كان أصعب ما حدث في 3/7/2013 في مصر هو ذلك الانقسام الرهيب داخل المجتمع المصري، وأصبحت الحياة في مصر على طرفي نقيض بين مؤيد للإخوان ورافض للسيسي وبين رافض للإخوان ومؤيد للسيسي. لم يكن مشهداً عبثياً بقدر ما كان مشهداً محزناً حتى داخل الأسرة الواحدة، وانقلب الصراع الفكري إلى صراع عنيف في بعض الأحيان وتكفيري أحياناً أخرى. ولقد وصلت المقاطعة الأسرية داخل الأسرة المصرية إلى حدود لم يتخيلها العقل، ورأيت من قاطع أباه ومن نظرت إلى زوجها على إنه دموي ومن اعتبر أن أخته في طائفة أهل الضلال، وأصبحت تهمه الإرهاب شائعة داخل جدران المنزل المصري، وانهالت الدعوات من كلا الفريقين واعتبر كل منهما موصولا بالسماء . وفي غمرة الموت والقتل نظر كل فريق منها إلى الآخر نظرة شماتة أحياناً وفرح وسرور لقتلى الطرف الآخر أحياناً. وأصبح الكلام في الدين تهمة لدى البعض، وذكر الجيش المصري بسوء خيانة عظمى لدى البعض. وتداولت كلمات لم يعرفها المجتمع المصري طوال تاريخه، وظهر كل ناعق يسب ويسخر من الدين ومن حملة الدعوة إلى الله، وكأن الرسول محمد كان إخوانياً، أو من حمل أمانة الإسلام بعد النبي محمد هو حسن البنا، وانتشر الطعن في الدين بشكل غير مسبوق، والطعن في الكتاب والسنة فاق الحدود. وعلى الطرف الآخر أصبح الاستهزاء بالجيش والدولة المصرية المفردات الأكثر تداولاً على ألسنة هذا الفريق، وما ترك نقيصة إلا وألصقها بالجيش المصري، حتى إن معركة أكتوبر 1973 بدأت تظهر عليها شبهات هزيمة. هكذا وصل الحال بفريق من المصريين السخرية لكل من ينتمي إلى فريق الإخوان ومن يقول بآرائهم حتى لو لم يكن إخوانياً أو ينتمي إليهم، لدرجة وصلت إلى إبلاغ الأمن عن كل من يرى منه أي انتماء إسلامي بدعوى إنه إخواني. كان من المظاهر المصاحبة لهذا الانقسام هو هذا التهاوي في الترابط الأسري والذي كان من سمات المجتمع المصري، وأصبح لغة السباب بين المختلفين في الرأي هي اللغة المتداولة بين طرفي الصراع الدائر في ربوع المحروسة، وفقد المجتمع المصري جزء كبير من سماته الأصيلة في احترام الكبير والتعامل بنوع من العاطفية مع الدماء التي تسيل من أي إنسان أي كان انتماؤه، وأصبحت لغة التخوين والعمالة بدلا من لغة الانتماء، وفقد جزء كبير من الشباب قدوته بعد أن رأينا رؤساء جامعات ومدرسين أكاديمين وصل بهم الأمر إلى تهديد الطلاب المختلفين معهم فكرياً وأصبح الطالب المشارك في مظاهرة سليمة ( أي عنف مرفوض ) يفصل من الجامعة وينضم إلى طابور المشردين وهي قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه الجميع بدل من التوجيه والنصح والإنذار. إن الدماء المسالة على شاشات الفضائيات من كلا الطرفين يجب أن تتوقف وأن يتدخل الحكماء لصنع مستقبل أفضل لهذه البلاد بدلاً من صنع مستقبل فرق بين أهل البلد الواحد، إن المصالحة بين الطرفين لا يجب أن تخضع لحسابات القوة والضعف بقدر ما يجب أن تبحث عن مصلحة العباد على ضفتي النيل. وكلامي هنا مجرد صيحة تحذيرية لكل فئات الشعب المصري، سلطة ومعارضة، أحزاب وأفراد، صحفيين وإعلاميين وباقي فئات المجتمع التي لن تجد لها مكانا تحت الشمس في غير هذه البلاد.