آمال شابة حزينة ذات العشرين ربيعًا، كان من الممكن أن تكون طبيبة، او مهندسة، أو محاسبة، أو إعلامية بارزة، وكان من الممكن أيضًا أن تكون محامية تدافع عن الحق وترسي مبادئ العدل والمساواة. ولم تصبح آمال محامية أو طبيبة، ولم ترتد زي الأطباء أو المحامين، لأنها وببساطة ارتدت ثوبا آخر!! نعم ارتدت ثوبا آخر، ثوب سجن النساء الأبيض، وارتدت معه الوصمة والعار الذي سيلازمها طوال العمر! ارتدت آمال ثوب العذاب الأسود بطعمه الحار منذ أن كسرها أبوها واعتدي عليها وفقدت شرفها ووالدها، وبيتها. حيث قالت آمال وهي حزينة "كنت عائدة من المدرسة بعد امتحان الشهادة الابتدائية، سعيدة بانتهاء الامتحان إلا أن بابا اعتدي علي بدون مقدمات، تركت البيت الذي يضم أمي و4 أخوات اشقاء، و4 غير أشقاء، تركت البيت وأنا أبكي وتوجهت إلى منزل الجيران، وبعد ذلك حدثت مشكلة وعراك بين الجيران وأبي، وقاموا بضربه بمشاركة أهل الحي، وقال لهم مؤكدا علي فعلته نعم أنا اعتديت علي آمال.. لأنها ليست ابنتي! وتقول "آمال" هنا فقط قررت أنا أترك المنزل، واتخذ من الشارع منزلا بعيدًا عن كل ما حدث لي! لم أفكر فيما سيحدث لي في الشارع ولكن كل ما فكرت فيه هو أن أهرب من سجن البيت إلي حياة أفضل! اهرب من جحيم أبي إلي حياة أفضل! هكذا تصورت، وهكذا فكرت يوم اعتدي علي أبي! وتستمر آمال في سرد قصتها وهي ترتدي الثوب الأبيض ثوب سجن النساء.. نزلت الشارع، وفي البداية استقبلني أطفال الشوارع بكل ود، وأخوة، مستمعين إلي قصتي في حزن.. ولكن سرعان ما انقلب هذا الود إلي الحقيقة، وهي إجباري علي ممارسة كل شيء وأي شيء.. في البداية طلب مني قادة الشارع بيع المناديل في الإشارة، وسرقة ونشل المارة، وفي الليل كانوا وزملاؤهم يتناوبون الاعتداء علي بوحشية.. وبعد أيام طلبوا مني نقل أقراص مخدرات إلي تاجر في منطقة وسط البلد. استقبلني التاجر استقبالا حارًا انتهي بالاعتداء علي.. وطلب مني أن أترك الشارع ليوفر لي عملا أفضل كخادمة في منزل سيدة.. تركت الشارع وذهبت لأعمل خادمة لدي السيدة، وبعد قليل اكتشفت أنها تدير منزلها للدعارة، وكنت أمارس الدعارة وتعطيني هي أجري مقابل ممارسة الدعارة، ومقابل عملي كخادمة! وتستمر آمال في حكايتها التي لا تختلف كثيرا عن حكايات فتيات الشارع، وإن كانت نسخة مكررة مع بعض التعديلات.. وتقول: استمر الحال، وتأقلمت معه، حتى طلبت مني السيدة إن أقوم بنقل مخدرات إلي تاجر جديد، ولكن كانت المخدرات بكمية كبيرة، وذهبت حاملة البضاعة وهنا تم القبض علي، لأدخل السجن.. وأحمد الله أنه تم القبض علي لأعيش سنوات طويلة لا أعرف عددها في مكان محترم بعيدا عن الجريمة.. أتعلم حرفة وأبيع منتجاتها لأشتري ما أريد من كانتين السجن! لم يسأل عني أحد طوال هذه الفترة، ولا أعرف المدة المتبقية لي داخل السجن، وإن كانوا قد أخبروني أنني قد أخرج قريبًا! المشكلة التي أريد لها حلاً.. ماذا سأفعل حينما أخرج من السجن؟ لا أريد أن أعود مرة أخري إلي ما كنت فيه.. هنا لا يتعرض لي أحد.. أريد أن يكون لي مأوي آمن وعمل شريف، بعد أن تخلت عني أسرتي والمجتمع.. أريد حلا! وهنا توقفت آمال.. ونحن نستمع إلي شكوتها ونفكر في الحل.. هل سنترك آمال وغيرها يخرجون من سجن النساء إلى سجن المجتمع؟ أعتقد أنه أن الآوان لنفكر في هؤلاء الذين يخرجون من السجن لنضمن لهم حياة كريمة، لكي لا يعودون إلي الجريمة والجنوح مرة أخري.. هذا حقهم، ودور الدولة في أن تضمن لهذه الفئات حياة كريمة لكي لا يكونوا سلعة رخيصة لكل مجرم يستغل حالة ضعفهم وحاجتهم.. دور الدولة في عدم ترك لحمها في الشارع. "آمال" وغيرها من خريجات سجن النساء في حاجة إلي اهتمام من مؤسسات الدولة، وفي حاجة إلي نظرة جديدة شمولية وليست نظرة خيرية.