محافظ الإسكندرية يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (صور)    آخر تحديث لسعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري.. وصل لكام؟    «التضامن»: ضم فئات جديدة لمعاش تكافل وكرامة قبل نهاية سبتمبر المقبل    تفاصيل أعلى عائد على شهادات الادخار 2024 في مصر    البيت الأبيض: لا نريد احتلالا إسرائيليا لقطاع غزة    عاجل.. لحظة اغتيال القيادي بحماس شرحبيل السيد في قصف إسرائيلي    إحالة 12 متهما من جماعة الإخوان في تونس إلى القضاء بتهمة التآمر على أمن الدولة    رئيس مجلس الدولة: الانتخابات الحالية بداية جديدة للنادي    كرة يد.. الأهلي 26-25 الزمالك.. القمة الأولى في نهائي الدوري (فيديو)    طقس ال72 ساعة المقبلة.. «الأرصاد» تحذر من 3 ظواهر جوية    التصريح بدفن جثة تلميذ غرق بمياه النيل في سوهاج    شيرين تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: «أستاذ الكوميديا اللي علم الناس الضحك»    أشرف غريب يكتب: أحد العظماء الخمسة وإن اختلف عنهم عادل إمام.. نجم الشباك الأخير    الاستعدادات الأخيرة ل ريم سامي قبل حفل زفافها الليلة (صور)    النيابة تأمر بانتداب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق قرية «الحسامدة» في سوهاج    جداول قطارات المصيف من القاهرة للإسكندرية ومرسى مطروح - 12 صورة بمواعيد الرحلات وأرقام القطارت    وزير الاتصالات يبحث مع سفير التشيك تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي    أوكرانيا تسعى جاهدة لوقف التوغل الروسي فى عمق جبهة خاركيف الجديدة    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    بعد غلق دام عامين.. الحياة تعود من جديد لمتحف كفافيس في الإسكندرية (صور)    طيران الاحتلال يغتال القيادي بحماس في لبنان شرحبيل السيد «أبو عمرو» بقصف مركبة    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    مدير إدارة المستشفيات بالشرقية يتفقد سير العمل بمستشفى فاقوس    حسام موافي يوضح أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    رئيس جهاز دمياط الجديدة يستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل مدينة بالهيئة للعام الحالي    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    مساندة الخطيب تمنح الثقة    أحمد السقا: يوم ما أموت هموت قدام الكاميرا    فريق قسطرة القلب ب«الإسماعيلية الطبي» يحصد المركز الأول في مؤتمر بألمانيا    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اقرأ قصة "أرواح مقدسية" للكاتب أنس أبو سعدة
نشر في صدى البلد يوم 16 - 04 - 2012

قصة تحكي رحلة توأمة روح ما بين مدينة "القدس" و "عائد" الفلسطيني
الخامسة والنصف فجراً بالتمام والكمال، أفاق "عائد" الابن الأكبر للحاج رضوان.. كانت ليلة باردة من ليالي الربيع الأولى.. أفاق وفي لمح البصر قفز من سريره ليطل من شباك غرفته المطلة على الشارع الرئيسي في "الجبل الشمالي" في مدينة نابلس (جبل النار كما تسمى دائماً) وكأنه متشكك من عقارب ساعة الحائط المعلقة في وسط غرفته..! كان عليه أن يجّهز نفسه في أقل من نصف ساعة لموعده الذي انتظره طويلاً.. صلى الفجر ولبس ملابسه التي اعدتها والدته من الليلة الماضية قبل أن يصل عمه "أبو سليمان" سائق الباص الذي سيحمله الى لقائه الأول مع محبوبته.. تلك المدينة التي عشقها دون أن تقابل عيناه أحد معالمها وجهاً لوجه. حلم مراراً بزيارتها والصلاة في مساجدها. في المسجد الأقصى أو في قبة الصخرة.. فكثيراً ما كان عمه يصف له جمالها وهو الذي يتردد عليها ما بين الحين والآخر.. كان لا يعرف سر هذا المكنون من الحب حين كان يرى صورة لشارع أو حي من أحيائها من خلال التلفاز.. كانت الدقائق تمر بطيئة وهو يفكر كيف يشكر عمه على هذه اللفته وقد كان له الفضل الأول أن أقنع والديه باصطحابه في رحلته هذه الى "القدس".. فوالده كان يخشى عليه من السفر خارج نابلس وهو بهذه السن التي لم تتجاوز الرابعة عشر.. إصرار عائد وطمأنة عمه وكلماته له جعلته يرضخ لهذه الرغبة والحلم والعشق البريء. كان ذلك في بدايات الشهر الرابع ابريل من عام 1987م بالضبط، أي قبل عدة أشهر فقط من إنطلاقة الانتفاضة الأولى..
لم تمض نصف ساعة وإذا بعائد يصعد باص عمه وهو يحمل شنطته الصغيره التي أعدتها له والدته الحاجة "عائشة" وهي تدعو له بزيارة آمنه وصلاة مقبولة في الحرم القدسي. رمقته وهو يصعد للحافلة ويقبل يد عمه بنظرة ملؤها الحنان والرضا وهو يشير اليها بيده أن لا تقلقي علّي فقد أصبحت شاباً يُعتمد عليه.. كما أنه سيكون برعاية عمه طوال رحلة الذهاب والإياب. وصل عائد ضواحي القدس عند بيت حنينا فأشار له أبو سليمان ها نحن في مدينة القدس. بدأ عائد يستعد لهذا اللقاء ودقات قلبه تتسارع وتعلو.. كانت الغبطة بادية عليه لنجاحه في أن يحقق حلمه في الوصول اليها ورؤية هذه المدينة المقدسة. ما هي الا دقائق قليلة وإذا بهما يدخلان باب العمود ويخطوان بعض أمتار ليصلا الى المسجد الأقصى ويصليان ركعتين لله تحية للمسجد. قضى عائد وعمه أبو سليمان النهار في جنبات الحرم القدسي وقد كان هذا النهار سريعاً جداً بالنسبة لعائد. لم تشف هذه الزيارة ظمأه، بل زاد تعلقه بهذه المدينة وباهلها الطيبين وبشوارعها، أسوارها العالية وأبوابها الضخمة. رجع الى نابلس وهو يحلم بالعودة اليها. الى القدس التي أحّس أنه ترك مضغة من جسده وراءه هناك..! روحه بقيت معلقه بهوائها وبين ثناياها.
تكلم كثيراً عنها لزملائه واصدقائه في المدرسة عن المسجد الاقصى وكنيسة القيامة، عن القبة الذهبية للصخرة المشّرفة التي بهرته بجمالها.. ملوا حديثه المتكرر عنها وتعلقه المفرط بالقدس.
كبر عائد وكبرت صلاته وتعلقه بهذه المدينة وهو لا يزال لا يعرف السر في ذلك..! تمنى في سره وعلنه لو يستطيع أن يكمل دراسته في إحدى مدارسها، ولّما كان من الصعب تحقيق هذه الأماني فكانت أمنيته أن يكمل دراسته الجامعية في إحدى جامعاتها أو معاهدها العلمية.. لم تتحقق له هذه الرغبة أيضاً لإصرار والده أن يدرس عائد في جامعة النجاح الوطنية، الجامعة العريقة في مدينة نابلس.. كان هذا الإصرار من والده وراءه أسباب منطقية أهمها عدم قدرة والده المادية ليدرس في جامعة خارج مدينته ولحاجته للمساعدة في محله التجاري القريب من جامعة النجاح في منطقة رفيديا وهي إحدى مناطق نابلس المعروفة.. دخل عائد كلية التجارة – قسم المحاسبة لكن ظلت أحلامه معلقة بالمدينة المقدسة.. يسعى لزيارتها والتجول في حارتها والتسوق من اسواقها العتيقة كلما سنحت الفرصه لذلك.. في بداية السنة الأخيرة له في الجامعة انتفض قلبه من مكانه حين وقعت عيناه على زميلة له تدرس في نفس الكلية لكن في قسم ادارة الأعمال وكانت معه في إحدى المواد الدراسية.. لم يفكر بهذا الموضوع من قبل لكن كما يقال: " ليس للحب ساعة..!" أحسَ وكأن الله يرتب له مفاصل حياته ليزيدها تعلقاً بالقدس.. فقد كانت "وفاء" من هذه المدينة الغالية على قلبه.. تلك المدينه التي طالما حلم أن يتنفس دائماً هواءها فإذا بنصيبه يأتي اليه من هناك الى مدينته نابلس ويسكن قلبه في الصميم.. كان يقول لنفسه "سبحان الله" كم كان بودي أن أسكن في القدس فإذا بي أسكن اليها ويقصد وفاء..! كانت وفاء طالبة في السنة الثالثة وابنة العشرين ربيعاً من سكان حي الثوري في مدينة القدس.. كان أبوها تاجراً يزور مدينة نابلس باستمرار وكانت أمنيته أن يدّرس أحد أبنائه في جامعة النجاح فكانت وفاء أكبر بناته ومن حقق له هذه الامنية.. منحه الفصل الدراسي هذا التعرف عن قرب على وفاء وعلى جمال خلقها وروحها.. تعلق بها وأحبها بدون حد ودفعه هذا التعلق والحب الى أن يصارح عائد والديه بالامر بعدما أبدى لوفاء إعجابه وأنه يود الارتباط بها ووجد قبولاً وإعجابا لديها هي أيضاً به..
إنتظر عائد بضعة أشهر ليتخرج من كليته وأول ما قام به هو التقدم مع والده الى الحاج محمد والد وفاء بطلب يدها لتكون زوجة له على سنة الله ورسوله.. لم يكن خالد الأخ الوحيد والأصغرلعائد يرافقهم لوجوده في المعتقل الاسرائيلي منذ سنة تقريباً.. فرح الوالد بهما لكن كان له شرط وهو أن لا يتم الزواج الا بعد تخرج وفاء من جامعتها بعد سنه تقريباً فوافق أبو عائد وولده على هذا الشرط وتمت الخطبة.. كانت هذه الخطبة إنقلاباً في حياة عائد الذي اعتبر نفسه من تلك اللحظة قد أصبح مقدسياً..! تحقق حلمه باقترانه مع وفاء.. أحس أن روحيهما اقترنا ليصبحا وكأنهما روحين مقدسيين..!
تخرجت وفاء بعد عدة أشهر من الجامعة وبعد شهر واحد فقط كانا هي وعائد في عش الزوجية وأكتملت الفرحة بحصوله على عقد عمل في المملكة العربية السعودية للعمل لدى شركة كبيره هناك.. كان ذلك في صيف عام 1996م، سافر عائد للالتحاق بهذا العمل لوحده اولاً وبعد أربعة شهور عاد ثانية لزيارة الاهل وليصطحب وفاء معه الى حياته الجديدة بعدما هيأ لهما المسكن المناسب هناك.. هذه المره كانت اقامته بعيدة جداً عن المدينة التي تعلق بها.. ما كان يهّون عليه أن وفاء كانت معه، والتي كان يرى فيها الزوجة والحبيبة و"القدس" التي لم تغب عنه لحظه..
مرت سنوات الغربة ثقيلة رتيبه لولا ذاك الدفىء الذي كانت زوجته الغالية تمنحه اياه ومولدهما البكر "ايليا" وهو الاسم الكنعاني القديم للقدس.. كان هذا الطفل ثمرة حبهما وقطاف زواجهما الوحيد.. مر على عقد العمل سبع سنوات زار القدس وفلسطين فيها مرتين لمدة قصيره.. كانت فلسطين وأهلها مشغولين جداً بالانتفاضة المباركة التي سميت الانتفاضة الثانية.. تغيرت خلال هذه السنوات الكثير من الأمور والأحوال.. تعقدت ظروف الفلسطيني بشكل كبير وتغيرت الظروف المعيشية والنفسية.. غَيَّر الاحتلال القوانين وعقد اجراءته بحجة الانتفاضة.. صار المرور بين مدينة واخرى يحتاج الى إذن أو تصريح..! صار التنقل صعباً والشهداء كثر وتوقفت الحياة عند ذلك وكأنها الحياة نفسها ماتت..! توقفت التجارة واقفلت الجامعات والمعاهد ولم يعد المحل الذي يملكه أبو عائد مصدراً لأي رزق.. تنوعت الحواجز ما بين ثابتة ومتحركة بل أكثر من ذلك لتتحول الكثير منها الى معابر ممنوع المرور من خلالها إلا لمن يحمل تصريحاً خاصاً.. تعقدت الامور وفي مدينة القدس بالذات وعلى أهلها خاصة على من تزوج من مقدسية أو من تزوجت من مقدسي واحدهما يسكن في أراضي الضفة الغربية.. ملاحقين في بيوتهم وإقاماتهم ومصادر رزقهم.. صارت إقاماتهم فيها مهددة في أي وقت، ومعرضون للطرد في أية لحظه.. صارت حياتهم أقرب الى الجحيم..
في السنة السابعة لاقامة عائلة عائد الصغيرة في المملكة ظهرت على ايليا علامات المرض فقد سقط مغشياً عليه في ساحة مدرسته.. ترك عائد مكان عمله مسرعاً والخوف يملؤه على أبنه الوحيد وسر احتمالهما لغربتهم القاسية.. وصل المدرسة ليرى طفله وقد أتعبه الألم الذي أخذ يعاوده كل فتره.. أسرع الى الطبيب الذي تربطه صداقة منذ وصل لهذه الديار.. فحصه الطبيب وأحضر له الممرض نتائج الفحوصات التي أخذها له في المرة السابقة حين أحس بنفس الاعراض وهو في البيت.. قرأها بتمعن وتغيرت ملامحه سريعاً.. نظر الى عائد نظرات مرتبكة وقال له بصوت يختلط به الحزن: عد يا صديقي بإبنك إلى الوطن فهو يعاني من مرض خطير ومتقدم..!! لم يكمل الطبيب كلماته وإذا بالدمع يطير من عيون عائد.. لم ينبس بكلمة سوى أنه تمتم وكأنه كان يقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" .."لا حول ولا قوة إلا بالله"..
لم يعد عائد الى البيت بل عرج على الشركة التي يعمل بها وقدم استقالته عاد بعدها الى البيت ولم تكن وفاء تعلم أن طفلها قد عاد للشكوى من أعراض مرضه.. قرأت وفاء عيون زوجها ورأت فيها حزنا لا يمكن إخفاؤه.. ما بك عائد..؟ ما به ايليا..؟ لماذا عدتما مبكراً..؟ رد عائد باقل ما يمكن من الكلمات وأضاف ايليا مريض يا وفاء وأنا قررت أن نعود الى فلسطين..!! الى فلسطين..؟؟ ماذا تقول يا رجل..؟ أنت تعرف الظروف في فلسطين..؟ ماذا اخبرك الطبيب قل لي..؟ قال لها لا دخل للطبيب في قراري بل رغبتي إن كتب لنا الله أن نموت أن يكون ذلك على أرضنا.. الرجاء تحضير اهم حاجياتنا سنسافر خلال أيام قليله..!
بعد ثلاثة أيام كانت العائلة في الاردن ومنها في اليوم التالي في فلسطين المحتله.. وصلا نابلس لتتفاجأ العائلة بقدومهم بغير موعد اجازتهم السنوية وهي التي بالعادة في الصيف.. أبلغ عائد والده بالخطب وبمرض ايليا فكان حزنه شديداً على ذلك لكنه نصحه أن يبلغ والد وفاء بالأمر فكان ذلك.. طلب الحاج محمد من عائد ووفاء وايليا أن يحضروا الى القدس فالعلاج فيها أفضل.. حمل عائد طفله ايليا برفقة وفاء بعد أن تمكنوا أن يحصلوا على سيارة إسعاف من المستشفى الإنجيلي في نابلس ليخفف من تعقيدات الحواجز الإحتلالية المنتشرة على الطرقات.. وصلت سيارة الإسعاف بسهولة غير معهودة الى معبر قلنديا القريب من مدينة رام الله ومدينة القدس أيضاً.. أوقف جنود الإحتلال السيارة عند هذا الحاجز وسأل السائق عما يحمل فابلغه أنه معه حالة خطره لطفل.. فاشار لعائد أن يعطيه الهوية الشخصية وعندما راءها طلب من عائد النزول والترجل من السياره.. أشار الجندي الى سائق سيارة الإسعاف أن يستمر بالمسير بدون عائد..!! قال له هذا ولدي وهو مريض جداً وأريد أن ارافقه الى المستشفى.. لم يرد عليه الجندي بأي كلمة ورمى له هويته على الأرض..! التقطها وهو ينظر الى سيارة الإسعاف التي تحمل حبّيه.. وفاء وايليا بالإضافة إلى الحب الأول "القدس" التي رغم مصابه كان فرحاً أنه سيعود إليها.. لمح من خلف زجاح السيارة وجه وفاء وكأنه يراها لأخر مره..! لم يستطع أن يرفع يده مودعاً لصدمته غير المتوقعة بإرجاعه عن هذا الحاجز اللعين.. همس في نفسه ربنا يراعك يا وفاء ويحميك.. ربنا يشفيك يا ولدي الحبيب ويعيدك إلينا مشافى معافى..
رجع عائد الى نابلس وأمله أن يحصل على تصريح لزيارة القدس كما نصحه الجميع ممن عرف عن موضوعه وعودته من على الحاجز.. ذهب مرارا للارتباط المدني في مدينة نابلس وقدم عشرات المرات لهذا التصريح لكن كان مصيرها كلها الرفض..!! في كل مره يخبروه أن يحاول مرة ثانية لأن قبول التصريح يعتمد على مزاج الجندي الذي يفحص حالته..!! لعل وعسى أن يكون الجندي القادم بمزاج جيد يقبله...!! هكذا أخبره ضابط الإرتباط الذي قابله أخر مره..
في كل هذا الوقت كان اتصال عائد بزوجته وأهلها من خلال الهاتف فقط.. كان كل ليله يكلمهم ليطمئن على أحوالها والوضع الصحي لطفلهما..- وكانهم في دولتين متباعدتين- كانت وفاء في تلك الفتره قد فهمت القرار المفاجئ لزوجها بالعودة الى الديار.. فقد أخبرها الأطباء في مستشفيات القدس الوضع الحرج لإيليا واستحالة تعافيه.. لكنها مع كل ذلك كانت تصّبر عائد وتطمئنه عليه وعلى حالها وتقول له إنني لم أشتق لك لانشغالي بطفلي لكي لا تزيد معاناته والمه.. الحقيقة أن وفاء كانت إسماً على مسمى وجبلاً لا تُطال قمته.. كان عائد فخوراً باخلاقها وتدبرها لأمور الحياة بخفة وصبر وإصرار.. كان يحدث والده وإخوته كلما جلسوا بدونها في الليالي التي كان يقضيها معهم في زيارته السابقة.. كان والده يكرر على مسمعهم جميعاً نَعمَ من يقترن بزوجة مثل وفاء.. إنها أصيله مؤدبة بنت ناس.. احترمها الجميع ودخلت قلوبهم جميعاً بدون استثناء.. كان خالد الإبن الذي يصغر عائد بسنتين قد أفرج عنه من الإعتقال قبل فترة قصيره.. لكنه كان يعرف وفاء بشكل جيد ويكفي ما كان يسمعه عنها من عائد ومن جميع أفراد عائلته..
بعد اكثر من سنتين من المحاولات والرفض المستمر ليحصل عائد على التصريح الذي يسمح له أن يزور القدس ويجتمع مع زوجته التي تحمل هوية القدس وطفله الذي يعتصر قلبه عليه.. لم يتحمل عائد أن يعود الى البيت بل ركب أول تكسي يوصله الى معبر قلنديا.. اتصل على خالد وأبلغه أنه أخيراً قد حصل على التصريح الذي يدخله على قلنديا ومنه الى القدس.. كان ذلك في خريف العام 2005م وقت العصر تقريباً.. وصل الى المعبر وكان المكان هادئاً لا يسمع سوى أصوات حركة البنادق التي يحملها جنود الإحتلال في الموقع.. حركة سيارات خفيف معظمها لسيارات مستوطنين.. نزل عائد من سيارة الأُجرة وتوجه بمشية تظهر عليها الإستعجال.. كان بوده أن يفاجئ غاليته وفاء بقدومه إليهم وأن يضم الى صدره ايليا حتى ولو أنه على فراش المرض الخطير الذي أضعفه وحوله إلى بقايا طفل.. دخل المكان الذي ما زال يتذكره تماماً حين أعادوه من عليه وتذكر وجه الجندي الذي ألقى بهويته على الأرض دون أن يعطيه سبباً واحداً يمنعه من العبور.. في ثوانٍ قليلة وقبل أن يري الجندي هويته وتصريحه كان هناك صوت إطلاق رصاص في الجوار.. وهكذا بدون سابق إنذار وجه الجندي الذي يقف على البرج المقابل للمعبر صليات من الرصاص الحي من بندقيته استقرت واحدة منها في دماغ عائد..!! توجه عائد بدون قصد بوجهه تجاه القدس وتمتم قبل أن يلفظ أنفاسه بأشهد أن لا إله إلا الله.. ارتفعت روحه إلى بارئها وفي نفس اللحظة تقريبا كان يدق تلفونه المحمول وحين لم يرفعه، أتصل الحاج محمد بأبوعائد ليخبره الخبر المفزع وهو وفاة حفيده الوحيد والأول في المستشفى..!
مرت أشهر حزينة عصيبة على العائلتين وعلى القدس بالتأكيد لانها فقدت محباً كان طوال حياته يتمنى العودة إليها زائراً أو ساكناً.. كان حزن وفاء عليه أيضاً كبيراً جداً فما عرفته الا فارساً رجلاً قلت أمثاله.. لم يخفف من حزنهم جميعاً سوى خبراً فجّره خالد أمام الجميع بأنه ينوي التقدم للزواج من حبيبة أخية وزوجته وفاء..!! لم يكن هذا القرار وفاء لأخيه فقط بل لأنه كان على قناعة تامة أنه لن يجد من يسعده سوى وفاء البنت المقدسية التي تعلق بها أخوه عائد فقرر أن يجدد بزواجه هذا منها أرواحاً مقدسية ربطت وفاء بعائد...!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.