و تنذر.. وتصرخ و تشكو الي الله و الناس.. مسئولين و غير مسئولين.. ولكن كنا كمن يؤذن في مالطة.. او لا حياة لمن تنادي.. لابد ان نعترف ان ¢حلاوةروح¢ كشفت الغطاء عن خيبتنا القوية في التعامل مع الفن عموما و السينما و الدراما علي وجه الخصوص.. بخاصةعلي الصعيد الاسلامي و الديني علي وجه التحديد.. بذكاء شديد نجحت القوي المضادة للحفاظ علي هوية و ثقافة مجتمعنا المشحونة بثقافات غريبة و شاذة .. في ان تحصر معركتنا مع الفن علي محور الحلال و الحرام.. يجوز و لايجوز.. في الحجاب و النقاب.. صوروا الفن للإسلاميين و من علي شاكلتهم بانه رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه و دفعوا في هذا الاتجاه بكل الطرق.. و جعلوها معارك حياة او موت.. .. معارك دونها فرط القتاد.. القوي المضادة ادركت مبكرا من تعاليم اساتذتهم في التغريب ..القيمة الحقيقية و التأثير الجبار للسينما كوسيلة اتصال جماهيري.. فقد اعتبر كبار المفكرين ان تأثيرها اخطر علي الناس من الكنيسة..حيث رأي فليون تروتسكي ان السينما يمكن أن تنافس الكنيسة في السيطرة علي جموع الشعب. قائلاً في كتابه¢الثورة والحياة اليومية¢:¢ إن كل الأفلام -كوميدية. مأسوية. خيال علمي. مطاردات عنف. رعب- تحمل ¢وجهة نظر ما¢. تحمل فكرًا محددًا. وليست خالية كما قد يدعي البعض. فالسينما دائما تعكس وجهة نظر تحمل فكراً راقيا أو فكراً إباحيا أو فكرا سياسيا أو اجتماعيا صائبا أو خاطئا. وكان لابد من التعمية علي الهدف الاصلي و الاصيل لرسالة الفن في الحياة و كيف يمكن استخدامه كأداة فاعلة و نشطة في تثبيت القيم و الدفاع عنها وفي محاربة الرزيلة و اهلها و من شايع الفاحشة و يحض عليها.. في الدفاع عن قضايانا القومية.. في مواجهة الحرب المعلنة علي الاسلام كدين و المسلمين كمسلمين.. في تقديم صورة حقيقية عن المسلم الحقيقي.. في تصحيح الاخطاء في مواجهة الافكار المنحرفة.. و الجماعات الهدامة دينيا و اجتماعيا و سياسيا.. في كشف مخططات العملاء و المنافقين في كل عصر.. في فضح المتاجرين بالدين و الوطن.. في تعرية المتربحين بمعاناة خلق الله في كل مكان.. وزاد الطين بلة اننا نسينا او تناسينا سماع بعض الأصوات المتعقلة علي هذا الصعيد و منهم الفنان والمخرج جلال الشرقاوي حيث يري أن الفنون يمكنها أن تفعل ما لا تفعله المدارس ولا الجوامع في أن تكون وسيلة لحب الإسلام. وأن السينما هي لغة الفن الأسهل إدراكا والأقوي حجة للإقناع» ومن ثم فإنها يمكن أن تكون مساعدة للإسلام في متابعة رسالته. لقد ارتكبنا اكبر خطيئة حين تركنا الساحة خالية للداعرين و الداعرات.. الهلاسين والهلاسات.. حين تنحي اصحاب الفكر الجاد و الحقيقي بحجة ان ليس لهم مكان و ان هذا زمن الرويبضة في كل مجال.. واقع الحال يؤكد انه قد غاب الملتزمون كثيرًا عن صناعة السينما. بل أصبح الكثير من الملتزمين "غير مثقفين فنيًّا". وحتي في الأعمال الفنية التي قدمها الإسلاميون بدا هناك نوعى من "الانعزال" وعدم التأثير في جمهور المشاهدين.. وقعنا في الخطيئة حين لزمنا الصمت طواعية او اجبرنا عليه تحت اي مسمي وتركت الساحة لاصحاب الافكار اياها.. تمرح في المجتمع بكل حرية حتي خلطت اوراقه.. لخبطت كيانه و لم تسمح له بالاستقرار علي اي حال.. و لم تتركه يلتقط انفاسه او تمنحه فرصة ليبصر الطريق.. فأخذ يتخبط يمنة و يسرة.. لا يعرف استقرارا.. لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء.. ما بين شيوعية واشتراكية ورأسمالية و علمانية وليبرالية وغيرها من مسميات.. شغلوا بها الساحة رغم انهم يعرفون غرابتها عن مجتمعنا وشذوذها..الا انهم فرضوا علي المجتمع حروبا من اجل تمكينها رغم انف الجميع.. لذلك ليس غريبا ايضا ان تجد لمعركة الهوية وجودا قويا وطرحا اقوي في النقاشات العامة و الخاصة.. تطرح علي كل الموائد في الداخل و الخارج.. يا الله بلاد اقدم حضارة و مبعث التوحيد و ارض الانبياء وقبلة العلم و المتعلمين علي مر التاريخ تثار فيها الآن.. الآن.. ازمة الهوية و يحتدم فيها الجدل بين الأخوة المتشاكسين حول من نحن.. يا للهول.. انها واحدة من اكبر و اشد سخريات القدر.. لم نستطع استيعاب الدرس اليهودي و كيف وظفوا السينما لخدمة قضاياهم وكيف استطاعوا ان يقضوا مضاجع القوي الدولية و يستنفروا الآلات الاعلامية الجبارة وراء افلام باطلهم و ضد حقوقنا الدينية و التاريخية و حتي الانسانية.. التي تقرها المواثيق و الاعراف الدولية فضلا عن الشرائع السماوية.. للأسف الشديد افلامنا.. الدينية و التاريخية.. لا تكاد تعد علي الاصابع.. و لا ابالغ إذا قلت ان الاجيال قد سئمتها من كثرة ترديدها.. هي هي.. تسمعها مع كل مناسبة لا جديد.. وكأننا اصبنا بالعقم الفكري والفني معا.. و التمويل فقط.. متوفر لتوافه الاعمال.. اما الجادة فمرفوضة و غير مرحب بها.. او تحبس في الادراج حتي يقضي الله امرا كان مفعولا.. ** الي الخائفين و الذين يتزرعون بالحديث عن الحرية و اطلاق العنان للمبدع انقل اليهم ما كتبه المفكر و الفيلسوف الكبير الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس مركز الترجمة بجامعة القاهرة: إن الحديث عن حرية الإبداع بلا حدود ولا سقف أخلاقي. إنما هو نوع من الانفلات يروج له أنصار الإثارة من أجل زيادة المكسب المادي وارتفاع حصيلة بيع تذاكر السينما. فعندما تضعف اللغة الفنية. تكون الإثارة هي البديل للفت النظر وجذب جمهور المراهقين لشباك السينما. أما الحديث عن حيادية الفن. فهي وهم» لأن السينما دائما تعكس وجهة نظر تحمل فكرا راقيا أو فكرا إباحيا أو فكرا سياسيا أو اجتماعيا صائبا أو خطأ. ومن ثم نجد أن رأي التيارات الإسلامية التي تطالب الفن عموما والسينما خصوصا بعدم تجاوز السقف الأخلاقي ليست بدعا ولا ابتداعا ولا تطرفا.. فهي متوافقة مع رأي مجموعة من كبار الأدباء والفنانين والفلاسفة الغربيين. بل متجاوزة بمراحل للموقف المتطرف الذي اتخذه أفلاطون الفيلسوف اليوناني الكبير! ** يقول الله تعالي : "و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم. و يتخذها هزوا. أولئك لهم عذاب مهين".. ** قالوا : ما اجتمع المال الغربي الصهيوني مع السينما العالمية إلا وكان الشيطان ثالثهما. ** إن اعتراضات الإسلاميين علي بعض الأعمال الفنية هو في جوهره صراع حول مفهوم الحرية و أبعادها و حدودها. بين من يؤمنون بحقهم في حماية أخلاق المجتمع عبر ضبط ما يشاهد الناس و ما يقرءون. و بين من لا يعترفون بمعيارية المرجعية الدينية الأخلاقية و الاعتقادية..